الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟

زينب رشيد

2010 / 3 / 20
الارهاب, الحرب والسلام


في القدس وعلى أرضها وبسببها، أرتكبت فظائع كبيرة، وأزهقت أرواح كثيرة، وسالت أنهار من الدماء لم يتوقف جريانها حتى هذه اللحظة، ولا يبدو انه سيتوقف في المدى المنظور على الأقل.

جاءها عمر بن الخطاب بجيش جرار بناء على معلومات ضبابية تلقاها من نبي الأسلام محمد الذي تلقاها بدوره من ورقة بن نوفل وآخرين ومما "قرأه" في كتب اليهود والمسيحيين وغيرهم، وحين رأى أهلها أن مقاومة جيش ابن الخطاب ستكون ضربا من ضروب الانتحار قرروا تسليم مفاتيحها له من دون مقاومة.

قبل عمر لم يكن هناك أي شيء له علاقة بالاسلام في تلك المدينة، وبالتالي فان كل المواقع التي سبقت وصول ابن الخطاب وجيشه الجرار هي إما صابئية أو يهودية أو مسيحية، وان لم تكن دينية فهي كنعانية يبوسية عبرانية أو "بالستوية" اذا جاز التعبير نسبة الى الفلسطينيين القدماء.

لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا دار بين ابن الخطاب واليهودي - قالوا عنه لاحقا انه قد أسلم - الذي أشار له الى المكان المقدس، سواء كان صخرة أم هيكلا أم مايدعيه المسلمين بأنه مسجدا بناه أدم، فقصة أدم وحواء أصلا ليست سوى أسطورة من أساطير الأولين تلقفتها الأديان جميعها وجعلتها الحلقة الأولى من مسلسل حكاية الخلق، ماهو مهم هنا أن يهوديا هو من أحيا ما يعتبره مقدسا بالنسبة له حتى ولو على يد الغزاة الجدد.

أمر ابن الخطاب ببناء مسجدا أطلق عليه تسمية المسجد القبلي وليس المسجد الأقصى كما هو معروف وجاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ليأمر ببناء قبة الصخرة وهي التي تظهر في وسائل الاعلام المرئية، ويعتقد المسلمون الذين يبدون استعدادا للموت في سبيلها بأنها المسجد الأقصى، ولا ضير في ذلك ما دام كثيرا من الفلسطينيين لايميزون بين مسجد قبة الصخرة وبين المسجد الأقصى ومنهم من هو بموقع مسؤول ويتفاوض على مصير القدس ويشدد على انها عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.

عندما استولى المسلمين على القدس كان طابعها العام مسيحي واذا ما سألت أي مسلم من سكان تلك المنطقة أين يقع مسجد عمر بن الخطاب سيقول لك بعفوية متناهية في حارة "النصارى" بجوار كنيسة القيامة، وعرفانا لجميل المسيحيين الذين سلموا المدينة بدون مقاومة سنَ لهم الخليفة "العادل" عمر بن الخطاب العهدة العمرية، ولعمري لو أن عمرا يعيش اليوم بيننا لما تجرأ حتى على التلفظ ببندا واحدا من بنود تلك العهدة العنصرية البغيضة التي يتفاخر المسلمون اليوم بها دون أن يعرف أغلبيتهم محتواها، واذا ما تجرأ وطرحها في وقتنا الحالي فانه سيساق الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي عقابا له على نص ينضح بالعنصرية تجاه الآخر من ألفه الى يائه.

قبل عمر والغزو الاسلامي وعبر مئات السنين تعرضت هذه المدينة وأهلها لكثير من التدخلات العسكرية من قبل كافة القوى الاقليمية التي تواجدت عبر السنين. سيطر عليها اليبوسيين والعبرانيين والفراعنة ومن ثم بنو اسرائيل حيث تم بناء الهيكل في عهد سليمان والآشوريين والبابليين والفرس واليونانيين والرومان والبيزنطيين الذين بنوا كنيسة القيامة بأمر من هيلانة والدة قسطنطين، ثم جاء المسلمون وأتى بعدهم الاوروبيين ليعود المسلمون من جديد بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وحاول الفرنسيون السيطرة عليها لكن حملتهم فشلت على أسوار عكا، ليسيطر عليها بعد ذلك البريطانيين وأخيرا الاسرائيليين على مرحلتين في العام 1948 والعام 1967.

مفارقة عجيبة يتعلمها طلابنا في مناهجنا الفلسطينية بأن كل تلك الحملات هي احتلالات ما عدا دخول المسلمين الى القدس فهو "فتح" حين دخلها ابن الخطاب وهو تحرير حين دخلها صلاح الدين، في حين انه احتلال جليٌ وواضح وصريح استهدف البشر والحجر وغيَر المعالم والمسميات، ولو أتى الأن جيش عربي اسلامي الى فلسطين وفعل ما فعله عمر وصلاح الدين لوجبت مقاومته بصفته احتلال فلا فرق بين احتلال وآخر سواء كان الاحتلال الاسرائيلي لارضنا أو الاحتلال الاسلامي للاندلس وغيرها من البلدان او الاحتلال العراقي للكويت قبل عقدين من السنين.

قبل نهر الدماء الذي يجري اليوم في القدس وحولها سال قبل عشر سنوات نهرا بداياته مشابهة لما يجري اليوم، حيث حدث ما أصبح يعرف لاحقا ب "انتفاضة الأقصى" كان من نتيجتها خمسة آلاف قتيل وخمسون ألف معاق وآلاف البيوت المهدمة وجدار عازل وعاد الطرفان بعد كل هذا الى طاولة المفاوضات ليناقشوا ذات النقاط وذات الاشكاليات.

من يتحمل مسؤولية كل تلك الدماء على الجانب الفلسطيني هو الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي أبى إلا أن يستمر بمنطق الثورة العصاباتي في ادارة شؤون سلطة من المفروض أن تكون مؤسساتية، فكانت انتفاضة الاقصى هي انتفاضة العصابات ضد الشعب الفلسطيني، فتعددت العصابات وتنوعت وتشكلت ومارست اقسى انواع القهر والبلطجة والتشبيح والتشليح تجاه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وصولا الى القدس، وحافظ عرفات عبر ذلك على رمزية ممهورة بدماء الأبرياء..ودمه أيضا.

حدث كل ذلك وما زال يحدث اليوم ودائما باسم القدس والمسجد الأقصى والهيكل السليماني وغير ذلك، وحتما لن تتوقف أنهار الدماء باسم القدس إلا حين تتم مراجعة جريئة للنص الديني وتفسيراته المتعلقة بهذا المكان، كما وان حلا ناتجا عن موازين قوى مختلة تماما لصالح طرف على حساب الطرف الآخر لن يدوم طويلا، لأن موازين القوى لن تبقى الى الأبد كما هي الأن.

ملاحظة جديرة بالذكر قبل الختام وهي اننا نسمع ان صراعا اسرائيليا يهوديا من جهة وعربيا اسلاميا من جهة أخرى على القدس وماحولها دون أن يأتي أحدهم على ذكر المسيحيين، وكأن يسوع لم يولد في هذه الأرض يوما..

لن يفيد الاسرائيلين الاصرار على ان تكون القدس عاصمتهم، كما انه لن يفيد ذلك الفلسطينيين أيضا، والخيارات متوفرة وعملية أكثر من القدس بكثير، فاسرائيل لديها عاصمة يعترف بها العالم أجمع تقريبا وهي تل أبيب فيها أغلب الدوائر الاقتصادية والسياسية وغيرها، كذلك فان الفلسطينيين لديهم الان جهاز حكومي متكامل موجود في مدينة رام الله التي لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة عن القدس في الأحوال الطبيعية وفي رام الله ما يشجع أكثر من القدس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة..ولتكن القدس مدينة مفتوحة بقسميها الغربي والشرقي لتكون مكانا يؤمه كل من يرى في هذه المدينة بانها تمثل شيئا هاما أو رمزيا أو مقدسا له، فالدماء التي أسيلت في هذه المدينة ولأجلها أكبر كثيرا من أن يحتكر طرفان فقط حق ملكيتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح المفاهيم
طاهر ( 2010 / 3 / 20 - 07:47 )
شكراً للأستاذة زينب على شجاعتها فى تصحيح المفاهيم التى قام شيوخ ومفكرى المسلمين بترسيخها زوراً فى التاريخ ووسائل التعليم ، لقد ذكرت عبارة الغزو الإسلامى وهو الوصف الحقيقى لما قام به المسلمون تجاه البلاد الآمنة . وللأسف حتى وقتنا هذا الكثير من المفكرين والكتاب يصرون على تسمية الغزو الإسلامى بعبارة الفتح الإسلامى وهو تزوير خطير لكل الجرائم التى أرتكبها المسلمون ونبيهم بأسم الإسلام وإله الإسلام الذى لا وجود له إلا فى عقول تابعى محمد وصحابته.
شكراً على مقالاتك التى تكشف الحقائق التى تحتاج من كل قارئ أن يفكر فيها بعمق ليكتشف هو نفسه حقائق أخرى يقوم الإعلام الإسلامى بتزويرها ليقنعوا البسطاء بسماحة وعدالة الدين التابعين له.
شكراً مرة أخرى على مقالك الجرئ وفى انتظار المزيد وبالتوفيق


2 - شكرا
عبد الآمر ( 2010 / 3 / 20 - 11:57 )
كل كلمة خطتها يد الأستاذة زينب تستحق الثناء لشجاعتها وصدقها


3 - تبا لكل من اساء لشعب فلسطين
ابو مودة ( 2010 / 3 / 21 - 13:31 )
الاخت العزيزة الست زينب
سلمت يداك يا ذي القلم الرائع والفكر الحر،
لقد كتبت ما يجيش بقلبي
وقلت الحقيقةالمرة
أنهم يكذبون وينافقون على حساب شعبنا البرئ من كل اعمالهم
الاتبا لهم ولكل من اساء لاهل فسطين
أشكرك ولك مني كل تقدير واحترام


4 - الاديان هي من اغتصب القدس
المترصد ( 2010 / 3 / 22 - 09:20 )
من وجهة نظر دينيه لا احد له الحق في القدس لان اليهود اغتصبوا الارض بامر الاههم يهوه الذي امرهم بقتل حتى اطفال ونساء الكنعانيين لينتزعوا منهم الارض المزعومه يعني الاساس باطل لان الارض ملك للكنعانيين والمسيح من بني اسرائيل قال انه جاء ليكمل ما بداه اليهود يعني الاساس باطل ايضا ثم جاء المسلمون وغزوا هذه الارض واحتلوها احتلال يعني الاساس ايضا باطل ليس من حق الديانات التي تصف نفسها بالسماويه ان تطالب او تدعي اي شيء في القدس لانهم اغتصبوها اغتصابا هذه الارض ملك الكنعانيين والاولى بها هم احفادهم القدس يجب ان تتحول الى متحف كبير لمغتصبيها هذه الاديان التي يدين بها اغلب سكان هذا الكوكب لا هي سماويه ولا يحزنون هي اديان بشريه لم تزرع الا الحقد والكراهيه بين الناس وكله باسم رب السماء الذي اخترعوه واسكنوه في مخيلتهم


5 - يجب فهم الاسلام قبل الإدلاء بأي رأي
وسام ( 2010 / 3 / 22 - 21:41 )
يبدو أن الكاتبة المحترمة ليس لديها الإحاطة الكاملة بالاسلام وأحقية المسلمين بهذه الأرض.فلو نظرنا نظرة سطحية الى بعض الاحاديث النبوية لعرفنا أن هذه الأرض خاصة وبلاد الشام بشكل عام هي أرض مسلمة, و أن اليهود هم المغتصبون لهذه الأرض.
من الطبيعي لدولة قديمة قدم التاريخ أن يمر عليها ما مر من استعمارات واحتلال و غزوات وو.. و لكن هذا لا يغير من حقيقة أصل هذه الأرض ولا يمكن لتاريخ مزور جاء به اليهود و بعض ضعاف النفوس من الموالين لهم أن ينكر أصحاب هذه الأرض.
و لكن,وقبل محاولة فهم ما سبق,يجب أن يكون هناك قناعة بصحة ما جاء به دين الاسلام,وهذه الصحة هي أمر بديهي ازا ما نظرنا إلى الحقائق العلمية التي تم و يتم اكتشافها يوما بعد يوم,والتي جاء بها الاسلام منذ أكثر من 1400 سنة.
فلا يمكن لدين و لنبي أن يفبرك في شأن هذه المنطقة و ما ستؤول إليه و هو الذي أخبرنا منذ ذلك الوقت بما سيتم حدوثه تفصيلا في زماننا هذا و نحن نرى بأم أعيننا يوما بعد يوم صدق ما جاء به من حقائق و أحداث الخ.
لذا, أرجو من الكاتبة و المعلقين الكرام إعادة الإطلاع الى ماجاء به هذا الدين قبل الحكم و القاء اللوم على من سبب إراقة الدماء

اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟