الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرير البنفسج

فاتن الجابري

2010 / 3 / 16
الادب والفن



وسط غرفة نومه الصغيرة ، على سطح بناية ذات الثلاثة طوابق في حي سكني شعبي مكتظ بالفقراء في زاوية منسية من المدينة كانت ، أصوات الباعة المتجولين تتكرر بالمناداة والترويج لما يحملونه من بضائع ، أواني بلاستيكية ملونة ، للمقايضة بما تفيض البيوت به من فضلات الخبز اليابس والعلب الزجاجية الفارغة والملابس القديمة ، أكياس كبيرة على ظهورهم ، صغار بوجوه كهلة متعبه أحرقتها شمس بغداد اللاهبة ، تنهش قلبها بأظافرها وتلعق دماء أيامها المجدبة ، وحيدة ،عارية جاءت توقع صفقة عمرها ، تبعثر أوراق أٍستسلامها وتنثرها ثم تلملمها من جديد ، تعد نبضات بوحها لرجل كل مافيه يستفز أنوثتها للابحار معه في قارب مطاطي من غيرسترة نجاة ، مهاجرة سرية الى عوالم سحرية عبربحاره المتوحشة بالامواج العاتية.

لفها سكون المكان ، تلبستها الوحشة ، التقطت قطع ثيابها المتناثرة ، فوق السرير ، حين راعها شحوبها ونظرة الهلع في عينيها منعكسة على المرآة المعلقة على الجدار ببرود تتفرس فيها تمط شفتيها تسخر من تلك الندوب التي طرزت جسدها المتوقد بالاشتهاء ، بعطش أنثى في الثلاثين ، يفتك بروحها وقلبها لضمة رجل طالما أرتوت من عينيه حبا، سافرت في واحة محبته الدافقة بالحنين ، تهيم به تكتوي بجمرات أشتياقه وترتمي على رمل شواطئه تلتحف بابتسامة من شفتيه تدخلها طمأنينة مثل الصلاة ، تبتعد ترصدها نظرات المرآة المبتسمة في خبث ، تديرظهرها تشبك يديها الاثنتين تخفي ندبة أحتلت نصف صدرها جرح عميق مرعليه مشرط جراح بارع أستأصل توأم أنوثتها القى به في حاوية معدنية باردة ، وفات أن تسأله عن مصير نهدها المسكين الذي تتحسس مكانه الخالي في كل لحظة كأنها لازالت في حلم لم تفق منه بعد تحت هلوسات التخدير ، تراقبها المرايا من كل الجهات على جدران الغرفة حتى السرير غدا مراة ترى أنعكاس صورة نهدها عليه ، ترتدي قميصها الذي تختفي أزراره كما في أحلامها تسير وسط الشوارع مشرعة الصدر ، تلملم أطرافه تداعبه الريح يبدو نهدها الواحد المكتنز أنوثة ، يئن بوجع الاغنيات الحزينة ، تهزمها القهقهات تبحث عن باب الغرفة لا تراه أنضم الى جيش المرايا الكبيرة المضيئة ، عصية الاختراق ،معلنة الحرب عليها، من غير سلاح تقاتل برفرفة قلبها المتوهج بالحب والاشتعالات ، حبيسة في غرفته تطاردها المرايا ، زمن مر على قصة حبهما.

هربت كثيرا لاذت بحجج واهية حين قدم قلبه ، رغم كوابيس سنواتها الثلاثين أجابته أن الوقت لم يحن بعد وتدرك جيدا بوجع ما تعني الثلاثين في مجتمعها الذي يحاصرها بالنظرات والاسئلة ، حسرة أمها المريضة التي تنوء بها أينما حلت ، وحزن والدها يملا أرجاء البيت الذي يتنفس به من خلال كرسيه المتحرك منذ أعوام ، رفضت رجالا كثيرين قبل أن ينسحبوا من حياتها حين يهمس لهم أحد الناصحين ، تذرعت بعجز والديها ووحدتهما ، بعد أن تزوج أخوتها ، عاهدها على رعايتهما وهو الذي يحن لدفء العائلة منذ أن فتح عينيه يتيما ، أحبها بعمق ، غمرها بالاهتمام متلهفا الى حديثها مستعجلا لحظات لقاؤهما.

منذ اليوم الاول لمجيئها الى المؤسسة التي يعمل فيها ، أربع سنوات قاسمته غرفة واحدة ، أحبته حلما ورديا شفافا مثل أوراقه التي طرز عليها أحلى قصائد الحب بالظلال وفتوحاتها ، تريد أن تكون له أمرأة غير منقوصة الانوثة ، تهاوت مقاومتها أمام قوة أصراره ،ترددها كان مثار حديث الزميلات اللائي يحسدنها عليه لدماثة أخلاقه ووسامته ونجاحه في عمله ، حملت قلبها عصفورا يرتعد بين ضلوعها ، خذلها و أنعقد لسانها عجزت أن تبوح بما تحت ثيابها، كتبت له سطرا واحدا على ورقة وردية شفافة ، فهم ، تواعدا لتلقي بين يديه هما دفنته تحت ثيابها ، لكنه تركها صحبة المرايا تلملم شتات أنوثتها ، نقر على الباب ، تسمرت حين طوقها بذراعيه وطاف بها ، بين المروج والغيمات والامواج رقصا تحت حبات المطر ، عبر المطارات والمحطات في مدن العشق المترعة بالحب والدفء والاطفال ودهشة الحياة على سرير من بنفسج .


من مجموعة
سرير البنفسج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتبة الاخت فاتن الجابري
كامل الشطري ( 2010 / 3 / 16 - 12:57 )
حمدآ لله لقد عاد اليها و وفى بحبه إليها بعد قلق وعذاب ولم يخذلها والاهم كانت النهاية سعيده وهذا يعطينا التشبث بالحياة والامل بالمستقبل الباسم


2 - تحية وتقدير
فاتن الجابري ( 2010 / 3 / 16 - 15:04 )
نعم استاذ كامل انه الامل حتى لوكان في الخيال لكنه يدفعنا ان نحب الحياة
شكرا لمرورك استاذ كامل الشطري اتمنى ان تكون موفور الصحة والعافية
مودتي وتقديري


3 - اللمسة الواقعية
محمد سوادي العتابي ( 2010 / 3 / 16 - 16:48 )
ان ما يميز النص كونه كتب بلغة حاكت المذهب الطبيعي ورقى الى تلك الواقعية في تركيزه على الحدث والتي جعلت من النص يرقى الى الرومانتيكية وهذا التنقل اعطى للنص مساحة اوسع
حظا موفقا

والى كتابات اخرى اجمل

تحية عراقية

عراقي وافتخر


4 - نص رائع
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 3 / 16 - 18:10 )
في نص كتب باناه وصدق جسد ارهاصات مجتمع اصيب بالنكبات فلم يبقى له سوى الحب الذي لاسواه يعطي للحياة دورتها
سلمتي


5 - شكرا للمرور
فاتن الجابري ( 2010 / 3 / 16 - 18:54 )
الاخ الاستاذ محمد سوادي العتابي

حياك الله سعيدة لتعليقك الجميل وكلماتك الرقيقة

دمت بود
تحياتي


6 - شكرا للمرور
فاتن الجابري ( 2010 / 3 / 16 - 18:57 )
الاخ الاستاذ قاسم محمد مجيد الساعدي

رائع مرورك جميل تعليقك

دمت بخيروعافية

مودتي


7 - فكر البنفسج
الحكيم البابلي ( 2010 / 3 / 18 - 04:32 )
صاحبة الأنامل البنفسجية السيدة فاتن
فاتن هو اسلوب كتابتك ، أقرأ لكِ لأول مرة ، فقائمة الموقع طويلة ، والوقت قصير ، وها أنذا أجد إمرأة أخرى من بلادي تعرف المكامن الأصيلة للحس الإنساني
جميلة جداً هذه القصة القصيرة التي تستحق أن تكون رواية رائعة لكاتبتنا المرهفة الحس والأنيقة القلم
سأراجع كل كتاباتك في موقع الحوار بحثاً عن مُتع مشابهة لهذه
صدقيني ليست مجاملة عابرة ، لكني أحببتُ كل كلمة في قصتك هذه ، وإن كان لكِ أي رد على تعليقي فأرجو أن تضمنيه بمعلومة : هل يُباع كتابك -سرير البنفسج- في مكتبات أميركا أو أوربا ؟
تحياتي وإعجابي بقابلياتك الكتابية


8 - شكرا لبهاء كلماتك
فاتن الجابري ( 2010 / 3 / 18 - 12:01 )
الاخ الاستاذ الحكيم البابلي

تعليق جميل اسعدني جدا لما تضمنه من رقيق الكلمات ودفق المشاعر
بارك الله فيك دمت بخير وسعادة
المجموعة طبعت في القاهرة
ولا اعلم هل هل ستباع في امريكا او اوربا
ولكنها تشارك ضمن مطبوعات دار الكلمة في معارض الكتاب السنوية
مودتي وتقديري

اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى