الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المضحك والمبكي في السياسة – تشريح -جماهيرية-

جورج كتن

2010 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


السياسة عملية جادة يتعلق بممارستها ونتائجها مصير مجتمعات بكاملها. وهي احياناً تدعو للقلق والإحباط أو للأسى والمرارة.. أو للرضى والأمل.. أي طيف من المؤثرات المتناقضة ولكن المتعايشة التي تشكل ما يختزنه البشر من مشاعر إنسانية متنوعة. ومن حسن الحظ أنها أحياناً تدعو للابتسام وللضحك، فهناك من يمتهن الادوار الكوميدية المعتمدة على التصوير الكاريكاتوري للسياسيين ومواقفهم وخطاباتهم وسياساتهم، فيما أن رجال سياسة يستخدمون الإضحاك بطريقة ذكية لتمرير سياساتهم وضمان قبولها بين الناس.
وهذا لا يمنع من وجود سياسيين يعملون لسياسات تبدو جادة فيما هي بالنسبة لكثيرين تهريجاً يدعو للقهقهة حتى الإستلقاء، ومنهم في العصر الحديث المهداوي في عراق عبد الكريم قاسم، ومحمد الصحاف الذي أضحك العالم بخطبه التي كوم فيها جماجم الأميركيين عند أسوار بغداد بينما دباباتهم تتنزه فوق جسور دجلة! لكن لا أحد يضاهي العقيد القذافي قائد "الثورة" والجماهيرية الليبية العظمى الذي أعلن منذ أسبوعين الجهاد ضد سويسرا كدولة "كافرة"! وطالب المسلمين بمقاطعة طائراتها وسفنها وبضائعها، وكفر كل مسلم يتعامل معها في أي مكان من العالم! غضبته على سويسرا بدأت عندما أوقف إبنه هانيبال وزوجته ليومين بجنيف بتهمة ضرب الخدم في فندق.
قال القذافي عن سويسرا، وهي من ارقى دول العالم، انها ليست دولة بل عالم مافيا! وسحب أموال ليبيا –أمواله!- من مصارفها المشهورة كخزينة للعالم. وطالب الأمم المتحدة بإزالتها من الوجود وتقسيمها وإلحاق أجزائها بالمانيا وفرنسا وإيطاليا! علما أنه في خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية مزق ميثاق الأمم المتحدة واعتبره لاغياً وقال عنها أنها تجمع لدول رؤسائها وصلوا لمناصبهم عن طريق الفساد وشراء الاصوات! كما أوقف إعطاء فيز لمواطني 25 دولة أوروبية كعقوبة لسويسرا!
هذه الأخيرة ليست طرائفه الوحيدة، فقد سبق أن أُعلن عنه نبياً صحراوياً جديداً، وليثبت ذلك أصر القذافي على سكنى الخيام! كما قدم نفسه منظراً عالمثالثياً في كتابه الأخضر، المعتبر دستوراً لليبيا المحرومة من دستور منذ 41 عاماً! واصبح عميداً للحكام الديكتاتوريين في المنطقة وهو المخضرم الذي انتقل من الناصرية للقذافية للأفريقانية للمشيخانية والإفتاء بالجهاد ضد بلاد الكفر.
لم يقصر في إيجاد حلول للمشاكل العويصة في المنطقة فابتكر حلاً يقوم على إنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بإقامة دولة "إسراطين!" باعتبار أنه مهتم بسلامة الطرفين، والتاريخ برأيه يقول أن اليهود سيبادون، ودولة "إسراطين" ستحميهم من الاندثار. علما بأن ليبيا تعلن أحيانا أنها غير مهتمة بالمسألة الفلسطينية فهي دولة إفريقية اكثر منها دولة عربية!
وللعقيد نظريات في الدين والتاريخ، منها أن عيسى جاء كرسول لبني إسرائيل فقط لتصحيح شريعة موسى فلا علاقة له بآسيا وأوروبا وأميركا وأفريقيا! فبقاء أديان اخرى غير الإسلام خطأ تاريخي خطير! لذلك نصح اسكندينافيا –بلاد الرسام الدانماركي الشهير- بدخول الإسلام! ومن نظرياته أن كل العرب والمسلمين متعاطفين مع الإمام علي لذلك فكلهم شيعة! والإيرانيون جميعهم سنة لانهم يؤمنون بسنة محمد! والدولة الفاطمية الشيعية قامت في شمال إفريقيا وليس إيران، وهو يريد أن يبعثها من جديد في إفريقيا كدولة فاطمية عصرية!
كما له نظريات في السياسة ونظم الحكم إذ اعتبر أن تعدد الاحزاب وتداول السلطة يعني "معاملة الشعوب مثل الحمير"، ورأى أن العالم كله مشمئز من الاحزاب والديمقراطية فهي مهزلة ودجل! والعالم كله في النهاية سيقتنع بتقليد "لجانه الثورية" وهي برأيه حكم الشعب المباشر لنفسه، دون أن يعترف بانها تابعة للاجهزة الامنية.
لكن الجانب الطريف في السياسة الليبية، لا يخفي الوقائع المأساوية التي يعيشها الشعب الليبي، فمن أصل 6 ملايين ليبي هناك مليون تحت خط الفقر، و البطالة 30% ، في دولة تصدر النفط لتنفق معظم إيراداته لتمويل حركات عالمية راديكالية وإرهابية ولدعم انقلابات في دول إفريقية، وخطف ونسف طائرات خطوط جوية مدنية واغتيال دبلوماسيين، فضلاً عن الفساد ونهب المال العام وفشل خطط التنمية وتدني الخدمات ومشاريع وهمية مثل "النهر العظيم" لإنتاج العظمة وليس جر المياه..
وبعد التحول المفاجئ في سياسة النظام في العام 2003 إثر عقوبات دولية وضعت ليبيا في عزلة دولية شبه كاملة، تحولت موارد البلاد لدفع تعويضات لاهالي ضحايا الطائرات المنسوفة التي بلغت المليارات، وإغلقت معسكرات تدريب الإرهابيين من شتى انحاء العالم، وتم التخلي عن برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل لتذهب الاموال التي أنفقت عليها هباءً منثورا، ومنها الأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام في حرب تشاد. ومن الطرائف ما صرح به مسؤولون ليبيون من أن تخلي ليبيا عن برامجها النووية "سيشدد الخناق" على الإسرائيليين ليكشفوا أسلحتهم للدمار الشامل.
تحولت ليبيا من "الإشتراكية" للرأسمالية نظرياً، إذ أن الدولة لا زالت تهيمن على معظم الفعاليات الاقتصادية. ولا يمكن أن يحدث التحول إذ أن الممسكين بالسلطة والثروة لن يتخلوا عنها بسهولة، والمسألة برأي العقيد ليس لأن الاشتراكية فشلت في العالم ولكن "لأن الشعب لا يفهم في الاشتراكية"!!.
كما عانى الشعب الليبي من القمع لاربعة عقود متوالية، منها إعدامات للمعارضين في السبعينيات والثمانينيات، فالإعدام والمؤبد هي الاحكام شبه الوحيدة للمعتقلين السياسيين أمام المحاكم المدارة من قبل السلطة. الإعدام لأي ممارس لعمل حزبي أو معارض ل"ثورة الفاتح"، والمؤبد لنشر معلومات "تسئ" لسمعة البلاد أو تزعزع الثقة بها في الخارج! علماً بان هناك سلطة واحدة هي التنفيذية التي تصدر القوانين و يتبعها القضاء، وهي تنفذ أوامر القائد التي تصلها عن طريق اللجان الثورية..
بالإضافة لمجزرة راح ضحيتها مئات المعتقلين السياسيين في معتقل "أبو سليم" في صيف 1996 لإرهاب المجتمع الليبي.. ويصل الامر احياناً للتصفية الجسدية للمعارضين وأشهرها قضية الإمام موسى الصدر ورفيقه.. وتقوم الاجهزة الامنية بخطف المعارضين وجلبهم إلى ليبيا كمنصور الكيخيا وجاد الله حامد مطر وعزت يوسف المقريف ..
ومن المعارضين الرازحين في السجون فتحي الجهني الذي دعا في العام 2002 لإلغاء الكتاب الاخضر فاعتقل ثم أطلق سراحه نتيجة ضغوط خارجية ليصرح في اول يوم من خروجه بأن القذافي ديكتاتور، ليعاد للسجن في اليوم التالي ولا يزال. ومثل جميع الدول الديكتاتورية فالجمعيات والنقابات مسيطر عليها والصحافة مؤممة وليبيا مصنفة لدى منظمة "صحفيون بلا حدود" في المرتبة 154 من أصل 176 لمدى حرية الصحافة فيها..
يتوازع أبناء العقيد السلطة ومنهم سعدي الذي يقود القوات الخاصة المكلفة بحماية النظام، ومعتصم المسؤول الاول في الجهاز الامني وأبرز الرافضين للإصلاح الداخلي، وهانيبال الذي ورط والده في حرب مع دولة "كافرة". لكن أشهرهم سيف الإسلام، الليبي الوحيد "الحر!" الذي يمكنه أن ينتقد "الاستبداد" و"الاشتراكية" في ليبيا ويتحدث عن الديمقراطية الغربية، دون أن يقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة. فقد دعا لدستور وقوانين جديدة وانتخابات شفافة، وعارض اللجان الثورية وطالب بديمقراطية ليبية لا تقل عما في هولاندا! كما طالب بالخصخصة لإنهاء هيمنة الدولة على الاقتصاد واقترح مناطق حرة للاستثمار وتطوير فنادق سياحية فاخرة وإبطال الفيز للأوروبيين وتحويل ليبيا إلى "دبي" شمال إفريقيا. ووصف معارضي إقتراحاته بأنهم حمقى، دون أن يستثني أحداً.
إذا كانت ميزة النظام الليبي مواقفه السياسية التي تشيع الضحك في العالم، فذلك يجب ألا ينسينا المعاناة المأساوية للشعب الليبي في مستوى معيشته المتدهورة وحرياته المفقودة وتقدمه المعاق، طوال أربعة عقود عجاف ذاق فيها الأمرين ولم ير بعد بريق أمل في نهاية النفق المظلم.
* المضحك والمبكي مجلة سورية أغلقت منذ الستينيات، تناولت السياسة باسلوب كاريكاتوري محبب للقراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عقيد الفنتستيك.!..
فاضل الخطيب ( 2010 / 3 / 16 - 06:16 )
نفس النسخة لأكثر حكام الدول العربية، فقط الصورة تختلف.. ما يميّز القذافي عن زملائه العرب هو جهله بالتسويق أكثر، وأعراض مرضه متقدمة أكثر.. أساطير القذافي ستكون مادة تسلية في المستقبل ضمن آداب الخيال والفنتستيك.. والعتب على قادة العالم المتحضر، كيف يستطيعون التعامل مع هكذا مرضى؟..ا


2 - الشهيد فاضل عباس الهداوي
أبو العباس ( 2010 / 3 / 16 - 15:01 )
الشهيد البطل مات واقفاً يدافع عن كادحي وفقراء العراق ويهتف باسم الحزب الشيوعي العراقي ليس غير عملاء الإستعمار من يسخرون من رئيس محكمة الشعب العقيد الركن فاضل عباس المهداوي وقد ثبت أنه لم يكن أحد بمثل فراسته في قراءة الصراع الطبقي في العراق . حمقى وصبيان البعث هم من سخر من شهيد الشعب العراقي المهداوي
المجد والخلود لروحه الطاهرة!!!!!!!!!!!!!ا


3 - صباح الخير
فيصل البيطار ( 2010 / 3 / 17 - 09:12 )
وشبيه للقذافي في الإشتراكيات الجديده في أمريكا الجنوبيه وأخرى إندحرت في العراق وغيرها ما زال قائم بأشكال وتلاوين متعدده تلائم كل واحده منها ظروف بلدها الخاصه ...
المهداوي لم يكن مهرجا ، بل كان في معركه مع إذاعة صوت العرب لأصحابها محمد عروق وأحمد سعيد ، الرجل كان له إطلالة واسعه على الشعر العربي ومسلح بأنتماء حزبي متقدم أيدلوجيا وسياسيا على غيره وما أشيع حوله كانت تردده تلك الإذاعة ومناصريها في العراق وخارج العراق .
مقالكم يسلط ضوء صادق على واحده من بلاوينا ...
شكرا لك أخي ودمت .
سلام .


4 - الجنون فنون
فلورنس غزلان ( 2010 / 3 / 17 - 09:29 )
الجنون فنون، وهذه الأنواع المنقرضة في عالم السياسة لاتجدها إلا منتعشة ومدللة في دول تشبه مشافي الأمراض العقلية، لكن المجنون هو من يعتقل العقلاء ويمارس عليهم تجاربه وابتكاراته..ويقظة هؤلاء الضحايا تتعلق بمن يمنح المعتوه حقن التخدير وحقن البقاء...
لك حار تحياتي وشكري


5 - تحية من ليبيا للسيد جورج
سليم نصر الرقعي ( 2010 / 3 / 17 - 09:59 )
عزيزي جورج لقد شرحت واقع الحال في جماهيرية العجائب والمصائب والتهريج كأنك شاهد عيان وأشكرك لأنك عبرت عن تعاطفك مع الشعب الليبي الواقع في الأسر منذ 40 عام في قبضة الطغيان و.. الهذيان!؟ . والعقيد القذافي كما عرفته جيدا ً يعاني من هوس الظهور الإعلامي فهو يريد من وسائل الإعلام أن تتحدث عنه بشكل دائم بالمدح أو الذم! .المهم أن تذكره وتذكر إسمه والسلام !. وقد حدثني أحدهم أن القذافي لو مر يوم ولم يجد له ذكر لا في التلفزيون أو الصحف شعر بهم وغم شديد وكان يوما ً على من حوله عصيبا ً حيث لا يكف عن شتمهم وخصوصا ً بعبارة - يا لوح- بل ولا يتورع حتى عن ضرب بعض حرسه الخاصه من باب فش الغل بسبب عدم ذكر إسمه!. وتصريحات القذافي النارية والصادمة والغريبة هي دائما من باب خالف تعرف وشذ تفذ!. وهي أشبه بالألعاب النارية التي تنطلق في السماء فتحدث ضوضاء وأضواء لافته للنظر ثم تختفي! فهو يعشق هذا النوع من شد الإنتباه بل هو في سبيل إشباع هوسه للظهور والحاجة للحديث عنه لا يتورع عن فعل أي شئ كحال ذلك الأعرابي الذي أراد أن يكون مشهورا يذكره الناس فذهب فتبول في الجامع والناس ينظرون؟ وإستعد للإستعراض التهريجي في قمة سرت

اخر الافلام

.. علاج أكثر من 1000 عضو من حماس في تركيا.. تصريح متعمد من أردو


.. وزير خارجية بريطانيا: هجمات الإسرائيليين على قوافل المساعدات




.. غزة.. صحيفة -وول ستريت جورنال-: مصر تدرس خفض مستوى علاقاتها


.. فيزا واحدة تتجول بها في جميع دول الخليج #بزنس_مع_لبنى




.. إصابات عديدة بانفجار منطاد هوائي في #إندونيسيا #سوشال_سكاي