الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا اشعر بالامان في مدينتي اذاً انا موجود

دياري صالح مجيد

2010 / 3 / 17
حقوق الانسان


(( شعور الانسان في مدينته هو الذي يسبغ على هويته طابعها الحقيقي كانسان وهو الذي يحدد الاجابة عن التساؤل الاتي : كيف يعيش البشر في مدنهم ؟ ))

نسرتشد في بداية مقالتنا هذه بمقولة المفكر ديكارت الذي قال في يوم من الايام (( انا افكر اذاً انا موجود )) وهو بذلك يحيلنا الى وجودية الفرد المفكر عبر الية الاستخدام الامثل لملكة التفكير الخلاق في تشكيل مسارات الحياة وابداعات الانسان فيها , ليكون ذلك التوجه واحدًا من اهم نتاجات فكر التنوير الذي وجهت اليه , رغم تلك الحسنة المهمة , الكثير من الانتقادات على اعتبار ان الذهنية التي كانت تحكم ذلك التوجه انما كانت ذهنية الهيمنة والاضطهاد التي مورست ابشع وسائلها في الحروب المختلفة التي شهدها العالم خاصة منذ الحروب العالمية الاولى والثانية حتى حروب الوقت الحاضر , لذا هل يصح الان استخدام هذه المقولة رغم اهميتها في واقع مأزوم على كافة الصعد ؟ , في عالم لا يعرف الا التشظي والتمزق هوية لمدنه وعوالمه التي باتت تشهد خطوط انقسام اعمق من تلك التي افرزتها مراحل مابعد الحروب العالمية من توصيفات لعوالم الشرق والغرب و الشمال والجنوب , نحو عوالم اكثر انقساما من الناحية الطبقية في ظل انعدام التوازن والعدالة الاجتماعية التي باتت هي الاخرى واحدة من اهم الانعكاست السلبية لمرحلة تضخم الراسمالية العالمية ودخولها الى مرحلة ما بعد الراسمالية التي بدات تمزق البناء الحضري لمدن العالم وتنشر لغة العنف والفوضى التي اصبح الجميع في ظلها مهددا بالزوال من على مسارح المدينة المتعددة التي ابدع الانسان في ممارسة سحره العلمي والتخطيطي عليها ؟ , هل يجوز عند ذلك القول باني كفرد اذا ما شعرت بالامان فذلك يعني بانني موجود فعلا ً؟ وعندها فقط يصبح للفكر وظيفته المجدية .

الصراع في تشكيل هوية المكان وما تحمله من دلالات عميقة لم يعد كما كان في السابق , خاصة في مدننا الحالية , بين من يريد اعادة تشكيل المدينة وفقا لرؤى حداثوية مستقاة من تجارب الفن السامي ومن رؤى المخططين التي تفوح منها روائح الخيال الانساني الخصب , وبين اؤلئلك الذين لاهم لهم سوى مراكمة راس المال عبر اليات البيروقراطية التقليدية وترسيخ الرؤى البرجوازية المقيتة التي حاولت ولا تزال غرس الصورة الخاصة بها في اعماق البنية الحضرية للمدينة وطبيعة التفاعلات التي تعكسها تلك المدينة الى الحد الذي وصل فيه الحال الى تحويلنا الى مجرد قطيع من العاملين في مؤسسات اؤلئلك الذين لا يحلمون الا بتراكم رؤوس اموالهم وهو ما ينعكس في بنية المدينة وتراجيديا العنف والفوضى التي تسود فيها بشكل عميق .

اليوم الوضع لم يعد كذلك بل اصبح اكثر تازما في ظل تراجع الفسلفات المثالية في التعامل مع المكان كمسرح جغرافي يمارس عليه الانسان دوره ويحدد من خلاله هويته التي لا بد وان تحمل شيئا من الخصوصية , هذا التراجع رافقه تصاعد الهيمنة الثقافية للنموذج الراسمالي الذي لا هم له سوى نقل عالم الفوضى الذي وصف مدنه خلال العقود المنصرمة من الزمن والتي ابرزتها لنا شاشات التلفاز عبر افلام المافيات الشهيرة التي كانت تحكم الوضع الخاص بتلك المدن على كافة الصُعد , لتساهم وفقاً لرؤاها الخاصة في اعادة تشكيل المدينة وهوية المجتمع القاطن فيها , لكن بطريقة المافيات التي افرزتها اماكن الشرق ذاته كامتداد لمافيات راس المال المتحكم عالميا عبر الشركات الراسمالية عابرة الحدود .

هكذا اصبحت الفوضى اساساً يقض مضاجعنا في كل لحظة من لحظات حياتنا على الاقل في مدن العراق المختلفة في ظل سيادة العنف الذي تولده ذهنيات لا تؤمن الا باطلاق هيمنتها وفرض ارادتها على الاخر والذي تتجلى صوره في صراع حقيقي حول هوية الاماكن في مدينة بغداد التي يمكن لاي منا ومن خلال تجوال بسيط في ازقتها , ان يكتشف لاي جهة تتبع هذه المنطقة من خلال الشعارات التي تكتب على الجدران او من خلال اللافتات التي ترفع والشعارات السياسية والدينية التي تعلق في موسم الانتخابات وبعده , لتعبر تلك التوجهات عن عمق ازمة الفرد العراقي في ظل مدينة تُرسم ملامح مشهدها الحضري وفقا لرؤى اؤلئلك الذين لا جامع بينهم الا تمزيق البنية العراقية اجتماعيا وسياسيا لتحقيق المكاسب التي يحلمون بها في مختلف المجالات , وهو ما يشكل مصدر قلق لنا جميعا كمثقفين , لان مثل هذه الانقسامات لا تخدم بالنتيجة الا اصحاب الرؤى الاستغلالية الرامية الى تراكم المكاسب المادية دون اخذ اثر سياساتهم , على بنية المدينة واشاعة روح الاغتراب بين ابنائها عبر تقطيع اوصالها وتشكيل اجزائها مذهبياً او قومياً , بنظر الاعتبار , وهو ما يعتبر تهديد حقيقي لمفهوم السلم الاجتماعي داخل المدينة وتهديد حقيقي ايضاً بامكانية عودة العنف وصلابة جذوره في بنية المدينة ذاتها , لذا لا يمكن للمرء ان يتخيل بان يساهم اولئلك الذين يرسمون مستقبل مدننا وتفاعلات الافراد فيها لصالح المدينة وافرادها طالما يشم احدهم في الاخر رائحة الغدر والمكر , ولايقرا في عيني الاخر الا الخديعة والوعد بالثار , عند ذاك من منا يشعر او سيشعر بالامان ؟ ومن منا يشعر اوسيشعر بانه موجود على تراب المدينة التي عاش فيها منذ عقود من الزمن ؟ .

لو تُرك الامر كذلك فلا اجابة غير (( لا احد منا سيشعر بذلك )) عندها لابد لنا ان نساهم بدورنا كافراد في صياغة مستقبل مدننا وبالتالي هويتنا الجمعية التي لا بد وان نجد في بناء المدينة ما يعززها ويصبح احد ضوابط العلاقة التي تحكم الامن والتعايش السلمي فيها , اما اذا ما استمر وضعنا مفعولا به لا فاعلاً او مشاركاً في هذا الامر فلا غرابة عندها من ان يختل تاريخ مدننا وتغترب المزيد من اعداد القاطنين فيها لصالح اؤلئلك الذين لايمتون اليها بصلة صميمية ودائمة ولا ينظرون لها الا على انها اما سوبر ماركت لتسويق بضاعتهم وافكارهم او انها مجرد ساحة اقتتال لفرض الهيمنة وبالتالي تحقيق المزيد من المكاسب المادية عبر تلك الهيمنة التي لن يدفع ثمنها الا مجتمع المدينة ذاته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل بيني غانتس لإتمام صفقة تبادل ا


.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة




.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم


.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا




.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا