الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب إيران بروكسي

عصام عبدالله

2010 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


أتابع ( بإعجاب ) كيف يتغير العالم من حولنا؟ .. كيف تسقط الإيديو لوجيات والسرديات الكبري والتابوهات؟ .. كيف يقود الشباب - خلافا لمعظم التوقعات - بفكره وأدوات عصره : مسيرة النهضة والحداثة؟

قبل أيام تم اعتقال ثلاثين شابا من أعضاء شبكة ما يعرف بـ"حرب الإنترنت الأمريكية " في إيران . وطبقاً لبيان الادعاء العام الإيراني، فإن شبكة " إيران بروكسي " ، كما أطلق عليها، كانت جزءًا فاعلاً في هذا المشروع الذي تم تمويله بواسطة جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA بمبلغ خمسين مليون دولار .

التهم التي وجهت لهؤلاء الشباب ( الخلاصة ) هي : اختراق بنك المعلومات العام، وتخريب المواقع الحكومية الإيرانية، وإيجاد غطاء آمن لنشاطات المعارضة في شبكات افتراضية ضد إيران، وتأمين وسائل وطرق آمنة لاتصال مواطنين إيرانيين بإذاعات وقنوات أجنبية .
شاهده العالم منذ شهور معدودة في شوارع إيران وميادينها، عبر شاشات التليفزيون والكمبيوتر والمحمول، كان أكبر من مجرد احتجاجات غاضبة علي نتيجة انتخابات، وأصغر من الثورة الشاملة علي نظام الملالي في إيران، ولكنه كان يعبر - في النهاية - عن بداية الفصل بين الديني والسياسي، ليس في إيران فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط ككل .

فإذا كان التداخل بين الديني والسياسي صبغ التجربة الإنسانية منذ آلاف السنين، قبل أن تضعه الحداثة الغربية موضع التساؤل والمساءلة، حسب " جورج بالانديه " في دراسته لعلاقة الدين بالسلطة، حيث " المقدس " حاضر دائما في صلب السلطة، فإن شيوع قيم الحداثة في عصر العولمة، التي تفصل ما هو ديني عما هو سياسي، أو بالأحري فإن ( عولمة الحداثة ) بفعل ثورة الاتصالات والإعلام، خاصة في العالم العربي والإسلامي، سلطت الضوء بقوة علي الموقف المسكوني للتقليد الديني، الذي جعل المقدس حاضرا في هذه البقعة من العالم - ولم يبارحها أبدا - حضورا يتعالي علي العصر واستحقاقاته المتجددة، رافضا أن يلوث نفسه بالواقع وضروراته المتغيرة .

ويمثل العام 1997 - في تصوري - بداية النهاية لهذا الزواج الكاثوليكي بين الديني والسياسي في إيران، بوصول الرئيس السابق محمد خاتمي للسلطة للمرة الأولي، بفوز ساحق علي مرشح المرشد الأعلي " علي أكبر ناطق نوري " ، معبرا عن تيار عريض يدعو إلي الإصلاح و"التغيير ". ويبدو أن فك شفرة ما يحدث الآن، وما سوف يحدث في المستقبل، يكمن في كلمة " الإصلاح " ذاتها، فطبيعة المعتقدات أو الدُوجمات هي طبيعة استاتيكية ساكنة وليست طبيعة ديناميكية ثائرة . وما يظن أنه دينامية ثائرة في نطاق المعتقدات إنما هو في الواقع حرب وتطاحن داخل المعتقد الواحد .

وحتي إذا انقسم المعتقد الواحد إلي شيع وطوائف، فإن ذلك لا يدخل في نطاق " الإصلاح " بل يدخل في نطاق الانقسام والفصل والاستقلال . فقد أدت ثورة رجال الإصلاح الديني في أوروبا عصر النهضة أمثال : " مارتن لوثر " ( 1483 - 1546 ) و " كالفن ( 1509 - 1564 ) و"زوينجلي " ( 1484 - 1531 ) و"سيرفيتوس " ( 1511 - 1553 ) وغيرهم، إلي الانقسام داخل العقيدة المسيحية الواحدة ( الكاثوليكية - الجامعة ) ولم يعمل ذلك علي تقدم المسيحية وإنما عمل علي إضعافها، وإلي تطاحن وحروب بين الكاثوليك والبروتستانت ( المحتجون ) في أوروبا .

كذلك فعلت الفرق الإسلامية منذ صدر الإسلام، وبدلاً من أن تكون العقيدة مصدرًا للوحدة والتعاون والتناغم، أصبحت مصدرًا للانقسام والتنازع والتناحر : " فقد أدي الاختلاف العقدي، في التاريخ الإسلامي إلي حدوث انقسامات سياسية مزقت وحدة المسلمين وأضعفت شوكتهم .


فالانقسام الخارجي الشيعي في أواخر خلافة علي بن أبي طالب، والانقسام السني الفاطمي في العهد العباسي، وما تبعه من انقسامات سنية شيعية، ثم الانقسام السني الشيعي الاثني عشري الذي خط الحدود الفاصلة بين الدولتين العثمانية الصفوية، وغيرها من الانقسامات التي عرفها تاريخ الإسلام السياسي أدت إلي إضعاف الأمة وتبديد طاقتها ".

ما نشاهده اليوم، حسب بالانديه " ، هو " عولمة الحداثة " التي أثرت علي ما هو خاص ومحلي لحساب ما هو كوني وعالمي، إذ إن العولمة هي بالأساس عولمة وسائل الإعلام ووسائل الاتصال، التي استخدمها الشباب الإيراني بمهارة ( في المراوغة والتهديف ) في شباك المحافظين، أو قل إن تكنولوجيا الاتصالات تلاعبت بالاستقرار المطمئن بين الديني والسياسي في إيران، مثلما تلاعب الإمام الخوميني بها ( عبر الكاسيت ) منذ وصوله إلي السلطة عام 1979 وهو ما يقلب مفهوم " السلطة " ذاتها رأسا علي عقب، لتصبح ( خاضعة للتكنولوجيا ) ، فاللغة الفارسية مصنفة علي أنها رابع لغة تدوين علي شبكة الإنترنت، ويوجد في إيران أكثر من مائة ألف مدونة تجري دراستها بدقة بالغة في مراكز الأبحاث العالمية، باعتبارها تعكس الوجه غير المعلن للمجتمع الإيراني خصوصا شريحة الشباب .

وإذا كان هؤلاء " الشباب " هم كلمة السر فيما حدث ويحدث، 70 ٪ من سكان إيران دون سن الـ 30 باعتبارهم الأسبق علي التعاطي مع العولمة وأدواتها والأجدر علي الاستجابة والتقبل السريع لآلياتها وسيرورتها الكمبيوتر والانترنت ( فيس بوك وتويتر ) والمحمول ( أي فون ) وشبكات المعلومات المعقدة فضلا عن ان العولمة موجهة بالدرجة الأولي إلي الشباب في العالم كله ....

فما الذي يمنع شباب 2010 في إيران، حتي لو اعتقلوا أجسادهم وزجوا بهم في غياهب السجون ، من تصدير ثورتهم الافتراضية والفعلية إلي الشباب العربي الذي يعادل 70 ٪ أيضا من تعداد الشعب العربي؟ .. وأن ينجحوا في عصر العولمة في الفصل بين الديني والسياسي، فيما فشل فيه الإمام الخوميني قبل ثلاثين سنة، من تصدير الدولة الدينية ( بالكامل ) إلينا؟ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر