الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غيوم نووية فوق الشرق الأوسط 1 / 2

بدر الدين شنن

2010 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


حسب المعطيات الموضوعية للمشهد السياسي الدولي والشرق أوسطي ، فإن العربدة الإسرائيلية ، التي حدثت في الآونة الأخيرة ، لاسيما التي خص بها وزير الخارجية الإسرائيلي سوريا ، ومسائل والسلم والحرب في المنطقة ، إنما هي عملية هروب إلى الأمام ذات أبعاد عدة . البعد الأول هو للتمويه على الحال الإسرائيلية ، التي نقلتها متغيرات موازين القوى الإقليمية الجديدة ، من دولة تتملكها عقيدة سياسة العدوان على الغير ، بالحروب الخاطفة والاحتلالات للأراضي ، والتهديد بالمزيد من العدوان والتوسع ، دون أن تلقى إدانة دولية لأعمالها العدوانية لوقفها ودفع تعويضات عن جرائمها ، بل تلقى دعماً لهذه الاعتداءات ، وكذلك دون أن تدفع ثمن تلك الحروب ردوداً تدميرية لمدنها وقواتها من قبل من تعتدي عليه ، ومن واقع وعقلية دولة نووية متطورة تطاول أذرعها التدميرية ما هو أبعد من حدود الشرق الأوسط ، إلى دولة معرضة للرد على أفعالها العدوانية بهجمات لايشك بفعاليتها التدميرية ، ما سوف ’يلحق بها مزيداً من الضعف والتحجيم ، وربما ما قد يهدد وجودها أيضاً . وقد كانت نتائج حربها على لبنان 2006 وحربها على شعب غزة 2009 - 2010 مؤشراً على المآلات الإسرائيلية المستقبلية المرعبة . والبعد الثاني هو لرفع المعنويات الإسرائيلية المهزوزة إثر عدم ا ستطاعة الجيش الإسرائيلي تحقيق أهداف حربه ضد المقاومة اللبنانية على مدار 33 يوماً من القتال الضاري ، وكذلك فشله في مواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة وشعب غزة ، وخسارة هذا الجيش تميزه الردعي إزاء أية قوة عسكرية ’ تصنف معادية لإسرائيل حول القوس الجغرافي الإسرائيلي . والبعد الثالث هو التظاهر بالانتقال إلى مرحلة سياسية عسكرية هي أكثر هجومية في التعاطي مع الآخر المقاوم أو الخصم الرافض للسلام بشروط إ سرائيل هي أ سوأ من شروط اتفاقية كامب ديفيد مع مصر واتفاقية وادي عربة مع الاردن ، وذلك بغطرسة متواترة وأسلحة نوعية جديدة .

ومن المثير للقلق الإسرائيلي ، أن إ سرائيل بعد ستين عاماً من عمليات قهر الشعب الفلسطيني بالإرهاب والمذابح والتهجير والاغتيالات والإفقار والحصار ، ومن الحروب العدوانية الاحتلالية على جيرانها العرب ، المغطاة بالدعم الأميركي والدولي السياسي والعسكري المطلق ، ورغم ا ستحواذها على السلاح النووي بمخزون ’يعد الرابع في العالم ، وتحقيق انسحاب مصر والاردن من الصراع معها وتحويلهما إلى حليفين لها ، وكسب صداقات وعلاقات مع عدد من الحكام العرب ، لم تتمكن من أن تصبح دولة عظمى معترف بها على الأقل على مستوى الشرق الأوسط ، ولم تتمكن من أن تملك قرارها المستقل عن الولايات المتحدة والقوى الدولية الأخرى الداعمة لها ، فهي - أي ا سرائيل - لاتستطيع حتى الآن أن تقدم على أية خطوة هامة في اغتصابها المتواصل للحق العربي والفلسطيني ، دون أن تأخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة ومن الدول النافذة في أوربا . ثم جاءت المتغيرات السياسية والعسكرية الإقليمية الجديدة في المنطقة ، التي أبرزها : ا شتداد ساعد المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، وظهور إيران المالكة لترسانة هائلة من السلاح المتطور والطامحة لدور إقليمي " نووي " ، وتحول تركيا أردوغان عن دعمها لإسرائيل ، بل واتجهت لدعم الحقوق العربية والفلسطينية .

بمعنى أنه بعد ستين عاماً على سيرورة المشروع الصهيوني ، اصطدم هذا المشروع بالمقاومة ، التي صارت ضرباتها موجعة ، بل وتتصاعد هذه الضربات إلى مستوى باتت تهدد بتدمير مدن ا سرائيلية . كما اصطدم ببروز إيران وتركيا في المنطقة تحمل كل منهما مشروعها الإقليمي ايضاً ، وكلاهما ليسا على وئام مع المشروع الصهيوني . وحسب التجليات العملية للأوضاع الجديدة في الشرق الأوسط ، فإن المشروع الإيراني يناصب العداء العلني للمشروع الصهيوني ، والمشروع التركي لايقبل بالهيمنة الإسرائيلية على المنطقة ، وإيران وتركيا تعملان على بناء علاقات صداقة وتعاون وتضامن مع الجانب العربي في صراعه مع إ سرائيل .. بينما .. على سبيل التذكير .. كانت إيران الشاه الصديق الأقوى لإسرائيل في المنطقة ، وكانت تركيا قبل أردوغان من خلال ارتباطاتها الأطلسية هي الحليف المباشر لإسرائيل ، وكانت إ سرائيل من خلالهما في تلك الحقبة ـ تحصل على توازن شرق أوسطي لصالحها وعلى مايدعم مقومات ا ستقرارها والاطمئنان على وجودها .. وعلى مطامحها .. كما اصطدم المشروع الصهيوني بالفشل الذي اصاب مشروع حليفها الأقوى الأميركي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط ، الذي يحفظ لإسرائيل مكانة مرموقة في هذه الخريطة .

على ذلك يمكن القول ، أن ثلاثة مشاريع إقليمية تمارس اللعب التنافسي على مربعات الشرق الأوسط ، تحملها دول طموحة للعظمة والهيمنة هي إيران وتركيا وا سرائيل . وإذا كان لكل مشروع خلفية متميزة نسبياً أو كلياً عن الآخر ، فإن الخلفية الإيرانية والتركية تتقا سمان أكثر من هدف ا ستراتيجي مشروع لنمو ونهوض سياسي واقتصادي لشعوب المنطقة . بينما الخلفية الإسرائيلية ، التي تحظى بالدعم الأميركي وعدد من الدول الغربية الاستعمارية الهوى ، لها ا ستراتيجيتها الصهيونية القائمة على الاغتصاب والعدوان والحرب والاحتلال ضد الشعوب المجاورة . في وقت ’حرمت فيه مصر الدولة العربية الأكبر ، حسب اتفاقيات كامب ديفيد ، من أي دور إقليمي تنافسي لإسرائيل ، و’تحجم فيه المملكة العربية السعودية الدولة العربية الأغنى .. ’تحجم عن المبادرة لاتباع نهج إقليمي ، وذلك خوفاً من أن يشوش ذلك على " عملية السلام " مع إ سرائيل أو يغضب الولايات المتحدة الأميركية .

فقط النظام السوري يحاول في هذا السياق أن يبرز أن له مشروعه القومي الإقليمي ، ويؤكد في كل مناسبة وفي بينات أو لقاءات مع زواره العرب والأجانب ، على الدور الإقليمي والمحوري لسوريا في الشرق الأوسط ، بل وفي السياسة الدولية . بيد أن الوقائع الموضوعية تدل على أن امكاناته التي يستعرضها في مداولاته الدولية ، إنما هي مستمدة من دعم حليفه الإيراني وامتداداته في المنطقة ومن تحول نهج أردوغان الاقتصادي والسياسي نحو سوريا والبلدان العربية الأخرى . فالجميع يعرف حجم الناتج المحلي السوري ، وكم يمكن أن يتيح هذا الناتج من مبالغ للإنفاق العسكري . فضلاً عن الفجوة الكبيرة بين النظام والشعب ، التي أحدثتها السياسة الداخلية المزمنة ، المعتمدة على حالة الطواريء والأحكام العرفية وعلى سحق الآخر .. وإلغاء مقومات حياة سياسية ديمقراطية نشطة هي أكثر ما تحتاج إليه سوريا الآن . وإذا كان للنظام السوري من دور في التفاعلات الساخنة الجارية في الشرق الأوسط ، فلأن الجغرافيا السورية مستهدفة من قبل المشروع الصهيوني ، ليس بحدود الجولان المحتل وحسب وإنما لما هو أبعد من ذلك بكثير ، ولأن لا خيارات أمام النظام ما بعد المفاوضات المباشرة وغير المباشرة الفاشلة مع ا سرائيل سوى خيار المواجهة ، الذي يستلزم أولاً وقبل كل شيء تغييرات سياسية ديمقراطية جذرية في الداخل .

ولدى قراءة متأنية لوقائع الشرق الأوسط ، يتبين أن أزمات كبيرة معلقة تنتظر بإلحاح حلولاً عاجلة غير عادية . هي بإيجاز :
- أزمة الولايات المتحدة المتمثلة بفشل مشروعها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وما نتج عن ذلك من خسائر باهظة عسكرية واقتصادية ، وعدم قدرتها على إزاحة الصخرة الإيرانية الإقليمية " النووية " من طريق مشروعها .
- أزمة إ سرائيلية تتمثل في فشل تهويد فلسطين بالكامل وتكريس إ سرائيل دولة يهودية ، وما يستتبع ذلك من تهجير عرب 48 وأردنة حلم الدولة الفلسطينية ، أ ي إقامة هذه الدولة على الضفة الشرقية لنهر الأردن ، وزعزعة هيبتها أمام المقاومة اللبنانية والفلسطينية والجبهات العربية الأخرى .
- أزمة إيرانية تتمثل في عدم الفوز بالترخيص الدولي لمشروعها النووي حسب برنامجها ، وعدم حصولها على الوقود النووي من مصادر دولية حسب شروطها ، والاعتماد على نفسها ، تحت ضغوط عقوبات دولية تعسفية ، وتحت التهديد الإسرائيلي الأميركي الغربي بضرب مفاعلاتها النووية وبغزو أراضيها وإ سقاط النظام القائم فيها .
- أزمة سورية مركبة ناتجة عن فشل المفاوضات غير المباشرة مع إ سرائيل لاستعادة الجولان المحتل ، وتعرضها للإبتزاز العسكري الإسرائيلي للتنازل عن الجولان ، وبعودة الإملاءات الأميركية لممارسة دور أكثر إيجابية لصالح الاحتلال الأميركي في العراق وأكثر انسجاماً مع عملية السلام مع إسرائيل حسب منطق " الاعتدال العربي " .

وقد ثبت حتى الآن ، أن هذه الأزمات لايمكن حلها بالوسائل السياسية والدبلوماسية أو بالصفقات والمساومات ، ولطالما بقيت هذه الأزمات معلقة فإنها تهدد با شتعال حريق مريع في الشرق الأوسط .
من جهة إيران فقد ا ستكملت أطر تحالفاتها بلقاء ضم محمود أحمدي نجاد وحسن نصرالله وبشار الأسد ، وقامت با ستعراض عدد من إنجازاتها الصاروخية والجوية والبحرية ، وأعلنت أنها ستقاتل وحلفاؤها إذا جرى اعتداء عسكري على أي من أركان اللقاء .. وستلحق أضراراً تدميرية بالغة بالقوات الأميركية البحرية في الخليج وفي قواعدها العسكرية في دول الخليج المجاورة .
من جهة الولايات المتحدة ، صرحت سفيرة إ سرائيل لدى الأمم المتحدة مؤخراً " أن مسؤولين في الولايات المتحدة وإ سرائيل يدرسون إمكانية ضرب المنشآت النووية الإيرانية ، إذا لم تلتزم إيران بالقرارات الدولية " وقالت تزامناً مع زيارة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للولايات المتحدة " إن شخصيات رفيعة المستوى في إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية تدرس إمكانية أن تضع ضربة عسكرية النهاية للمشروع النووي الإيراني " وهذا يعني نسف المشروع الإقليمي الإيراني أيضاً ، وزج سوريا في مستنقع أزمات عسيرة من الصعب ا ستدراك خواتمها .
من جهة إسرائيل ، تكاد التصريحات لكبار المسؤولين ، لاسيما نتنياهو وليبرمات لاتحصى ، حول ضرب المفاعلات النووية الإيرانية ودعوة الولايات المتحدة لمشاركتها في هذه العملية . واللافت لدى دراسة التوجهات العسكرية الإسرائيلية ، أن عقيدة شمشون النووية لم تعد هي السائدة في إ سرائيل ، أي ا ستخدام السلاح النووي عند الشعور بالهزيمة المؤكدة ، أي عند الوصول إلى مفرق في التقييم العسكري .. وجود أو لاوجود .. بل دخل السلاح النووي ضمن الخطط الإسرائيلية العسكرية للاستخدام الاستراتيجي لإنجاز الخطط العسكرية العملياتية .

والسؤال البارز هنا ، هل الشرق الأوسط مقبل على حرب يستخدم فيها أطراف الصراع الإقليمية والدولية الأسلحة النووية ومشتقاتها الإشعاعية الأكثر تدميراً ؟
وماهو المطلوب سورياً في مواجهة مثل هذه الحرب وقد قدمت إ سرائيل بتدمير مركز أبحاث في دير الزور بسلاح مشع في العام الماضي .. قدمت أنموذجاً لأية حرب قادمة ذات صلة بالجبهة السورية ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت يدك علىهذا التحليل..؟؟؟
سالم الحمصي ( 2010 / 3 / 19 - 19:18 )
التحليل جيد رغم نواقص الوضع داخل إيران وأرتباطه بوضع الشرق لالأوسط كله.. سلامات

اخر الافلام

.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟


.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د




.. مطالبات بايدن بالتراجع ليست الأولى.. 3 رؤساء سابقين اختاروا


.. أوربان يثير قلق الغرب.. الاتحاد الأوروبي في -عُهدة صديق روسي




.. لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.. فرنسا لسيناريو غير مسب