الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخراب

علي شكشك

2010 / 3 / 18
الادب والفن



لا أظنُّ الأمور غامضة, فقد تراكم لدى الإنسان العربي على الأقل بحكم التجارب والمراقبة والمماحكة المتسارعة على مدى العقود السابقة ما يجعله يُعيدُ توليدَ ذاته ويواصلُ صياغةَ وعيه, صياغةً عضويةً أكثر منها تنظيرية, بحيث أصبح غيرَ قابل للتشاؤم ولا للتفاؤل ولا للمخاتلة, وربما هو الآن قادرٌ على تقدير الأمور تقديراً جيداً, ويعرف ما يلزم, ومن هنا ردودُ أفعاله التي قد تبدو أحياناً واعية وأحياناً أخرى لامبالية,
فقد عاصر الإنسانُ العربيُّ أحداثاً هامّة أضاءتْ له مساحاتٍ مظلمةً ورمادية لم تُتَحْ لجيلٍ من قبله, وقد تمَّ ذلك بالقوة ودونما إرادةٍ كاملة أو قصد أو جهدٍ كامل منه, فقد شكّلت القوة المعادية المتمثلة في الدولة الغاصبة في فلسطين آليةً هامةً في إضاءة هذه المساحاتِ وعملت آلية الغشم الصهيونية عملَ الصادم دوماً لوعي العربي ووعي الفلسطيني مما كان في كلِّ مرّةٍ يجعله يُعيدُ صياغة أسسه ومنظوماته ويفتح على آفاقٍ أخرى, لكنه كان دوماً وربما مازال لا يصوغ نظريةً كاملة تأخذُ به إلى مشروع, ويكتفي بتخزين مكتسبات الوعي في مناطقَ غيرِ فاعلةٍ غالباً من وجدانه, كأنّ هناك ثلاجة في ركن ما من الذاكرة, ولهذا كان الإنسان العربي فيما كان, قابلاً للذاكرة والنسيان, أو على الأقل كان أقرب للانفعالية منه إلى صاحب المشروع,
من هنا كان لا بد من جرعة ٍ كبيرةٍ من الألم ولونٍ فاقعٍ من الفاجعة لكي يتحرك هذا الشيءُ فينا, كأنه لابدّ من كلِّ هذا لكي تصلَ درجةُ اشتعال مخزوننا المكنون إلى اللحظة الحرجة اللازمة للانفعال.
ولربما وطّنّا أنفسَنا أنَّ المعركة طويلة وشرسة, ولن تُحسَم اليوم, فللجماهير حِسُّها وفطنتُها وحكمتُها التي تجعلُها لا تُجمِعُ على باطل, فلربَّما تنتظر برهةَ الجَدِّ التي تستبطنها وتعرِفُ علاماتها,
ومن هنا قد يكون سوءُ فهمها أو إساءةُ قراءتها أحياناً, مما يدفعُ العدوَّ للتمادي في غَيِّه وتعدّيه, فيعمد إلى الإيغال أعمقَ في طبقات المحو والإهانة عندما يُكرّمُ مجرِميه ويحتجُّ على تكريمنا لشهيدةٍ ورمزٍ من نوع دلال المغربي وما تعنيه.
وقد يظنُّ الصديقُ والشقيقُ أنها غائبةٌ أو لامبالية, دون أن يمنعَ هذا من تدخّلها حين يتجاوزُ الأمرُ الحدود, أو يُصبحُ علامةَ الرضا السكوت, من هنا تأتي هبّاتُها وانتفاضاتُها علامةً وإشارةً على حياتها وكرامتها حتى وهي تعي أنَّ الحسم النهائيَّ ما زال لم تنضج شروطه بعد, وأنّ البرهة المرجوّةَ لم تتحقق أشراطُها, مكتفياً بإرسال رسالةٍ إلى من يهمُّه الأمرُ الذي قد يكونُ العدوُّ أحيانا, كما قد تكون القيادة في إشارةٍ لها أنها معها تشدّ على يديها وتستدعيها, تدعمها وتؤازرها, مثلما كان الأمرُ في الانتفاضة الأولى, وقد تكون الرسالةُ إلى الذات, لإثبات اللياقة الدائمة, ولتجديد الثقة بالروح أنها هنا تداعبُ التاريخ وحاضرةٌ فيه, كأنها مناوراتها بانتظار لحظة الميلاد الأولى.
وهي في هذا وذاك تُدركُ أنَّ هناك خراباً ما فينا, لابدَّ من التطهّرِ منه قبل الصلاة, فهو سببٌ لما أحاط بنا من خراب, كما أنّ تطهّرَ الروحِ منه شرطٌ لإزالته من حولنا وإزالةِ كنيس الخراب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا