الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجها لوجه أمام المرآة

محمد نوري قادر

2010 / 3 / 17
الادب والفن


واقفا في المرآة معلقا على الجدار ينظر للحقيقة كما هي بلا زيف ,كما يريد أن يعرفها, كما هي شاخصة إمامه ألان ,يرى ما لم يستطيع نكرانه,ما لم يستطيع أن يقول إنها ليست كما يبدو,وليس كما هو,مندهشا ينظر وجها خطته تجاعيد كتب عليها الزمن بحروف قاسية ألوانها , تحكي قصصا في كل خط منها رغبات وأحلام وتمنيات لا تنتهي, تصرخ مع الندب التي على وجهه بالأيام الموجعة في كهف مملوء قذارة حتى التخمة ,ومملوءة هي بالآهات وذكريات دامية أصبحت مقروءة عن بعد لمن يريد قراءتها ,أو النظر أليها أذا أمتلكه الفضول, وما يريد معرفته إن شاء من الألم والمتعة في البحث عن ذاته في الآخرين ممن سبقوه في وحل موبوء مياهه آسنة يملئه البعوض وروائح كريهة ونقيق الضفادع الذي لا ينتهي بين الأحراش والقصب ,تبحث عن اللذة في التحدي لوجود منثورا عليه غبار الإصرار لقضية خاسرة لم تفعل فعلها مهما طال الزمن, تتخبط بللا جدوى, ولم يكن لها يوما جدوى أبدا, فقط هو التمسك بأذنابها لعلها تكون ذو أهمية ولها معنى,أو لعل المعنى يكمن في البحث عنها والضياع الذي يقوده في البحث عنها,عندها يتطلب الأمر أن يكون وجوده قريبا منها ,ولم تكن هي قريبة منه,فتصيبه صعقة الخوف من الوحدة من النظر إليها وتدعوه إلى التريث في غرفة منسية أو معبد يحسب أيامه المتبقية ,فهي دائما هلوسة في فراغ هائل يملئه الصخب من جميع أركانه المتهرئة بعبادة الأصنام تقوده بلا مبالاة وإهمال نحو اللاوجود والمحرقة شيئا فشيئاً بإرادته وأحيانا بغريزة البقاء والبحث عن المفقود في فراغه الشاسع,رافعا يده مستسلما للقضاء رغما عنه مجبرا فيحتمي إن كان قادرا في ظلال ما تبقى من ظله, يأكله الصمت والندم , تتقاذفه الريح كيفما تشاء ,ولكن ,عندما تصبح جناحاه غير قادرة على حمله بعيدا حيث يريد ,وكما يحلم في فضاء لا متناهية أجزاءه,..شعره أصبح ابيض كالثلج من غبار الطلع والأتربة القادمة من الصحراء تحمل العواء في حبات الرمل منتشرة في كل مكان حتى في سريره الذي ينام عليه حين يطلب الراحة .
كبرياؤه يمنعه من السجود لمن يعيش في الواحة , يمنعه من الصراخ في المرآة , يمنعه من الإعلان انه قد عرف الحقيقة..
لا جدوى من النظر للوراء,تلك أيام ذهبت ولن تعود أبدا, فلن يسعف النظر للخلف اللاهثين في كهف مظلم مغلقة أبوابه,إلا من ثقوب معدودة تسللت منها أفاعي نحو العتمة وجدت مأوى في خرابه, وصيادون يحملون مطارق صدئت في رحمها, ولم يسمعها الحجر , فلم تعد ترى ما في المرآة من ظل لها, وما تعكسه من ضوء للشمس على مياه الساقية ..
جلس على طاولة قريبة منه بعد إن شعر بالتعب وهو يتطلع نحو المرآة ,فلم يعد قادرا حتى على الوقوف على قدميه فقد سار أميالا من السنين يحمل على أكتافه حلم رآه يوما في منامه ولم يعلم إنها خطوات معدودة ضائعة تحسب بقدر الجهد نحو الخاتمة ,نحو الأمل المفقود في حسابات الزمن للنهاية المؤسفة ,فما يحيط حوله نار اشتعلت في سماء لا حدود لها تقذف بحممها حيث تشاء ,لن يطفئها ماء البحر , أحرقت كل شيء , أحرقت كل أيامه وأحلامه التي كان يريد أن يراها قبل أن تنزلق قدماه في تلك الفجوة ,فجوة لم تبعد عنه سوى أمتار محدودة وربما لحظات في قياس الزمن
لم لا تعلن أيها البائس ما يجول في خاطرك ,ما يؤلمك , ما يؤرق أيامك الباقية ,مادام كل شيء أصبح واضحا في المرآة ,مادام كلّ منا يريد إن يعرف كيف تكون خطواته القادمة الأخرى ,فلم لا تعلن خطواتك الأخرى؟ هل ارتكبت جناية ؟ أم تخشى القول إنك لم تفعل الصواب,أم إنها جناية حقا ؟!! أذا لم تكن قادرا على رؤيتها أبتعد عنها فلا تنظر أليها ,فهي تحزنك كثيرا,بل تجعلك قبل موعدك تطلب المغفرة أذا كنت تسعى للمغفرة ,وأن شئت أطلبها أذا وجدت فيها طعما للراحة , ولكن , المغفرة لمن , للمتبقي من وحل الهزيمة ,للخطوات المتعثرة لملوك الكلمة , للرياح التي حملت السفينة إلى حيث تريد ممزقة أشرعتها ,ومتهالكة, تبحث عن موطئ على اليابسة , قل ما تريد فأنه قد يزيح عن كاهلك الثقل الموروث في حسابات مومس ظلت طريقها تبحث عن فراش دافئ في شتاء بارد يؤويها , أذا كنت تريد التريث هل يسعفك الوقت إن تقولها ؟ هل أنت مطمئن إن تقولها غدا ؟ هل ترى ألأمر لابد منه؟ دع كل شيء في أوانه , سوف تقول ما يجب أن تقوله ,فلا تبتئس ,ولكن عليك أن تطلب المغفرة أولا من الذي تقف أمامه تشعر بالخجل ,ويشعرك بالخجل.. لكن التعب جعله لا يقوى على المتابعة فصرخ فيها, رافعا يده ,محطما إياها ,خارجا عن الإطار, ناثرا أجزائها وأجزاءه على الأرض, وبقى كما هو يرتجف من البرد , ينظر بأسى ليده التي تنزف من الجرح الذي أصابه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحرقت كل شيء
فاطمة الفلاحي ( 2010 / 3 / 17 - 19:32 )
القدير محمد نوري

كنت حيث جملك المكتنزة بالتشبيهات الراقية

دمت بالق


2 - مرآتك هي الصدق
محمد سوادي العتابي ( 2010 / 3 / 17 - 20:49 )
صديقي محمد

من القلائل الذين شاهدتهم يجيدون الكتابة على المذهب التعبيري هو انت ولقد كان النص مشحونا بالصدق الى جنب الصبغة البلاغية الجلية فيه
حظا موفقا
تحية عراقية

عراقي وافتخر

اخر الافلام

.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-


.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص




.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟