الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إريك رومير الغائب الحاضر

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2010 / 3 / 19
الادب والفن



رحل أحد عمالقة الفن السابع وفقدت السينما الفرنسية برحيله أحد أعمدتها وأحد أركان الموجة الجديدة الفرنسية ألا وهو المخرج المبدع إريك رومير عن عمر ناهز التسعة وثمانون عاماً. وكان من حسن حظي أنني درست على يديه مادة الإخراج السينمائي في كلية السينما في جامعة السوربون الأولى لمدة ثلاث سنوات وعرفته عن قرب وأجريت معه عدة مقابلات وحضرت شخصياً تصوير عدد من أفلامه كمتدرب. وكان رومير في الأصل أستاذاً للأدب وكاتب وصحفي وناقد ورئيس تحرير سابق لمجلة كاييه دي سينما أو كراسات السينما الرصينة والمتخصصة التي كتب فيها عدد كبير من المقالات وكان منظراً للغة السينمائية إلى جانب كونه مخرجاً ومنتجاً سينمائياً. ولد في 21 آذار 1920 وكان إسمه الحقيقي هو موريس شرير Maurice Schérer وقد لجأ إلى إسم مستعار لكي يخفي عن عائلته مهنته الحقيقية أي إخراج الأفلام السينمائية. أصبح ريئس تحرير مجلة كراسات السينما سنة 1957 وعمل ناقداً سينمائياً وألف مع كلودشابرول كتاباً رائعاً عن هيتشكوك وكان أول فيلم أخرجه هو علامة الأسد سنة 1959 الذي لم يتمكن من عرضه إلا بعد ثلاث سنوات من إخراجه سنة 1962 وعرف أول نجاح تجاري له مع فيلم ليلتي عند مود سنة 1969 ونال عنه جائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسا ـ البندقية في إيطاليا وكان هذا هو أول فيلم شاهدته له في المركز الثقافي الفرنسي في بغداد في أوائل السبعينات من القرن الماضي أي ليلتي عند مود الذي أخرجه سنة 1969 وفرض من خلاله أسلوبه وعالمه السينمائي وما عرف حينذاك بالحكايات الأخلاقية حيث تنتصر الفضيلة رغم المغريات وعبر معالجاته ألقى رومير نظرة جادة وحادة على الأخلاق المعاصرة السائدة آنذاك وما رافقها من تحولات إجتماعية وأخلاقية في العالم المديني وخاصة في المدن الجديدة وقد عرف عنه أنه سينمائي محافظ بل وشاع عنه أنه مخرج متدين وسينمائي أو مخرج مسيحي أثرت عليه اضطرابات العصر وتعقيدات الحضارة والحداثة وهو مخرج أسلوبي يسكنه هاجس المكان والفضاء السينمائي وفي نفس الوقت هو كاتب حوار مرهف وعاشق للغة الفرنسية الأنيقة ومعجون بالخصوصية الثقافية الفرنسية المشرعة على الحداثة والمتمسكة بالتراث في آن واحد وقد استخدم اللغة السينمائية كأداة للتعبير عن الواقع الفرنسي ورسم صورة دقيقة عن الشبيبة الفرنسية المتفجرة حيوية والمتعلقة بكل جديد . دافع عن الثقافة الفرنسية والخصوصية الثقافية الفرنسية حيث كرس عدة أفلام عن التراث التاريخي الفرنسي مثل برسيفال لو غالوا، وغراميات آستريه وسيلادون . وكان أول من لجأ إلى استخدام التقنية الرقمية في السينما. وهو من الجيل الأول، جيل الرواد، الذي أسس مدرسة الموجة الجديدة في السينما الفرنسية برفقة جان لوك غودار وفرانسوا تروفو وجاك ريفيت وكلود شابرول وغيرهم، ترك خلفه أثراً سينمائياً يقدم رؤية لفرنسا منظور إليها بعمق العينين أي بتركيز وجعلها ممثلة لبلده وقابلة للتصدير للخارج لمن يحب فرنسا ويريد التعرف عليها عن قرب عبر الصورة والحكاية الرومانتيكية. وكان يتملكه هاجس الاستقلالية والموضوعية والجرأة في طرح المسائل الشائكة والموضوعات الحساسة رغم فقر أفلامه وتواضع ميزانياتها كثمن للمحافظة على تلك الاستقلالية فقام بانتاج أفلامه بنفسه بواسطة شركته الانتاجية المتواضعة أفلام لوزانغ وكان أول من استخدم تقنية الميكرفون الصغير والخفي المعلق بربطة العنق لتسجيل المشاهد الحوارية بحرية وقد تمكن من تسجيل أربعين عاماً من الحياة الفرنسية التقليدية بلغته الجمالية الخاصة والشخصية مستخدماً مفردات اللغة المحكية والموضة والملابس وطريقة الغزل وزخرفة البيوت وديكورات الأماكن الداخلية والخارجية الطبيعية حيث لم يتردد في تصوير أفلامه في المدن الجديدة والكئيبة الباعثة على الملل والمصنوعة من الاسمنت الجاهز. لم يتجرأ أحد أن يطلب من رومير كيف يعمل وكيف يصور أفلامه ويدير مشاريعه السينمائية وهو مدافع شديد عن المرأة . ظهر أول أفلامه علامة الأسد سنة 1959 مع بدايات وازدهار الموجة الجديدة وهي التسمية التي اقترحتها الكاتبة والصحفية فرانسواز جيرو وكباقي زملائه في هذه المدرسة السينمائية ـ غودار وتروفو وشابرول ورينيه وريفيت وروزيه وروش وموليه وغرييه وغيرهم كثيرون ـ لم يحاول رومير أن يضع نظرية إخراجية وجمالية محكمة ومقيدة للتعبير عن لغة وخصوصية وجماليات هذه المدرسة إنما بنى نظامه الخاص لبنة بعد أخرى بفعل التجربة والممارسة والتجريب خطوة بعد أخرى ومكرراً التجارب والمحاولات ليشكل أثره السينمائي الذي يحمل بصماته وسمته الروميريه. أخرج إريك رومير ما يربو على الخمسة وعشرين فيلماً خلال نصف قرن من الانتاج والعمل والابداع والنشاط الفني والتربوي وقد تميز بقلة المعدات المستخدمة في التصوير وقلة عدد طاقمه أو فريق العمل المرافق له في تصوير أفلامه حتى أنه كان يبدو وكأنه من هواة السينما كل ذلك من أجل الحفاظ على استقلاليته في الانتاج والتمويل وعدم الاعتماد على المنتجين والوقوع تحت رحمتهم فكان يكتفي بدعم الدولة لمشاريعه من خلال مساهمة المركز الوطني للسينما في جميع أفلامه تقريباً حيث استمر بانتاج الأفلام بانتظام بواقع فيلم كل عامين رغم الأزمات التي واجهت السينما الفرنسية ولم يحد قيد أنملة عن خطه وأسلوبه وطريقة عمله بفضل شركته لوزانغ للانتاج السينمائي التي أسسها مع المخرج باريست شرودير سنة 1962 وقد جرب كل التقنيات الحديثة خاصة التقنية الرقمية وتعاون مع أقسام الانتاج في القنوات التلفزيونية خاصة قناة + المتخصصة في السينما وكان أول مخرج سينمائي يعرض فيلمه الشعاع الأخضر على هذه القناة قبل عرضه في صالات السينما التجارية العادية وهو فيلم مستوحى من مقطع من قصيدة للشاعر آرثر رامبو كما استخدم الكاميرا الصغيرة المحملوة كآلة تصوير رئيسية وكذلك استخدم كاميرا الفيديو ويدرس جيداً مواقع التصوير ويدقق بكل مفردات وأدوات العمل السينمائي خاصة نوع العدسات وزوايا التصوير ولا يترك شيئاً للارتجال المكلف مادياً في أغلب الأحيان إلا مع غودار الذي يشكل استثناءاً في هذا المجال، فيحدد رومير مسبقاً نوع العدسات وحركات الكاميرا وزوايا التصةير وطبيعة الحركة وأماكن التصوير. وكان مشهوراً خارج حدود بلده أكثر من شهرته في فرنسا ذاتها وبالذات في الولايات المتحدة الأميكية حيث يوجد لديه معجبين مخلصين ومتابعين لأفلامه لأنه يجسد صورة معينة عن فرنسا وسينماها تتوائم مع أذواق تلك الفئة من الجمهور الأمريكي حيث اعتبروه مبدعاً حقيقياً قادراً على انتاج تحف سينمائية بالرغم من التقشف المادي وقلة أو فقر الإمكانيات والظروف الإنتاجية الصعبة . فهو معروف بجديته وصرامته في العمل وكرهه للتبذير وتضييع الوقت ويبتعد عن الفخفخة والبهرجة والانتاج الضخم والضجيج الإعلامي ويكتفي بالقصص الغرامية والحكايات التي تعكس إيقاع الحياة اليومية حتى عبر مواضيع تاريخية مستمدة من التراث التاريخي الفرنسي. كان متعلماً ومثقفاً وعاشقاً للسينما. نشر أول رواية له سنة 1946 بعنوان إليزابيت ولكن تحت إسم مستعار أيضاً هو جلبرت كورديه ويرتاد بانتظام نادي السينما في الحي اللاتيني حيث التقى بزملائه كهواة سينما آنذاك ثم تحولوا للنقد ومن ثم للاخراج وكان يحب التحليل رغم تحفظه على الكثير من اساليب أقرانه وكان معجباً بهوارد هاوكس وهتشكوك وجان رينوار وربيرتو روسيليني وكان من أوائل المدافعين عن سينما المؤلف . لقد غاب الجسد وبقي الأثر والإسم والبصمات التي سسترك اثراً على طلابه وتلاميذه والأجيال الجديدة من السينمائيين الشباب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ