الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترى هل سيعود العراق لسابق مجده القديم ؟

ناديه كاظم شبيل

2010 / 3 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كلما سمعت اغنية الموسيقار الراحل فريد الاطرش (بساط الريح ) وخاصة عندما يتغنى بكرم ومجد بغداد ، ينتابني اسف شديد ، واتسائل بحسره ومراره : اين ذهب ذلك الكرم والمجد وأين انزوى ذلك الخير الوفير ؟ فلقد اصبحت شيمة الكرم التي كان يكنّى بها الشعب العراقي ، غريبة عنه في وقتنا الحاضر ،ربما للوضع الاقتصادي الحرج الذي مر به العراق العظيم وعلى رأسه الحصار الذي دام سنوات طوال ، او فقدان المعيل بسبب الحروب ، او الهروب الى خارج الوطن تجنبا للمشاركة فيها ، او بسبب المعارضة لسياسة الحكم البائد ، واسباب كثيرة جدا نعلمها جيدا ونعلم تأثيرها السلبي على اخلاق الفرد العراقي ، فأصبح وللاسف الشديد حريصا الى درجة البخل، وشرها الى درجة الاستجداء، بطبيعة الحال هنالك من يترفع عن هذه الصفات ولكنهم قلة قليلة للاسف الشديد .

اقول هذا وصورة جميلة لا تزال مطبوعة في ذاكرتي ايام كنت طفلة في مدينة الصويره ،تلك المدينة الخضراء التي تقع جنوب بغداد وعلى ضفاف دجلة الخير، حيث البساتين العديدة عامرة بالفواكه الحمضية ، وخضروات الشواطي مشهودا لها بطراوتها ورائحتها الزكيه، كان الكرم وقتها في اوج عنفوانه ، الارض تطرح الرشاد البري والفطر والكمأ ، وكل بذرة تحملها الريح لا بد ان تأتي بثمر ، اصحاب تلك البساتين يهدون اكثر مما يبيعون ، فلا لبن او زبد يباع وانما يهدى للصديق والضيف وابن السبيل ،وكذلك الاشجار الحمضية او فسائل النخيل ،او الثمار وحتى عصير الثمار كانت تهدى للاصدقاء والمعارف او المستطرق الغريب .

واتذكر جيدا كيف كانت النساء تحمل (الصواني ) محملة باشهى الاطعمه ليفطر الفقراء في شهر رمضان او الليالي المباركة كليلة الجمعه ، وتتعدد الاطعمة ويصبح الفقير متخما بسبب الفائض من الخير حيث لا ثلاجات في ذلك الوقت يحفظ فيها ما تبقى من طعام، وكيف كانت الصدقات السريه تجري في الخفاء ، فتصل ( الفطرة ) قبل حلول العيد ، كي يشتري الفقير ملابسا زاهية الالوان لصغاره الاحبه ، كي لا يشعروا بالفارق مع اقرانهم من ابناء الميسورين .

وفي المواسم ايضا ، كانت الفاكهة الجديدة تذهب الى بيت الفقير قبل ان يتناولها الغني ،وكان الجار يطعم جاره بسخاء ، وكلنا يتذكر صفاء تلك الايام التي لا تمحيها قسوة الزمن .

حتى في المدارس ، كانت هنالك وجبة طعام تقدم للطلاب متكونه من البيض او الجبن والخبز والطماطم والحليب ، يعقبها حب السمك ، وكانت علب الحليب توزع مجانا في المستشفيات .

اقولها بحسرة لم يكن الكرم ماديا فحسب ، بل معنويا ايضا ، فكانت المرأة لا تشعر بالضيم ان فقدت الزوج ، فالاب و الاخ او العم والخال يغدقون عليها الحب والرعاية اضعافا مضاعفه ، كي لا تشعر بالذل او العوز وكي لا تمتهن عملا لا يتناسب مع الحياة الكريمة التي عاشتها ظل الاب او الزوج ،وكم من رجل عزف عن الزواج كي يعيل شقيقته الارملة او المطلقة وصغارها دون منغصات انانية الزوجه .


الان ورغم الترف الذي نعيشه في اوربا التي اصبحت مأوى من شردتهم الحروب او الحكام الطغاة ، تعيش وللاسف الشديد حالة تفكك اسري مقيت، فكم من سيدة كريمة هجرها او طلقها الحبيب ، تتقوقع في منزلها يقتلها الضمأ الى كلمة حب صادقه او يد حنون تشعرها ان الدنيا لا زالت عامرة بالخير والمحبة والوفاء.

تفتقد معظم الاسر الى ترابط الزمن الاصيل ، فهنالك احياء لا يتزاورن ، واشقاء ولكن بالاسم فقط ، فلا مشاركة وجدانيه ولا مكالمة هاتفيه ، ولا يد تمسح الرأس الذي اثقلته الهموم ، ربما يكون للزوج عذر ان هجر ،فقد تسيطر الانانية وحب الذات على مشاعره ويصبح فرعون في طغيانه ويقول للمرأة انا ربك الاعلى ، ويبحث هنا او هناك عن حب جديد او حضن اكثر دفئا من زوجة اعطت كل مالديها للاهل والاحبه حتى جف او كاد ان يجف نهرها ، لانها اعطت دون ان تنال شيئا ولو يسيرا جدا ، ولكن مابال الاخ الشقيق الذي يحمل نفس الجينات والتاريخ والدم ، ماباله تخلى عن ارقى الصفات الانسانية وهي الغيرة والنخوة والحميه ؟كلامي هذا لا اوجهه للمغتربين فقط بل للساكنين قلب الوطن ايضا ، فما بال صراخ الارامل يتعالى كل دقيقة بحثا عن سكن هدمته صواريخ الغدر ، او لقمة عيش تسد رمق الايتام ، او جرعة دواء تعيد الحياة لمريض مشرف على الموت . الا هل من يقظة ضمير جماعية تعيد للعراق عزه وسؤدده الذي كان نارا على علم.

مهما كبرت المرأة تظل طفلة تحلم بيد حانية تمسح شعرها ، وكلمة حب صادقة تدفع الدم حارا في عروقها من جديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟