الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول العلاقات الكردية – الاسرائيلية في ظل الحقائق التاريخية : الضمير لا يرضى والعقل لا يستوعب

جان كورد

2004 / 7 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الضمير لا يرضى والعقل لا يستوعب
– 14/7/2004
كتب الأستاذ فهمي هويدي في "الشرق الأوسط – عدد 7/7/2004" مقالا˝ تحت عنوان: قدر الأكراد في اختيارهم .. بين السيّء والأسوأ!" وصلني خبره عن طريق مسؤول حزب كردي من شمال كوردستان، وكان أن قرأ الترجمة التركية لمقال الأستاذ هويدي وطلب مني العودة إليه وابداء رأيي فيه واعطاءه فكرة أوسع عنه. ولذا فإنني سأكتب عن هذا الموضوع مرتين، بالعربية والكردية، ليتمكن من قراءته إخوتنا في كوردستان تركيا أيضا˝.
لا أريد الرّد بقسوة على الأستاذ فهمي هويدي (1) لأنه صديق للشعب الكردي منذ زمن طويل، وقد وقف بقلمه ولسانه في وجه الطغيان مدافعا˝عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره والذي وصفه مرّة بأنه "شعب الله المختار" من ناحية الامتحان في الشدائد ومقارعة الظلم والمظالم، وهو الذي يقول في مقاله هذا حرفيا˝: " مظلومية الأكراد ليست محل جدال، وحقهم في أن يعيشوا مواطنين لهم حق الحرية والكرامة، شأنهم في ذلك شأن أي مواطن آخر في أي مجتمع، ذلك أيضا˝ ليس مطروحا˝ لا للمناقشة ولا للاجتهاد.." ثم يذكر بأن الأكراد قدّموا "التضحيات الهائلة" وعانوا من "العذابات" ويعترف بأن "ضمير المرء لا يرضى للأكراد أن يبقوا هكذا إلى الأبد، ولكن عقله لا يستطيع أن يستوعب ما يمكن أن يترتب على اقامة دولتهم المستقلّة من اضرار وأهوال...!!" ولذلك سأكتفي بتوجيه أسئلة إليه في آخر هذا المقال عساه يجيب عنها في مقال ثان له.
قبل كل شيء أوّد أن أنشر هنا بعض المعلومات عن علاقة قديمة باسرائيل من قبل أن تتكوّن كدولة على أرض الميعاد فلسطين، وهي حقائق لا يمكن لصحافي موضوعي كالأستاذ فهمي هويدي إنكارها لأنها موثوقة ويمكن العودة إليها، وهذه العلاقة التي أقامها العرب بعد الحرب العالمية الأولى وليس الأكراد، تبيّن إلى أي مدى كان العرب وليس الأكراد متعاونين ومشجعين لمشروع عودة اليهود إلى فلسطين وبناء دولتهم فيها.
في عام 1918 التقى ممثلون عن الطرفين الصهيوني والعربي في مؤتمر السلام بباريس لبحث مستقبل الشرق الأوسط بعد انهيار وسقوط الدولة العثمانية. الطرف الصهيوني كان برئاسة الدكتور حاييم وايزمان الذي أصبح فيما بعد أول رئيس دولة في اسرائيل، والطرف العربي كان ممثلا˝ بالأمير فيصل نجل الملك حسين، ملك الحجاز آنذاك. وبصدد ذلك يذكر البروفيسور يهودا ز. بلوم في بحثه عن "الملامح الأساسية للنزاع العربي – الاسرائيلي" بأنه على الرغم من أن الطرفين كانا يطمحان إلى انتزاع الاعتراف باستقلال شعبيهما، إلا أنهما لم يجدا أبدا˝ في تلك المطالب تعارضا˝ أو تناقضا˝ بين طموحات الطرفين العربي والصهيوني، وإنما تكمّل بعضها بعضا˝، وهذا ما يمكن قراءته في رسالة الأمير فيصل التي وجهها في الأول من آذار عام 1919 إلى البروفيسور فيليكس فرانكفورتر (عضو البعثة الصهيونية وفيما بعد عضو المحكمة الأمريكية العليا) حيث ورد فيها:
:" نحن العرب، وبخاصة المتعلمين من بيننا، ننظر بتأييد عميق إلى الحركة الصهيونية، وإن وفدنا هنا يعلم بدقة تلك المقترحات التي قدّمتها المنظمة الصهيونية البارحة لمؤتمر السلام، ونحن نعتبرها معتدلة وعادلة، ونحن سنفعل من طرفنا كل ما نستطيع من أجل مساعدتكم لتحقيق النصر. إننا نريد أن نعبّر عن ترحابنا القلبي بعودة اليهود إلى وطنهم. لقد كنا في علاقات وثيقة مع قادة حركتكم وبخاصة الدكتور حاييم وايزمان. إنه قدّم لقضيتنا خدمات جليلة، وآمل أن يكون في استطاعة العرب أن يحسنوا لليهود. نحن نعمل معا˝ من أجل شرق مبني من جديد ومفعم بالحياة، وأن تكمّل حركاتنا بعضها الآخر... وآمل أيضا˝ أن يساعد كل شعب الآخر من أجل تحقيق الانتصارات الفعلية.."
(أنظر آرنو أولمان – طريق اسرائيل إلى الدولة – وثائق – د. ت. ف. 1962 ص 266- الطبعة الألمانية)
والمطالب المعتدلة والعادلة التي قدّمها آنذاك الوفد الصهيوني كانت تتضمّن اقامة دولة اسرائيلية واسعة تضم سدس مساحة الشرق الأوسط (أي حوالي 114000 كم مربع) وهذا يعني امتدادا˝ عميقا˝ يشمل الأردن الحالي كليا˝، والذي عرقل هذا المشروع الصهيوني آنذاك لم تكن مقاومة العرب الفلسطينيين وانما نظام الانتداب الانجليزي والفرنسي في المنطقة الذي مورس فعليا˝على سورية وفلسطين والأردن ولبنان بعد ذلك.
هذه حقيقة تاريخية تثبت أن قادة العرب كانوا وراء دعم المشروع الاسرائيلي وليس الكرد. وأقول إن الفلسطين لم يفعلوا آنذاك شيئا˝هاما˝ضد المشروع لأنهم كانوا يعتبرون سوريين من جنوب سوريا بدليل أنه في يناير عام 1919 انعقد مؤتمر عربي في القدس الشريف طالب بوضوح تام بالكف عن طرح مشروع فلسطيني خاص لأن هذا يعني العمل على ضم فلسطين إلى سوريا وهذا طموح فلسطيني كما جرى الحديث عنه في المؤتمر نفسه (أنظر كتاب ماري سيوركين، من هم الفلسطينيون؟، صادر عن ميخائيل كورتيس، الشعوب والسياسات في الشرق الأوسط، 1971، ص 93-98.)
ومن حقائق التاريخ أيضا˝ أن الكرد لم يتعاونوا مع اسرائيل ضد الثورة الفلسطينية أومنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقبّل رئيسها ياسرعرفات صدر صدام حسين عدة مرات كلما التقى به حتى بعد مذبحة حلبجة النكراء، أو حماس، في حين أن من العرب من قام بذلك جهارا˝ نهارا˝، منذ البداية وإلى الآن، كما يقوم بعضهم اليوم بدعم الإرهاب ضد شعب كوردستان العراق، وسيظهر التاريخ تلك الحقائق إلى العلن في المستقبل، كما ظهرت الوثائق التي أظهرت لنا علاقات الأنظمة العربية القديمة والجديدة باسرائيل.

وأقول للأستاذ فهمي هويدي بأن ليس الأكراد وحدهم في العراق استولوا على أسلحة الجيش العراقي أثناء الحرب الأخيرة وبعدها ، أليست معظم أسلحة الإرهابيين في العراق والمقاومين للوجود الأمريكي من مستودعات الجيش العراقي؟ ومن أين أتى مقتدى الصدر وجيشه بكل هذه الأسلحة التي كانت في أيديهم؟ فلماذا يستنكر ذلك على الكرد دون غيرهم؟

أما عن القانون الأساسي للدولة العراقية وحق الكرد في نقضه ، فهذا يعود إلى أن الديموقراطية يجب أن لا تضمن حق الأكثرية فحسب وانما تصون حق الأقلية أيضا˝ في حماية نفسها، ولم ينص القانون أبدا˝على أن من حق الكرد وحدهم نسف القانون الأساسي وانما هذا حق لكل ثلاثة محافظات عراقية تضم أصواتها إلى بعضها بعضا˝. واتهامه بأن زعماء الكرد يعملون من أجل مصالح الأكراد فقط فيه تحيّز ضدهم ، فهل وجّه هذا الاتهام إلى زعماء الشيعة أوالسنة العرب أيضا˝؟ كلا إنه يرفض أن يقوم زعماء الكرد بحماية مصالح الشعب الكردي وهم زعماؤه وقادته، فمن سيدافع عن هذه المصالح وعن هذا الشعب إن لم يقم الطالباني والبارزاني بذلك يا أستاذ هويدي؟ أما اتهامها بأنها فقدت أعصابها وتصرّفت برعونة فهذا رأي الأستاذ فهمي هويدي لا نستطيع اقناعه بغيره ولكن من وجهة نظر الأمة الكردية إن زعماء الكرد في جنوب كردستان قد تصرّفوا بحكمة تجاه وحدة العراق ومصالح الشعب العراقي ومن ضمنها مصالح الشعب الكردي، بل كان عليهم أن لا يقبلوا بأي تنازل كما فعلوه حتى الآن. إنه يتهمهم بالركض وراء "حلم الانفصال والاستقلال!" ولكن ألم تكن فرصة حقيقية لنيل الكرد حريتهم واستقلالهم أثناء الحرب وبعدها؟ ألا يستطيع الكرد إعلان هذا الاستقلال اليوم؟ طبعا˝ يمكن لهم ذلك والفرصة في أيديهم ولكنهم متريثون وحذرون ولكنهم ليسوا رعناء، فالأرعن كان ذلك الذي دمّر كوردستان وضربها بالأسلحة الكيميائية وهتك التآخي العربي الكردي، وهاهو مكبّل في الأصفاد، وليس الذين أنزلوا اللافتات العربية ورفعوا الكردية دونها. فماذا لو تصرّف الأكراد كما تصرّف البوسنيون والكروات والصرب مع بعضهم بعضا˝ عندما فلت زمام الأمور في البلقان من أيدي ميلوزوفيتش؟ الأستاذ فهمي هويدي مثل كثيرين من مثقفي العرب: مع الحق المبدئي للشعب الكردي في تقرير المصير، ولكنه يرفض تطبيق هذا الحق في المجال العملي بحجة أن انقلابات في الخرائط ستحدث وأن تركيا لن ترحم وأن العرب لا يستوعبون عقليا˝ ذلك، وما إلى هنالك من ذرائع لا تصمد أمام الحق والعدالة. فماذا سيكون موقف أستاذنا الكريم إن هجم الترك على كردستان؟ ومع من سيقف في هذه الحال؟ مع الكرد لأن هذا حقهم أم مع العسكريتاريا التركية لأنها تركض وراء أحلام طورانية عنصرية فاشية؟
أما الحجة بأن علماء الأصول يتحدثون عن القبول بالضررالأدنى تجنبا˝ لوقوع ضرر أكبر وأفدح فمرفوضة في هذه الحال لأن بقاء الكرد مشتتين مجزّئين تعصف بهم العواصف من أي جهة هبّت سيعرّضهم لمزيد من الأهوال، وفي توحيدهم قوّة لهم حيث سيعترف المجتمع الدولي بهم ولماذا لا؟ فهل تعتقدون بأن العالم سيرفض دولة كردية مستقلة إلى الأبد؟ وهل سيتمكن الترك من إجهاض كل مشروع للشعب الكردي في عالم مثل عالمنا اليوم؟
آمل أن نسمع منكم أجوبة عن أسئلتنا التي تضمنها هذا المقال عن قريب. مع فائق الاحترام والتقدير (1) الهويدي : عشيرة من أصل كردي كانت تسكن كردستان تركيا في القرن التاسع عشر – أنظر كتاب ( ألكسندر زابا قنصل روسيا القيصرية – قصص كردية ، جان كورد، مطبعة هه لويست ، ستوكهولم السويد عام 2004 باللغة الكردية) والهويدي محرّفة عن هفيدي الكردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاتس: تركيا رفعت العديد من القيود التجارية المفروضة على إسرا


.. واشنطن تفتح جبهة جديدة في حربها التجارية مع الصين عنوانها ا




.. إصابة مراسلنا في غزة حازم البنا وحالته مستقرة


.. فريق أمني مصري يتقصّى ملابسات حادث مقتل رجل أعمال إسرائيلي ف




.. نزوح الأهالي في رفح تحت القصف المستمر