الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضرائب البيئية والتمييز العنصري الجديد بين الشعوب

دياري صالح مجيد

2010 / 3 / 20
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


في الوقت الذي بدأت تتزايد فيه حدة المخاوف العالمية من الترابط ما بين التلوث البيئي والعديد من الاخطار الصحية والاقتصادية المتعددة الجوانب خاصة منها ذات العلاقة بالاثار البيئية لاستهلاك الطاقة والنتائج البيئية السلبية للحروب , قامت دول العالم المتقدم باقتراح ضرائب بيئية يقوم في ظلها الملوث بدفع مثل هذه الضرائب عقوبة له على قيامه بفعل التلوث الذي يتخذ الصيغة العمدية , والتي يُراد منها العمل على الحد من التلوث واثاره المتنوعة .

هذه الفكرة الفضفاضة بدأت تُستغل بطريقة بشعة عبر فرضها من دول اقوى على دول اضعف سواء اكان منطلق نظرتنا للقوة او الضعف منبعثاً من مفاهيم القوة التقليدية ام من خلال ميزان العلاقات الاقليمية والدولية , ولنا هنا في فترة ما بعد 1990 خير دليل على ذلك في اطار العلاقات الكويتية العراقية حيث كان يتم اقتطاع ضرائب بيئية من العراق لصالح الشعب الكويتي بحجة ان النظام السابق قام متعمداً باحراق ابار النفط الكويتي , مما ادى , مضافاً الى اثار الحرب , الى العديد من الاصابات الصحية التي اثبتت الدلائل العلمية والتحليلات المختبرية انها جاءت بفعل الاعمال تلك . فكان حقاً على الاخوة الكويتين التمتع بمزايا الانتقام من ذلك النظام في ابسط معايير الانتقام عبر فرض مثل هذه الضرائب , التي لا يعني استمرارها الا انتقال مبدأ الانتقام من الحاكم الى المحكوم وشتان ما بين الاثنين يا اخوتنا الاعزاء .

بالمقابل افرزت احداث 11 ايلول في الولايات المتحدة الامريكية مظهراً اخر من مظاهر الضرائب البيئية التي دفعتها هذه المرة الادارة الامريكية ليس فقط الى المتضررين من تلك الهجمات , رغم انها لم تكن هي من قامت بها وانما كدلالة على تحمل مسؤولية ما تجاه الشعب الامريكي , وانما ايضاً الى العاملين الذين تم الاعتماد عليهم في رفع انقاض تلك البنايات الضخمة التي حُطمت في ذلك الحدث . فقد اكد اغلبهم بانهم تعرضوا لازمات صحية متنوعة ذات علاقة بتلك النشاطات الخاصة بازالة الاتربة والمخلفات الخاصة بالبنايات التي تعرضت لاعتداءات 11 ايلول وانها تطالب بضرورة ان تتحمل الجهات الرسمية في الادارة الامريكية مسؤوليتها الاخلاقية والقانوية في تعويض هؤلاء عن الاضرار التي لحقت بهم جراء ذلك النشاط .

قررت الحكومة الامريكية تخصيص مبلغ اكثر من 650 مليون دولار كتعويضات او ضرائب بيئية تقدم لعدد كبير ممن رفعوا دعاوى تطالب بمثل تلك التعويضات في الوقت الذي اشارت فيه بعض الصحف بان غالبية من اؤلئك الذين يدعون تعرضهم لمشاكل الجهاز التنفسي خاصة , غير راضين بعد عن هذا المبلغ الذي يعد مبلغاً ضئيلاً مقارنة بحجم الضرر الذي وقع عليهم , لذا رفع اغلبهم دعوى قضائية تطالب بزيادة تلك المخصصات المالية وربما يتضمن ذلك الامر العديد من المترتبات الصحية التي سيتوجب على الادارة الامريكية اخذها بنظر الاعتبار عند التعامل مع هذا الامر .

من المؤكد ان الادارة الامريكية اليوم تتمنى لو كانت طالبان المحسوبة على حكم افغانستان في ذلك الحين وذات العلاقة الوطيدة مع القاعدة , هي التي تبنت احداث ايلول 2001 , وربما مثل هذه الامنية كانت ستجد لها صدىً مهماً في اوساط الادارة الامريكية لو كانت افغانستان دولة نفطية او لديها موارد مهمة يُعتمد عليها في مجال اقتطاع الضرائب البيئية التي ستعمل الادارة الامريكية في مثل هذه الحالة على مضاعفتها لان المواطن لديها في بلدها مواطن درجة اولى مقارنة بمواطني بقية دول العالم , خاصة حين يتعلق الامر باسترداد حقه او ما وقع عليه من حيف , من جيوب وخزائن شعوب و دول العالم الاخرى .

لا يمكن لنا الا ان نهنيء الشعوب التي تملك هذه القيادات التي تمسح على جراحها وتقدم لها يد العون سواء اكان من خزائنها الخاصة هي ام من خزائن الاخرين الذين لا بد ان يخضعوا لمبدأ من يلوث عليه ان يدفع ضريبة التلوث الى الذين تضرروا بهذا التلوث خاصة اذا كان تلوثاً بفعل الحروب وما يُستخدم فيها من اسلحة محرمة دولياً وما يجري فيها من اعمال عسكرية تضر بالبيئة وقاطنيها معأ , لكن هل يسري هذا الترف في التعامل مع الانسان في كل ارجاء المعمورة ؟

ربما نظرة سريعة وفاحصة للواقع العراقي البائس بيئياً ستكشف لنا عن عمق التمييز الذي يُمارس ضد الشعب العراقي الذي لم يشهد مثله شعب اخر دمارأ وامراضاً وانتشاراً للسرطان بين كباره وصغاره , رجاله ونسائه , بمثل ما يشهده اليوم في حالة من تنامي انتشار هذه الامراض بشكل سريع جداً وبطريقة يُمارس فيها نوعاً من التظليل وفي كثير من الاحيان تعتيم اعلامي رسمي وغير رسمي يصل احياناً الى عدم وجود ارقام دقيقة تعكس حجم الاصابات السرطانية وعدد الوفيات الناجمة عن امراض ذات علاقة بالتلوث الذي انتشر كآفة تحصد ارواح العراقيين امام عجز واضح في المطالبة بتحمل الجناة المسؤولية المترتبة عليهم جراء هذا الفعل , فلم يخرج علينا الى اليوم اي برلماني او مسؤول في الدولة العراقية يقول لنا بحق العراقيين في المطالبة برفع دعاوى قضائية امام المحاكم العراقية او الامريكية ضد من استخدموا الاسلحة المحرمة دولياً في العراق او من زودوا بها بالامس النظام السابق الذي استخدمها في حروبه المتعددة ضد ابناء العراق ذاتهم وما حلبجة ومثيلاتها ببعيد عنا , ولم تتحمل القيادات الامريكية المسؤولية ازاء ابناء الشعب العراقي ولو بنصف ما تحملته من مسؤولية ازاء اصدقائنا من ابناء الشعب الامريكي , فاي تمييز هذا الذي يُمارس ضدنا واي استخفاف ذلك الذي نعامل به في اوطاننا , وكاننا الشعب الوحيد الذي كُتب عليه ان يدفع ضرائب متعددة , ليست بيئية فحسب , منذ يوم ولادتنا الاول حتى طردنا من هذه الحياة الى مثوانا الاخير . انه نوع من التمييز الذي لا يمكن ان يكون له مكان في حياة شعبنا لو كان فيه من القيادات التي تهتم بما يُعزز رغبة ابنائه في حياة حرة كريمة ومعافاة من امراض الحروب واثار التلوث التي ندفع ضريبتها المؤلمة في كل يوم , فضلاً عن ضرائب اخرى لا زالت تنتظر من يسدد فواتيرها من اجيالنا القادمة . فهل ستاتي يوماً في عراقنا العزيز دولة ما تنتصر للمواطن العراقي من كل هذه المظلوميات التي وقعت على عاتقه ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا