الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المسافة و اللغة
باقر جاسم محمد
2004 / 7 / 17الادب والفن
( قصة قصيرة)
إلى فاطمة الزياني/ نحن ننتقل في المكان في شتى الاتجاهات و لكن الزمان ينتقل بنا في اتجاه واحد.
باقر جاسم محمد
دخلا قاعة الكازينو البحري و ما تزال الشمس طفلة في صباح ربيعي بارد فشعرا بدفء المكان ؛ و كان صوت فيروز يملأ المكان بألفة روحية عميقة و هي تغني
" لا تسألوني ما أسمه حبيبي " . كانت هي أكثر شبابا و نظارة من ، لكنهما كانا منسجمين تماما . اتخذا مقعدين عند إحدى الطاولات القريبة من نافذة واسعة تطل على البحر، البحر الذي كان يدمدم هادئا و كانت أمواجه تومض بالتماعات و إشارات سرية بينما تحلق بضع نوارس في العمق.
بعد لحظات جاء نادل شاب مرحبا و سائلا إياهما عما يرغبان فطلبا كأسي عصير طبيعي. وحين غادرهما عادا إلى عالم فيروز و عند انتهاء الأغنية أحضر النادل لهما ما طلباه و تركهما في خلوتهما الهادئة.
نظرت هي الى المكان مستطلعة و كان هو يتطلع الى البحر . قال:
- حين أكون على ساحل البحر أتذكر السواحل و الضفاف الأخرى و أحاول أن
أتخيل الناس الآخرين في تلك الضفاف .
قالت:
- ترى هل يتذكرك أحد منهم ؟
- ربما.
سكن الحديث و لم يسكن ما في نفسيهما . قطعت الصمت بالقول :
- انظر إلى تلك اللوحة .
فنظر إلى حيث أشارت . كانت لوحة كبيرة من لوحات الطبيعة الصامتة تمثل طبقا مملوءا بفاكهة متنوعة على طاولة و إلى جانب الطبق سكين ؛ و في قمة الفاكهة تستقر
تفاحة حمراء مخضرة تغري الناظر بأكلها.
قالت:
- يالها من طبيعة ناطقة !
قال:
-إنه مصور بارع حقا. فأنا أتذوق طعم التفاحة و هي تملأ فمي بالعصير كما أحس أن
رائحة التفاح تضوع في المكان.
سألت:
- هل تعرف المصور ؟
فأجابها :
- كلا . ربما يكون ماتيس .
ركزت نظرها على وجهه المتعب و ملامحه الموحية بمزيج من الطيبة و الفطنة ؛ و في اللحظة عينها كان هو يركز نظره عليها محاولا أن يستوعب ملامح وجهها الحادة الجميلة . مد يده و حين مست أصابعه يدها المستقرة مثل قبرة فوق الطاولة ، شعرت برعشة تسري في جسمها و شعر هو بأن البرزخ الذي كان يفصل بينها قد بدأ يتقلص. ارتبكت و أدارت وجهها قليلا و نظرت من النافذة في الأفق البحري الواسع حتى تداري ارتباكها فانعكست صورة الشمس الطالعة من مشرقها في عينيها السوداوين . كان هو يتأمل ذلك التألق الغريب في عينيها وقد خالجه شعور بأنه يثمل و أنه يرتفع شيئا فشيئا في فضاء أزرق شفيف . قالت:
- كم هي شمس الربيع جميلة ! إنها تجعل الأشياء و الكائنات تتألق .
قال:
- كم أنت جميلة ! إنك تجعليني أرى الأشياء و الكائنات تتألق .
تساءلت :
- هل يمكن ؟
- يمكن ماذا ؟
- أن نجعل المسافة بيننا تتلاشى ؟
- يمكن ( ثم بعد صمت قصير ) و لكن ذلك يعني طريقا صاعدة و مكابدات و إلا فلن تعود الأشياء و الكائنات متألقة.
نظرت إليه برهة و هي صامتة و متأملة . كانت تحاول استيعاب ما قاله ولم يقله. و كان هو ينظر إليها متابعا حراكها الروحي . ابتسمت و هي تشعر أن أفقا روحيا شاسع الاتساع قد انفتح أمامها . و لكنها أحست أيضا بأن نفسها تتوزع بين حاجات الجسد و حاجات الروح ؛ فاجأها بالقول:
- نفسي موزعة كما هي حال نفسك ، و لكنني حريص على حلمنا المشترك . فهل توافقينني ؟
فأجابت :
- نحن نحلق في سماء واحدة .
و بدون أية كلمة ، أخرج بعض النقود و وضعها على الطاولة . خرجا من الكازينو . ثم توجها حديقة خضراء مزهرة بشقائق النعمان و غارقة في ضوء الشمس . كانت هي تحس بأن هذه اللحظة عصية على التعبير و كان هو يحس بما تشعر به . و هكذا سارا صامتين و غابا في الشمس .
ليبيا- زليتن 2/ 1 / 2001 .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. وفاة أسطورة الموسيقى والحائز على الأوسكار مرتين ريتشارد شيرم
.. نحتاج نهضة في التعليم تشارك فيها وزارات التعليم والثقافة وال
.. -الصحة لا تعدي ولكن المرض معدي-..كيف يرى الكاتب محمد سلماوي
.. كلمة أخيرة - في عيد ميلاده.. حوار مع الكاتب محمد سلماوي حول
.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي