الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .

حامد حمودي عباس

2010 / 3 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الموضوع المطروح لإبداء الرأي من قبل الحوار المتمدن ، حول فشل اليسار في عالمنا العربي من أن يحقق نجاحا ملموسا في الانتخابات .. هذا الموضوع ، طالما تناولته الاقلام المتخصصة في عملية الاستقراء الواعية ، لطبيعة الحركة اليسارية العالمية عموما ، وفي بلادنا على وجه الخصوص .. ولم تلتبس على المفكرين السياسيين ، على حد علمي ، من خلال اغلب الدراسات المتعلقة بهذه الظاهرة ، تلك الاسباب المنطقية ، والتي كانت وراء حدوث انتكاسات متتاليه ، لمجمل المسارات اليسارية ، سواء على مستوى التنظيمات الحزبية ، أو الانظمة القائمة على أسس الفكر اليساري بشقيه ، المتطرف والمعتدل .

حيث بدأت تلك التداعيات المؤدية الى ترسيخ عناصر الضعف في القوى الداعية لبناء الحياة على أسس البناء الاشتراكي ، والاشتراكي العلمي على وجه التحديد ، من النقطة التي هوت عندها تجربة الاتحاد السوفيتي ، حين اهتزت أقوى حجة للمراهنة بوجه التيارات اليمينية والدينية المتحالفة معها ، تاركة روح اليأس تفعل فعلها في نفوس وعقول الملايين من المناضلين في سبيل نصرة هذا الفكر .. وما يدعيه البعض ، من ان تلك النكبة الكبرى ، والتي احدثها انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي برمته ، ما هي إلا نتيجة أخطاء في سياسة القائمين على إدارة البلاد السوفيتية من مسؤولين على مستوى الدولة والحزب فقط ، دون الدخول الى لب الفكر السياسي ذاته لمحاورته وايجاد الصيغ الجديدة الاكثر تجانسا مع مستجدات الحاضر ، ما يدعيه البعض في هذا الاتجاه ، هو أمر يجانب الصواب .. ومجانبة الصواب هذه سببها ذلك الشعور المشحون بالعاطفة المتأججه ، سيما لدا الشباب ممن كانوا وقودا لنار الدكتاتوريات الحاكمة في بلادنا ولزمن طويل ، جراء عدم اقتناعهم بضرورة المناورة السياسية والفكرية في ميدان النضال ، وعلى أسس يفرزها الواقع لا الخيال .

لقد مرت الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي ، بتجارب نضالية مريرة ، كان من المفروض ، أن تكسبها من خلال تمرسها بسبل الكفاح اليومي ، خبرة عريضة في مجال التصدي لكل مرحلة من مراحل التطور المجتمعي في بلدانها .. وكان لابد من أن تقرأ اللجان المركزية والمكاتب السياسية لتلك الاحزاب ، وقائع الوتيرة التي تسير عليها عملية الحراك السياسي والفكري ، وظواهر البناء الاقتصادي والتنموي وبشكل ينسجم وواقع البلدان التي تنتمي اليها ، حتى بمعزل عن تلك التجارب التي كانت تعتبر مثلا أعلى لها ، بحيث عندما انهارت تجارب الاخرين ، أصبحت هي في مأزق فكري وتنظيمي لا تحسد عليه .

ومن هنا ، فان القوى اليسارية بمجملها في الوطن العربي ، أضحت على مسافة تزداد في طولها ابتعادا بينها وبين حركة الجماهير ، تلك الحركة المتفاعله دوما ودون توقف مع الاحداث ، والتي لا تقبل وباي شكل من الاشكال ، الانتظار فقط ، عند مهام التنظير واقامة الاحتفالات الموسمية لاحياء الذاكرة لا غير .

لم يقتنع اليسار العربي ولحد الان ، بأن ثمة تغييرات جذرية حصلت في طبيعة النهج الفكري والنضالي على المستوى العالمي .. وحينما يصار الى الدعوة الى الالتصاق بجسد الجماهير مباشرة ، ورفع راية التعبير عن مصالحها الآنية ، وبشكل قوي ومباشر ، وترك الشعور بدفيء المقرات المزينة برموز عهود تخطتها التغييرات المستمرة ، والمبنية على ملامح من البناء الفكري التقليدي القديم ، حينما تجري الدعوة الى ذلك ، تحدث ردود الافعال المتشنجة ، واستنفار كافة مشاعر التنصل المؤسف عن شواخص فكرية مخلصة ، تريد لذلك اليسار ان ينتصر .

إن ظاهرة انحسار الرصيد الانتخابي لقوى اليسار في بلداننا ، ليست هي المعيار الوحيد لتبيان مدى القوة او الضعف في حضورها ضمن الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد .. وانما يحدده ذلك العزوف المتزايد لدا شرائح واسعة من ابناء المجتمعات العربية وغيرها من الاقليات المتعايشة معها ، عن الاستمرار في ركوب متن المخاطرة غير المنقطعة بالاموال والانفس ، من خلال الانتماء الى جبهة الفكر اليساري ، دون التيقن من أمر التأثير الفعال في الساحة لذلك الفكر، تلك الساحة التي دخلتها قوى لم يكن لها من قبل اسم ولا أثر، عدا عن أنها دخلت بثقلها الديني والمالي ، واستغلت يأس الجماهير من طول مدة انتظار ما يعدها به اليسار وعلى مدى عقود طويلة من الزمن .

ولو أخذنا ما جرى ويجري في العراق اليوم ، باعتباره قد مر بتجارب فريدة على مستوى الوطن العربي ، من حيث نوعية الانتخابات الحاصلة فيه ، فاننا يمكننا ان نتمثل خيبة الأمل ، والتي اصيبت بها جبهة الفكر اليساري ، وعلى مستوى محافظات العراق جميعا ، بحيث جاءت النتائج مرعبة وقد ارتدت في محصلتها بالنسبة للقوى اليسارية حتى عن تلك التي تمخضت عن الانتخابات السابقه .

فلماذا مثلا ، لا يتم التوجه الى تشخيص الحالة الحاضرة ، وبالتجرد عن ذلك الالتزام المميت بنهج معين من التفكير ، لوضع الامور المتعلقة بواقع اليسار في العراق ، وفق ما عكسته الانتخابات الاخيرة من نتائج ، ليصار الى اعتماد سبل جديدة تساهم في خلق واقع جديد ؟ .. أليس التمحور حول تحليل ثابت بعينه ، لتبرير الاخفاقات المستمرة في عملية الوصول الى مواقع متقدمه من قبل قوى اليسار في العراق ، سيؤدي بعد حين ، وبالضرورة ، الى تكرار وتعميق تلك الاخفاقات وبشكل يدعو للندم فيما بعد ، حين لا ينفع الندم ؟ ..

إن القوى الحقيقية في تمثيلها لجبهة اليسار في العراق ، وكساحة يمكن ان تؤخذ مثلا مناسبا ، لما هي عليه ذات القوى في بقية البلدان العربية ، مدعوة الان وبدون تأخير ، لاعتماد السبل الاستثنائية التالية ، لكي تستعيد عافيتها ، وتجدد حضورها في اذهان مناصريها ، ومن تمثلهم من الطبقات :

أولا – عليها ان تتداعى فورا لتوحيد صفوفها ، وتكوين نسيج متجانس تنظيميا ومن حيث الرؤى المستقبلية لمصير البلاد .
ثانيا – عليها ان لا تعزف عن عقد تحالفات مرحلية مع بقية القوى المتنفذة على الساحة السياسية ، كونها إن تكابرت عن عقد هكذا تحالفات ، فستبقى حتما في مؤخرة الركب كما هي عليه الان ، ولن تعكس تأثيراتها في مجمل حياة الناس ليشعروا بحضورها وفعالياتها .
ثالثا – عليها ان تدعوا كافة المفكرين والمثقفين لاستقراء الوضع التنظيمي والفكري ، ومحاورة اساليب التحرك الجماهيري ، وان تتقبل كافة الاراء المطروحة في هذا المضمار ، والتخلي عن روح الشعور بمقاومة كل نقد هدفه ترسيخ عملية التقدم وعلى أسس اكثر متانة وأجدى نفعا .

وإلا .. فستبقى الحالة كما هي .. عبارة عن سلسلة من الاخفاقات المتتاليه .. والمعمقة لروح اليأس وفقدان الثقة بالنفس ، لدا المناضلين المنتمين لجبهة اليسار ، وجماهير الشعب التواقة للخلاص على حد سواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الماركسي الشيوعي المسلم
Said ( 2010 / 3 / 21 - 18:01 )
ليس هنا لا يسار ولا عماني في العالم المعرب. هل اتاك حيث الوزير المغربي الماركسي من الحزب الشيوعي المغربي الذي حج الى مكة وحذر من انتقاد الاسلام


2 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2010 / 3 / 21 - 19:37 )
الأستاذ حامد - تقديري لجهودك وفي كافة المجالات - من وجهة نظر متواضعة أرى بأن اليسار في العالم العربي خصوصاً ليس لديه أي تأثير على الجماهير والأسباب عديدة - إنهيار الاتحاد السوفيتي مهما يبرره المدافعين عنه كان كارثة بمعنى الكلمة - التيار الديني له دور كبير في التأثير على قوى اليسار - التجارب في عالمنا العربي لم تكن ذات تأثير - نظرة المجتمعات لا زالت ترى بأن اليسار تيار إلحادي - الانتخابات في العراق وحسب معلوماتي فإن الحزب الشيوعي سوف لن يستطيع أن يحصل على مقعد واحد والسبب بسيط لأن الناخب يحتاج على أقل تقدير 31 ألف صوت بينما الحزب الشيوعي لم يستطع أن يحصل على هكذا رقم -مع العلم أن الحزب مُشارك ومنذ عام 2003 إلا أنه لم يستطع أن يكون ذا تأثير - الانتظار أنا أراه كارثياً وليكن في علمك فإن المسلمين أيضاً ينتظرون من يخلصهم بنزول أو بخروج المهدي المنتظر - أسف لكون تعليقي كان مُطولاً - تقديري لك


3 - من أجل فرز حقيقي
عبد القادر أنيس ( 2010 / 3 / 22 - 11:56 )
ماذا يعني اليسار اليوم في بلادنا؟ إذا كان اليسار منذ نشوئه حمل مفهوم التقدم فإن التقدم اليوم في بلداننا المتخلفة يجب أن يمر بعقلنة المجتمعات وعلمنة الدول عبر تقديم مشروع مجتمع حداثي قادر على إلحاق الهزيمة بقوى الرجعية الدينية ومخلفات الإقطاع والقبلية والطائفية العرقية والدينية. هذا المشروع لن يكتب له النجاح ما يلم تتوحد في صفوفه قوى العمل والإبداع والفكر والإنتاج، أي القوى العاملة الواعية المهيكلة في نقابات حقيقية وقوى الفكر التنويرية وقوى الإنتاج من رأسمالية منتجة في القطاعين العام والخاص بدون تمييز وبعيدا عن الشعارات الطبقية القديمة التي دفعت شرائح من اليسار إلى التحالف مع القوى الإسلامية، وإلحاق الضرر بقوى حداثية بين المثقفين اللبراليين والرأسماليين المنتجين.
محاولة حرق المراحل وسوق الناس نحو جنة الاشتراكية على ظهور جماهير غافلة تعشش في عقولها العنصرية والطائفية والتحجر الديني هي محاولة بائسة لا مستقبل لها.
لعلني لا أخطئ إذا قلت إن اللبرالية الديمقراطية أقرب الطرق لتحقيق النصر على قوى الماضي وقوى الاستبداد الحاضر وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية قبل التفكير في يمين ويسار.
تحياتي

اخر الافلام

.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا


.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا




.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ


.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا




.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا