الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - التباس المحاصصة مرة أخرى !

رضا الظاهر

2010 / 3 / 17
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق



اذا كانت الانتخابات البرلمانية قد أكدت طائفة من الحقائق، بينها تحدي الملايين من النساء والرجال قوى الارهاب والظلام، وادراكهم أن طريق التغيير السياسي الاجتماعي لن يمر إلا عبر المشاركة والمنافسة بالوسائل الشرعية الديمقراطية، فان هذه الانتخابات نفسها كشفت، من جانب آخر، عن طائفة من الحقائق الأخرى المريرة.
وكان من بين هذه الحقائق التجاوزات التي رافقت العملية الانتخابية وإدارتها، كما حصل في سجل الناخبين والحملات والتصويت الخاص والفوضى في انتخابات الخارج، ناهيكم عن الاجحاف الذي تضمنه القانون الجائر الذي جرت في ظله الانتخابات، وتجري في ظله سرقة أصوات الكتل الصغيرة والناخبين المترددين لصالح الكتل الكبيرة. وهو قانون فرضته إرادة ومصلحة المتنفذين بهدف الاستحواذ والهيمنة على الكراسي، وإقصاء "الآخرين".
ومما يثير الأسى حقاً أن الكتل المتنفذة وزعماءها تنافسوا على الكراسي انطلاقاً من نقد أداء الحكومة، وهي حكومتهم. وعجز أي من هذه الكتل عن إضاءة منجز حقيقي للناس، بينما راحوا يوغلون في انتقاد ما ساهموا في بقائه طيلة سنوات حكمهم من استمرار لأزمة البلاد متجلية، من بين مظاهر أخرى، في غياب للأمن والخدمات وتفشٍ للفساد والبطالة والأمية، وسوى ذلك من مآسي الدمار المادي والروحي لملايين المكتوين بنيران العوز والحرمان والمعاناة.
ولا ريب أن من بين أكثر الحقائق مرارة أن ملايين الناخبين اختاروا، هذه المرة أيضاً، القوائم المتنفذة ذاتها التي ظلوا يعبرون عن سخطهم على سياساتها وسوء إدارتها. فلم يصوت الناخب للبرامج السياسية الانتخابية، إذ لم يبتعد كثيراً عن الدافع الطائفي والاثني، وهو ما تتحمله، أيضاً، تلك الكيانات التي اختارت مواصلة النهج ذاته على الرغم من ادعائها التخلي عنه.
وهذه، في الواقع، إحدى أكثر المفارقات العراقية إثارة للأسى. ومن المؤكد أنها مرتبطة، من ناحية، بتدني الوعي السياسي للأغلبية وازدواجية مواقف الكثير منها، ومن ناحية أخرى بسعي القوى المتنفذة لامتصاص السخط ونجاحها في تضليل كثير من المحرومين ومغيبي الارادة، مرة أخرى، وهم من مارست الدكتاتورية الفاشية، بحروبها واستبدادها، تدميرهم مادياً وروحياً، وجاء "المحررون" و"المقررون" ليعمقوا عواقب ذلك الدمار. ولا يمكن، بالطبع، اغفال حقيقة ضعف قوى التيار الديمقراطي الذي يواجه مصاعب جمة، بينها عوائق موضوعية ترتبط بالواقع القائم وثقافة التخلف السائدة، وذاتية ترتبط بغياب وحدة هذا التيار ومحدودية علاقته بالناس وتأثيره عليهم.
ومن الملفت للأنظار أنه في أعقاب الانتخابات مباشرة تصاعدت حمى الاتهامات والتصريحات التي تفاقم أجواء التوتر والاحتقان والارتياب، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى أجواء التسامح الوطني ووضع مصالح الشعب ومصائر البلاد فوق أي اعتبار.
وفي ظل صراع المصالح الاجتماعية على السلطة والثروة والنفوذ بدا أن الجميع باتوا يتحدثون عن "الأبواب المفتوحة" للحوار، دون ضمانات حقيقية لتجاوز نظام المحاصصة الذي هو أساس البلايا. وفي سياق البحث المحموم عن حلفاء وحرب التصريحات المبكرة عن تشكيل الحكومة، وهو الذي قد يكون عسيراً بسبب المصاعب التي تواجه تحديد لوحة التحالفات الجديدة المتغيرة المكونات، يبدو أن المتنفذين، الذين يواصلون زعمهم الابتعاد عن المحاصصات الطائفية والاثنية، مازالوا عاجزين عن التجاوز الفعلي لهذه المحاصصات على الرغم من انتقادهم لمنهجيتها وعواقبها. ومن الجلي أن هناك التباساً في مفاهيم حكومة التوافق والشراكة والوحدة الوطنية. ففي إطار الصراع يتحدث بعض المتنفذين عن حكومة شراكة وطنية، بينما يرفض آخرون الدعوات الى حكومة أغلبية سياسية.
ويؤكد الجميع، لفظاً في الغالب، انفتاحهم على الجميع، بينما يطرح كل طرف متنفذ نفسه كمقرر يتعين على الآخرين الاستجابة له ولشروطه في تشكيل حكومة يكون فيها المهيمن، ويشرك فيها حلفاء له، وقد يحتاج الى ديكورات يتوهم أنها يمكن أن تضفي طابعاً وطنياً على حكومة قد يطلق عليها وصف حكومة تكنوقراط.
وفي سياق المواقف الملتبسة والمتناقضة يعتقد متنفذون أن وجود كتلة قوية في البرلمان يمكن أن يسهّل تشكيل الحكومة الجديدة، ويتحدثون عن ضرورة التوافق السياسي لتشكيل الحكومة من المكونات الثلاثة، أي الشيعة والسنة والأكراد، على أن تكون حكومة شراكة، وليست عودة الى المحاصصة. غير أن هذا، في الواقع، هو جوهر المحاصصة وإن اختلفت تجلياته والتعبيرات عنه
* * *
أمامنا حقائق بعضها مرير، تستدعي منا أن نقيّم التجربة، أن نرى ونتأمل ونحلل ونستنتج، بجرأة وموضوعية، ونضع خططاً في ضوء ذلك كله، وآليات لتطبيق هذه الخطط بابداع، ودون خشية من نقد الذات أو تراجع هنا أو صعوبة هناك.
ويتعين علينا أن نثق، مجدداً، بأن الصلة الحية بالناس والأمل بالمستقبل والتغيير الاجتماعي، هما الضمانة لاستثمار سخط الملايين وكسبهم الى برامجنا وأهدافنا عبر تبصيرهم بواقعهم، والدفاع عن مصالحهم، وتوعيتهم بحقوقهم وآمالهم.
نحن، إذن، في أتون معركة اجتماعية كبرى على وجهة التطور. ومن نافل القول إن نجاحنا سيعتمد، من بين أسس أخرى، على قدرتنا على تعزيز قوانا الذاتية، وتوسيع نفوذنا الفكري والسياسي، والاسهام في إدارة الصراع الاجتماعي على نحو مثمر، وخوض غمار التحدي في سبيل غاياتنا الساميات.

طريق الشعب 16/3/ 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال