الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نور العين

طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)

2010 / 3 / 15
الادب والفن


ـ راح الولد.
قالت الجدة، وأمسكت جدار صدرها الحزين...
ـ سيعود..!!
قالت الجارة، لتهوّن من عذاب الجدة.. وأضافت:
ـ أخذوا ثلاثة من قبل، وأعادوهم اليوم صباحاً...!!
لم تسمع الجدة، لأنها كانت خارج اللحظة، لفّت قطعتي بخور في منديلها، وقطعت المسافة بين العتبة والطريق بسرعة عجوز في العقد الثامن...
ـ أخدو نور العين.. أخدوك يا نور العين!!!
ترددت العبارة في أذنيها رغم الحطة السوداء المغلّفة بمنديل حريري أصفر والخطا تسرقها في طريق حجري شقته آلاف الخطا عبر رحلة العبادة الطويلة...
في أعلى الجبل وسط أشجار البلوط والسنديان والقطلب، ركعت.. مسَّدت جبينها العاري فوق مسام حجر خشنة، وذرفت ما جادت به عيناها.. انتعش صدرها بهواء مقدس.. سالت ذاكرتها الأحزان.. تجمعت كلها في قطرة ندى، علقت على حافه فمها المشعر المرتجف.. نشفتها بقطعة خضراء، ارتسمت في وسطها صورة وجه نور العين الغائب..
الهواء المقدس يحرك أغصان الشجر ويسمح للضوء بالمراقبة، وعلى أخيلة الضوء المتراقصة، والرائحة الخصبة، قرأت دعواتها الدافئة...
يا رب يا كريم.. يا عالي يا رحيم...
تحفظ عبدك المسكين.. الغالي نور العين...
وكان دمعها خصباً، هذه العجوز اليابسة..

جلست في شرفة منزلها، تراقب الشمس في مغيبها، والطريق الملتف حول الجبل، والصاعد في مغيب آخر...
ـ غاب نور العين..!! غابت الشمس وما رجع نور العين..!؟
تمنت لو أنها تمسك الجزء الباقي منها، والعالق خلف التلة الخضراء، لو تمسكه بكلتا يديها لتمنعها من المغيب، حتى يعود نور العين...
الطريق طويل عند المغيب، وبعد المغيب...
قلب جدتك معك.. قلبها وروحها، ودعواتها الدافئة...
تنام الجدة على السرير الخشبي المنصوب في الشرفة منذ دهر...
كانت قد رفعت صحناً مليئاً بطبخة الأمس لحفيدها الغائب..
رفعت "المنخل"، ورمت حصته للدجاج، وغسلته، وانتظرت الموقد القديم الشاحب، لينهي طبخة اليوم، فترفع صحناً آخر علّ الغائب يأتي اليوم فقد طالت غيبته...
لفّتْ قطعتي بخور، وشقت طريقها عبر الدغل الأخضر الكثيف،توقد قلبها وعينيها، وتُذوِّب دموعاً خصبة أخرى...
دخلت إلى المكان الذي الذي يحمل في جنباته أحزان الناس وطلباتهم..دارت حول الضريح..لامست بكفيها أطرافه المشرشرة..ألقت وجهها في باطنه وأغمضت عينيها..
ترجّت العالي الكريم.. الغفور الرحيم.. أن يعيد القلوب، ويجمع الأحبة....
نشَّفت دموعها، ومسحتْ أنفها بطرف تنورتها الواسعة المرقطة، وأخذت نفساً عميقاً، زرع السكينة في قلبها الحزين،
فأيقنت أن دعواتها وصلت ، وأن ربها _ رب العالم _ يرعى نور العين برحمته..

غابت شمس أخرى، ولف المساء الدار..
أغلقت الجدة باب خم الدجاج، وفرشت سريرها..
رطبت فمها من جرة، وجلست على طرف السرير، فتحت يديها فوق فخذين يابسين..
تثاقل رأسها ذو الحطة السوداء الموشحة، وسال فمها همهمة وصلت أذن السماء الوديعة المرصعة بالدعوات .
اتكأتْ، وبعد ساعات غَفَتْ على وقع النجوم المتزاحمة...
غصَّ الديك بالبكاء.. حزنت الدجاجات.. اختبأت حصة "نور العين" في" النملية " تحت "المنخل".. ملّ البخور من رائحة كيس ورقي قديم...
طال انتظار الجارة لتسمع من فم الجدة، يا الله يا كريم...
الجدّة التي تمددت في السرير الخشبي القديم...
الحطة سقطت على الأرض، ومال رأسها على الجانب الآخر، وافترق خصلاً شعرها الخفيف الرمادي، ليغطي وجهها المؤمن الشاحب...
رأتها الشمس من بعيد، فأرسلت خيوطها الذهبية الدافئة، تحاول بعث الجسد الساكن.. الساكن والبارد.. والبارد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس