الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو تعريف الحرية

محمد كامل عجلان

2010 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نحو تعريف الحرية :
إن أدق وأصعب ما يواجه الباحث فى مجال العلوم الإنسانية هو تحديد ماهية المصطلحات ، حيث أنه فى ظل هذا الإطار المفاهيمى ترتسم معالم الإطار الفكرى بعامة . فإذا كانت الدراسات الإنسانية من بين المعارف هى أصعبها تناولاً وامتناعاً على التحديد ، فإن مفهوم الحرية – دون إغراق فى التبسيط أو التسطيح – هو من أكثر إشكاليات العلوم الإنسانية التباساً وغموضاً ، بل وهروباً من الإطارات والتحديدات . إلا أن ذلك حافز للدخول فى معترك هذا اللبس والغموض ، ومحاولة فض بعض اشتباكاته وإيضاح بعض ملامحه .
1- مفهوم الحرية :
إذا كانت اللغة هى الوعاء الحاوى لثقافة كل مجتمع ، حيث أنها تستقى نسيجها الثقافى من ذلك المجتمع ، وهى وسيلة المجتمع فى التعبير عن مركبه الثقافى وأطروحاته الفكرية . فإنه انطلاقاً من هذه الأهمية البارزة لدور اللغة كحامل ثقافى سيعرض الباحث للجذر اللغوى لمفهوم الحرية Liberty ، حيث يقوم بطرح التناولات القاموسية أو المعجمية لتعريف الحرية ، ففى المعجم الفلسفى : " الحرّ : ضد العبد ، والحر : الكريم ، والخالص من الشوائب ، والحر من الأشياء أفضلها، ومن القول أو الفعل أحسنه . نقول حرَّ العبد حراراً خلص من الرق ، وحرَّ فلان حرية كان حر الأصل شريفه . فالحرية هى الخلوص من الشوائب ، أو الرق، أو اللؤم ، فإذا أُطلقت على الخلوص من الشوائب ، دلت على صفة مادية ، يُقال : ذهبٌ حر لا نحاس فيه ، وإذا أُطلقت على الخلوص من الرق ، دلت على صفة اجتماعية، يقال : رجل حر أى طليق من كل قيد سياسى أو اجتماعى ، وإذا أُطلقت على الخلوص من اللؤم ، دلت على صفة نفسية ، تقول ، رجل حر ، أى كريم لا نقيصة فيه .
وفى المعجم الفلسفى : " حرية : بوجه عام هى حال الكائن الحى الذى لا يخضع لقهر أو غلبة ، ويفعل طبقاً لطبيعته وإرادته , وتصدق على الكائنات الحية جميعها من نبات وحيوان وإنسان . والحرية السياسية والاجتماعية هى التى يستطيع فيها الفرد أن يفعل ما يريد فى حدود القانون ودون أن يسئ إلى غيره ، وأخص الحريات السياسية حرية الرأى والقول والعمل والاعتقاد . وهى مقيدة دائماً بنظام المجتمع وحقوق الآخرين ، وليس ثمة حرية مطلقة .
ويقول لالاند فى موسوعته عن المعنى السياسى والاجتماعى للحرية: " عندما يتعلق الأمر بهذه الحرية الخاصة ، أو بـ " الحريات " فى صيغة الجمع ، لا يكون هناك سوى تطبيق اجتماعى للمعنى السابق ، إنما تدل كلمتا حر أو حرية فقط ، على غياب إكراه اجتماعى مفروض على الفرد : بهذا المعنى ، يكون المرء حراً فى أن يفعل كل ما لا يمنعه القانون . حراً فى أن يرفض القيام بكل ما لا يأمره بفعله .
وانتقالاً من الدلالات اللغوية ، وبعض الدلالات الاصطلاحية لمفهوم الحرية ، نجد أن كلمة " حرية " تحتمل الكثير من المعانى ، بحيث قد يكون من المستحيل أن نقبل تعريفاً واحداً باعتباره تعريفا عاماً يصدق على سائر صور الحرية . ولكن الجامع بين معظم هذه التعريفات هو أنها تتأرجح بين تصورين : أحدهما ينظر إلى الحرية من حيث كونها انتفاءاً للقيود وذلك هو الشكل السلبى لها ، بينما ينظر إليها الآخر انطلاقاً من كونها قدرة إيجابية وهو الشكل الإيجابى للحرية .
وإن كان لهذا دلالة ، فإنما يدل على النسبية التاريخية لمفهوم الحرية ، والتى تعنى أن حرية الحاضر لم يتحدث عنها السلف ، وأن الماضى ليس هو المثل الأعلى المنشود ، فلكل عصر قيمه الحاكمة وأطره الفكرية السائدة ، وأن مشكلاته المطروحة أو المفروضة ثمرة حراك المجتمع ، ولا يتأتى حلها إلا فى إطار فهم جديد لمحتوى ونطاق الحرية ، إنها متغير تاريخى مع تغير الحضارات والمجتمعات . وحيث أن الإنسان والمجتمع منتجان تاريخيان ، فكذلك المفهوم ، فكل مفهوم هو نتاج ثقافة ، ويتعذر فهمه دون الإحاطة بعناصر ومكونات الثقافة التى أنتجته .
ونجد أن مفهوم الحرية ليس مقطوع الصلة بصورة الكون والحياة والوجود فى المجتمع ، وما تمليه هذه الصورة من إشكاليات وقضايا تطرحها على الباحث المتأمل . ففى الديمقراطيات اليونانية – مثلاً – لم تكن ثمة حدود أو قيود على سلطان الحكام أو الدولة State فيما يتعلق باحترام حريات الأفراد ، فلقد كان الفرد خاضعاً للدولة خضوعاً تاماً ، فلم تكن ثمة حرية للعقيدة ، فالفرد مُلْزَم باعتناق دين الدولة بشكل مطلق ، وكذلك الحرية الشخصية وغيرها . ورغم كل ذلك ، فقد كان هؤلاء الأقدمون يعتبرون أنفسهم أحراراً ، لقد فهموا الحرية على غير الوجه الذى تُفهم به الآن . كما أنه فى النظم القبلية وكذلك البطريركية ( الأبوية patriarchy ) لم يكن هناك حديث عن الحرية السياسية للفرد ، وانحصرت مشكلة الحرية فى موضوع "حرية الإرادة" Freedom will ، إرادة الفعل الإنسانى ومسئوليته إزاء القدر باعتبار هذا قضية لاهوتية Theological ، أى تتعلق بأصول العقيدة . وهنا يكون النظام السياسى صنو الدين ، ومسألة السلطة الدنيوية أو الحكم ليست قضية محل حوار عام ولا تعنى الكافة ؛ ذلك لأن صاحب السلطان - بحكم الإطار المعرفى القيمى الملائم لمستوى التطور الحضارى للمجتمع - إنسان مستخلَف فى الأرض . هذا السلطان راع لرعية فى إطار تبرير قدسى ، ولا يستمد مشروعية سلطانه من العامة ، حيث أن دورهم الرئيسى فى الحياة هو إنفاذ أوامره ، التى هى بدورها أمانة قدسية ، وأن حريتهم تتمثل فى الطاعة لولى الأمر والالتزام بالشعائر ، فهذا مناط الخلق وعلة الوجود .
ويتحرك ذلك الشكل فى إطار النظريات الثيوقراطية لتفسير نشأة الدولة ، وهى النظريات التى تجعل السلطة السياسية تقوم على أساس آخر غير إرادة الشعب ، فهى تجعل للسلطة أساساً إلهياً ، وتردها إلى إرادة الله . ويطلق البعض على هذه النظريات اسم " النظريات الدينية " إلا أن هذه التسمية قد لاقت انتقاداً شديداً من قبل البعض ، لأنها لا تعتبر الترجمة الدقيقة لكلمة Theocracy ولأنها استُخدمت لتبرير طغيان الحكام واستبدادهم ؛ ولذلك فإن هذه النظريات لا تستند إلى الدين ، بل هى فى الحقيقة ضد الدين .
وتتفق النظريات الثيوقراطية فى حقيقة واحدة ، وهى جعل السلطة شيئاً يسمو على سيطرة الإنسان ، وترى هذه النظريات أن القانون ليس سوى مجموعة من القواعد الإلهية التى منحها الإله أو الآلهة لمن يعيشون فى ظلها ؛ ولذلك فهى خليقة بأن تُطاع لأن مصدرها الوحى المقدس . والمثل الواضح على ذلك قوانين " موسى " ، وكذلك شريعة " حامورابى " التى أعطاها له إله الشمس مفصلة تفصيلاً كاملاً ، وطلب من الناس أن يطيعوها ؛ لأن غضب الإله سوف يحل بمن يخالفها .
وتنقسم النظريات الثيوقراطية التى قيل بها فى تفسير سلطة الدولة على ثلاث نظريات هى : الطبيعة الإلهية للحكام ، ثم نظرية الحق الإلهى المباشر ، ثم نظرية الحق الإلهى غير المباشر .
1- الطبيعة الإلهية للحكام : وهذه النظرية تخلع على الحكام صفة الألوهية ، فالحاكم ليس من طبيعة البشر ، وإنما هو من طبيعة إلهية ؛ ولذلك فقد اعْتُبِر إلهاً على الأرض . فلم يكن مختاراً من الله ، بل كان هو الإله ذاته ، وكانت هذه هى السمة الغالبة على التاريخ القديم كله ، فلقد اتخذت السلطة السياسية فى عهد الفراعنة مظهراً دينياً واضحاً ، لدرجة إطلاق لقب الإله على فرعون . ولم يكن الأمر قاصراً على مصر وحدها ، فلقد كان الاعتقاد السائد فى الهند مؤداه أن القوى الإلهية هى أساس كل قانون ، وبالتالى هى المصدر الأول لكل تنظيم سياسى واجتماعى .
وإذا كانت هذه النظرية قد سادت فى الأزمنة الغابرة ، والإمبراطوريات القديمة ؛ فإنه من العجيب أن شعب اليابان استمر معتقداً فى الطبيعة الإلهية لأباطرته حتى حاقت به الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية ، فانتهت بذلك النظرة المقدسة إلى هؤلاء الأباطرة .
2- نظرية الحق الإلهى المباشر : وترى هذه النظرية أن الحاكم وإن كان من البشر وليس من طبيعة إلهية ، إلا أن الله قد اختاره ليمارس باسمه السلطة على الأرض ، ويذهب أنصار هذه النظرية إلى أن قوة عليا – قوة الله – هى التى أوجدت القوة السياسية ، وهى التى عينت الشخص – أو الأشخاص أو الأسرة – الذى يكون له حق الحكم السياسى فى الدولة ؛ وعلى ذلك فسلطة الملوك مستمدة من الله تعالى ، حيث اصطفاهم وأيدهم بقوته ليراعوا مصالح الأفراد الذين يجب عليهم الطاعة . وقد نجد أن لهذه النظرية جذوراً فى الفكر القديم ، ففى الصين كان التنظيم يقوم على أساس أن الإمبراطور يستمد سلطته من السماء ، فهو يحكم وفقاً للحق الإلهى الذى يخوله سلطة مطلقة . وتطورت هذه النظرية فى إنجلترا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ، وأخذت شكل الحق المقدس للملوك ، وكانت النظرية تقول أن الله أنشأ السلطة منذ خلق الإنسان على الأرض . كما كان عصر تلك النظرية الذهبى فى فرنسا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ، حيث ساد المثل القائل أن ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه .
3- نظرية الحق الإلهى غير المباشر : وتعتبر هذه النظرية أن الحاكم مختار بشكل غير مباشر من قبل الله ، حيث أن الله يعد الحوادث ويوجه إرادات الأفراد نحو ذلك الاختيار بالذات .
وبالرغم من أن هذه النظرية أكثر تقدماً ، إذ تقوم على أساس ديمقراطى يتمثل فى اختيار الشعب للحاكم بنفسه ، إلا أنها تجعله ( أى الشعب ) مسيراً لا مخيراً فى هذا الاختيار ، كما أنها قد تؤدى إلى استبداد الحاكم وطغيانه ، اعتقاداً منه فى تدخل الإرادة الإلهية فى اختياره . كما أن هذه النظرية لا تختلف عن نظرية الحق الإلهى المباشر إلا فى الشكل فقط ؛ إذ أنها تجعل أوامر الحكام ملزمة لا يجوز الخروج عليها ؛ لأن عصيانها هو عصيان لله الذى يملك وحده حسابهم .
وانطلاقاً من العرض السابق للنظريات الثيوقراطية التى تفسر نشأة سلطة الدولة ، نجد أن اقتران طاعة ولى الأمر بالولاء للعقيدة يعنى أولوية الروحى على الزمنى ، كما أن المجتمع حسب هذا الفهم ليس نتاج إرادة بشرية ، بل هو انعكاس لإرادة خارقة تعلو – إن لم تُعطل – إرادة البشر ، أو أى إرادة مشروعة فى حدود تعبيرها الصادق عن تلك الإرادة الخارقة . فالحرية حسب هذا الإطار هى فضيلة باطنية ، ومسئولية ضميرية ، وسيلتها ليس التحرر من عوائق دنيوية تحقيقاً لأهداف حياتية ؛ بل وسيلتها التحرر من الشهوات ، والتطهر النفسى ، والتسامى الروحى ، ومن ثم تركز على الأمور النفسية ، ويرى المرء المعاناة الدنيوية من قهر واستبداد ومجاعات نوعاً من الابتلاء ، علتها خارج الوجود ، وأمور الدنيا موكولة لولى الأمر .
ويبدو أنه قلما وُجدت أية مناقشة للحرية الفردية كهدف سياسى مقصود فى العالم القديم ، ولقد لاحظ كوندرسيه بالفعل أن فكرة الحقوق الفردية غائبة من المفاهيم القانونية عند اليونانيين والرومانيين ، وكذلك عند اليهود والصينيين وكل الحضارات القديمة عند ظهورها . فلقد كان لكلمة فرد Individual فى العصور الوسطى معنى يختلف اختلافاً شديداً عن معناها الراهن . فكلمة فرد فى الوقت الحالى تحمل دلالات مختلفة ، حيث تعنى أنه مختلف أو غير عادى أو منفصل عن البقية ، أى أننا نسلم بخصوصيته . أما فى العصور الوسطى فكان " الفرد " يعنى " اللصيق " أو " من لا يمكن فصله عن غيره " وهو معنى يختلف تماماً عما نعنيه اليوم . فالفرد فى العصور الوسطى هو شخص يُعد ممثلاً نمطياً لجماعته ، يستحيل فصله عنها . لقد كان الفرد هو خير مثال للطبقة أو الأسرة أو الأمة أو الجماعة العامة التى يجرى وصفها .
إلا أن مفهوم الحرية قد تضمن فى العصر الحديث مضامين اجتماعية وفردية لم يُسبق إليها ، أول تلك المضامين أن أصبح لكلمة الفرد، مدلول جديد أهم سماته التمايز والتميز ، فبعد أن كان الفرد عنصراً أو مكوناً عددياً اجتماعياً ، وبعد أن كانت هويته تنبع من حسبه ونسبه أو قبيلته أو عقيدته أو تبعيته كواحد من الرعايا Subjects ... الخ ، أصبحت بعد سيادة مفهوم الحرية الفردية ، تنبع من ذاتيته ، وامتيازه الفردى كمواطن Citizen ، أى كانت هويته قديماً مستمدة من الخارج ، فأصبحت تُستمد من إمكاناته الذاتية الفاعلة وإبداعاته الشخصية . وأصبح للأفراد حقوق لاصقة بهم وُلدت معهم ، ولا يمكن للدولة أن تمسها، أى أن للإنسان حقوقاً طبيعية كسبها لمجرد كونه إنساناً ، نشأت معه منذ نشأ ، ثم ظل محتفظاً بها فى المجتمع ؛ لذلك فهى تُعد سابقة على نشأة الدولة ، بل وتُعتبر الغاية من قيام الدولة هى حماية تلك الحريات أو الحقوق الفردية .
2- الحرية بين السلب والإيجاب :
انطلاقاً من النسبية التاريخية للمفهوم والظروف المجتمعية التى تبلور فى إطارها فى العصر الحديث ، وعلى الرغم من اتفاق الليبراليين على قيمة الحرية ، إلا أنهم يختلفون فى دلالات تلك الحرية فى وعى الفرد . فنجد أن ثمة طرحين لمفهوم الحرية وهما الحرية السلبية والحرية الإيجابية ، فالحرية السلبيةNegative Liberty تعنى انعدام القسر أو الإكراه ، أو انعدام القيود ، بمعنى غياب القيود الخارجية على ما يرغب الإنسان فى أن يفعله ، كما يضيف البعض فكرة أخرى فى تعريف الحرية وهى عدم وجود تهديد خارجى للفرد يمنعه من القيام بعمل معين يريد أن يفعله ، أو لمنعه من التصرف كما يريد . ويُفهم من هذا أن للفرد القدرة على اختيار طريقه الخاص فى الحياة ، دون التعرض لقيود مجحفة مفروضة من الخارج ، ويعنى ذلك أنها حرية من Freedom from ، فأن أكون حراً بالمعنى السلبى للحرية هو ذلك المدى الذى لا يتدخل فيه أى كائن بشرى فى نشاطى ، أو هو تلك المساحة التى يستطيع فيها المرء أن يتصرف دون اعتراض من الآخرين .
أما الحرية الإيجابية Positive Liberty فتتمثل فى الاستقلال الذاتى أو السيادة الذاتية ، فوفقا لتعريف ايزايا برلين Isaiah Berlin فإنه مشتق من رغبة الفرد فى أن يكون سيد نفسه . فأنا أرغب فى الاعتماد على نفسى فى الحياة وفى اتخاذ القرارات وليس على قوى خارجية من أى نوع كانت ، أرغب فى أن أكون الفاعل لا من يقع عليه تأثير الفعل ، أن أسير بموجب غايات وأهداف شخصية واعية ، لا أن أتحرك بموجب غايات تُفرض عليَّ فالسيادة على الذات وفق الطرح الإيجابى للحرية يتطلب أن يكون الفرد قادراً على تنمية مهاراته ومواهبه وعلى اتساع فهمه والوصول إلى الإنجاز والرضا . فهو يعنى حرية فى Freedom for بمعنى أنه بعد أن كانت الحرية حرية من الجهل والمرض وعدم الأمان ، صارت حرية فى المعرفة والصحة والضمان والأمن ، وهذا النوع من الحرية الموجَهة هو الذى يميز الليبرالية الحديثة عن الليبرالية القديمة ، وهو يقضى بتدخل السلطة الحاكمة تدخلاً إيجابياً لتوجيه الفرد لمصلحته توجيهاً علمياً .
إذا كانت الحرية الإيجابية تُعوِّل على ما يُسمى " السيادة الذاتية " بمعنى أن أكون سيد نفسى ولست عبداً لأحد ، لكن أليس من الممكن أن تكمن تلك العبودية فى الطبيعة أو فى نوازعى الداخلية . وفى محاولة الإنسان التحرر من الاستعباد الروحى أو الطبيعى اكتشف أن بداخله جانباً مسيطراً سامياً Transcendental ، وآخر لابد من كبحه والسيطرة عليه . وتشبه تلك الذات المسيطرة من جوانب شتى المنطق و" الذات الرفيعة " للإنسان ، وهى الذات التى تمحص وتقدر وتفكر فى النتائج وتهدف إلى تحقيق ما يلائمها ويرضيها فى المدى البعيد مع الذات " الحقيقية ، أو " المثالية " أو "المستقلة" وهى الذات بكل أوجهها التى تختلف مع النزوات اللاعقلانية والرغبات الجامحة ، وكذلك مع الذات السفلى التى تخضع للنزوات والعواطف ، والتى تحتاج إلى تهذيب صارم وقاس إذا ما أُريد لها الارتقاء إلى مستوى طبيعتها " الحقيقية " .
ويمكن تقديم هاتين الذاتين على أنهما منفصلتان : الذات الحقيقية هى أكبر وأوسع من الفرد نفسه ، فهى كل اجتماعى يكون الفرد فيه عنصراً أو مظهراً أو وجهاً من أوجهه ، قبيلة أو سلالة أو جنساً أو عرقاً ، كنيسة أو دولة أو المجتمع الكبير للكائنات الحية والميتة والتى لم تولد بعد . إن هذا الكيان هو الذات الحقيقية التى تستطيع أن تحقق الحرية لنفسها ولهذه العناصر كلها ، إذا ما استطاعت أن تفرض إرادتها الجماعية أو العضوية على العناصر المتمردة .
فمن الممكن تبرير الضغط على الفرد وإجباره على القيام بعمل ما من أجل تحقيق أهداف معينة ( كالعدالة والصحة العامة ) ، وهذا ما يستطيع الأفراد القيام به من غير إجبار أو إكراه إذا كانوا على درجة من الثقافة والعلم ، لكنهم لا يفعلون ذلك بسبب جهلهم أو انحرافهم أو إصابتهم بعمى فكرى .
ويقول ايزايا برلين : " ومن هذا المنطلق أبدأ ( كقائم على الأمر حاكم أو مصلح اجتماعى ) بإهمال الرغبات الحقيقية للأفراد والمجتمعات وأضطهدهم وأعذبهم باسم ذواتهم " الحقيقية " أو بالنيابة عنها ، وذلك بحكم معرفتى الأكيدة بأن أى هدف حقيقى للفرد ( كالسعادة وأداء الواجب والحكمة والمجتمع العادل وتحقيق الرغبات ) يجب أن ينسجم مع حريته ، أى أن يتوفر له الاختيار الحر للذات الحقيقية على الرغم من كونها خرساء وغامضة .
ويرى لاسكى أن هذه النظرة تُنَاقِض كل الحقائق المعروفة عن الخبرة ، فهى لا تتضمن وقف مفعول الإرادة فحسب ، لكنها تتضمن رفضاً لما يقال عنه " الطابع الفريد لكل شخصية " ، بمعنى أن كل فرد منا يختلف عن الآخرين ، أى أن هناك اختلافاً فى الخبرة الإنسانية .
وتقوم الحرية الحقة على أساس دحض تلك الفروض المثالية ؛ لأن الذات الحقيقية لا تُعتبر نظاماً مختاراً لأهداف معقولة متشابهة مع تلك الأهداف التى يسعى كل فرد فى المجتمع إلى تحقيقها . فإذا كانت الخبرة تتيح لنا أهدافاً مشتركة من الرغبة ، بيد أن تلك الإرادة التى تحدد هذه الأهداف المشتركة هى إرادة مختلفة ، وليست مجرد استعارة بحتة ، فإرادة الجميع هى سلام دولى ، إلا أن هذه الوحدة فى الهدف ليست فى الإرادة ، ولكن فى نماذج الإرادات المختلفة لتحقيق هدف مشترك .
ويبدو من خلال هذا الطرح الإيجابى للحرية أن ثمة مخاطرة فى استخدامه ، حيث من الممكن أن يكون مرتكَزاً لذوى الميول الاستبدادية من الحكام تحت دعوى توجيه رعاياهم إلى ما لا يقدرون على إدراك كنهه ، كما عبر عنها روسو بقوله إجبار الأفراد على أن يكونوا أحراراً ، بكل ما تُعَبَّأ به هذه الكلمات من التباس وغموض . وإن كان ذلك النقد لا يعنى طرح ذلك المفهوم الإيجابى جانباً ، لكنه يحتاج إلى مناخ عام من الوعى ، مدعوم بإطار مؤسسى يمارس دوراً رقابياً ، يمكن من خلاله المراجعة الدائمة لكل نظرية مطروحة فى ذلك الإطار التوجيهى .
وهذان المعنيان لمفهوم الحرية ( السلبى والإيجابى ) يعبران عن حالتى استجابة لمفهوم واحد لا مفهومين متمايزين ، تتمثل تلك الاستجابة فى علاقة جدلية أو أدوار تبادلية لهذين المعنيين . ولا يتمثل مثير تلك الاستجابة أو دافعها فى عامل واحد ، بل فى عوامل عدة ومتغايرة بتغاير الزمان والمكان ، فقد تكون تلك العوامل متغيرات مجتمعية أو طبقية ، أو إبداعات فكرية وثقافية ، أو ضرورات أيديولوجية تؤكد النسبية التاريخية للمفهوم وقابليته للاستجابة .
وتأكيداً لتلك الحالة الاستجابية للظروف المحيطة نجد أن النظرة الآلية للحركة فى القرن السابع عشر قد مهدت الطريق لتصور آلى للحرية فى صورتها السلبية ، فلقد فتح " هوبز " الباب على مصراعيه للقول بأن الحركات الطبيعية حركات آلية ؛ وذلك من منطلق إعجابه وتأثره بفكرة العالم الإيطالى " جاليليو " عن المادة المتحركة ، فقسم الحركة إلى قسمين : قسم خارجى ، ويتمثل فى احتفاظ الجسم بحالته من الحركة أو السكون ما لم يُغير تلك الحالة مثير خارجى ، أما القسم الداخلى للحركة ، فهو الحركة الحادثة بداخل الكائن الحى الذى يخضع للحركتين معاً بوصفه جسماً تنطبق عليه شروط الحركة الطبيعية التى يغيرها من حالة لأخرى وجود عائق خارجى ، أما الحركة الداخلية فتشمل العمليات البيولوجية ، كما تشمل الفعل الإنسانى أو الحركة الإرادية القائمة على الانفعال الإنسانى والدوافع الإنسانية . ومن خلال مفهومه عن الحركة بالمعنى الإنسانى يطرح تصوره للحرية ، حيث اعتبرها غياب المعوقات الخارجية للحركة .
يقول هارولد لاسكى Harold Laski (1893 – 1950) : " إن النغمة المنتصرة للوك " فى الرسالتين " والفهم الفياض فى " خطاب عن التسامح " يجعلانه نبياً موفقاً لعقيدة جديدة أكثر مما يجعلانه أى شئ آخر ، والتيارات الفكرية ذاتها التى كونته لها دلالتها . فهو صديق سيدنهام وبويل ونيوتن ، والمُنَظِم للإمبراطورية التجارية ، والرجل الذى جرَّب النفى ومصادرة أملاكه من جرَّاء معتقداته ، إنه يلخص فى نفسه ثمرة عصر " . " لقد كان جيله فى حاجة إلى أن يُقال له إن الطبيعة تبرر حاجاتهم الاجتماعية ، فأمدهم بذلك التبرير ، لقد أعطاهم نوعاً من النظام تسمح حدوده بالحريات التى هم فى حاجة إليها ، لقد أعطاهم نظرية للتسامح تمكنهم من استبعاد من يريدون استبعاده بالضبط من التمتع بفوائدها ، لقد أعطاهم نظرية للملكية جعلت أصحابها جديرين بالحماية بسبب المجهود الذى يتضمنه تجميعها ، والصالح الاجتماعى الذى يمثله هذا المجهود . إنه وفَّق بين السلطة والحرية بطريقة تعطى للطبقة المتوسطة الناشئة كل الأفكار التى تنشدها " . فلقد كان فكر لوك ترجمة أمينة لظروف عصره وحاجاته .
وانطلاقاً مما سبق نجد أن كلاً من هوبز ولوك قد سارا فى إطار الحرية السلبية حيث كثرة القيود فى عصرهما ، مما يستتبع بالضرورة أن تنصرف جهودهما نحو التخلص من تلك القيود كى يؤصلا لوضع خالٍ من القيود على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والدينية .
لكن بعد انتصار الليبرالية ورسوخ مفهوم الحرية الفردية فى الأذهان والمؤسسات ، فإن ليبرالية القرن التاسع عشر حاولت أن تعلن عن نفسها بوصفها فلسفة اجتماعية لا مجرد أيديولوجيا للطبقة الوسطى . وهذا ما حاوله " جون ستيوارت مل " ، حيث كانت الرؤية الاجتماعية هى السبيل لتصحيح المسار الليبرالى مع محاولة الاحتفاظ بالحرية الفردية فى سياق اجتماعى ، فالمطلب الليبرالى بالنسبة للحرية والمفهوم الليبرالى لها ، كان لهما نتائج إيجابية وأخرى سلبية . فمن ناحية ، تم طرح نمط جديد من المجتمع والدولة ، يشجع كل منهما الاستقلال الذاتى والمطالب الفردية . ومن ناحية أخرى ، ربما كان الليبراليون الأوائل واعين بدرجة كافية بأن حق الحرية ما لم يتم مراجعته عن طريق القدر الأعظم من نبالة الغرض ، فإنهم يمنحون حقاً مطلقاً قاسياً وبغير حدود لتراكم الثروة المادية . ولذا وعى الليبراليون ( الإيجابيون ) فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين النتائج التاريخية لمبدأ الاتفاق الحر المتبادل فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وسرعة الاستجابة للحجة الاشتراكية القائلة بأن الحرية الاقتصادية عنت غالباً انعدام العدالة الاجتماعية . فلقد كان لظهور أزمات الليبرالية ، وإبراز الاشتراكية لعيوبها بشكل واضح – بل ومبالغ فيه أحياناً – كان له الدور الأكبر فى اعتناق البعض للتصور الإيجابى للحرية والتحول إلى الليبرالية الموجهة أو الاجتماعية المتمثلة فى دولة الرفاه Welfare State أو الرعاية الاجتماعية المؤيدة للتدخل فى الشئون الاقتصادية .
فإنه إبان حدوث أزمة الكساد الكبير قبيل منتصف القرن العشرين ، الذى تعرض له النظام الرأسمالى فى مختلف أنحاء العالم ، فحطم أوهام الفكر الكلاسيكى الذى كان يستبعد إمكانية حدوث الأزمات فى النظام الرأسمالى ، ويدعى عدم وجود تعارض بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة . فإنه أدى إلى ضرورة تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى تدخلاً إيجابياً ؛ لتوجيه الفرد لمصلحته توجيهاً علمياً ، من أجل التوفيق بين ذاتية الفرد وعمومية المجموع ، وكان هذا التدخل من جانب الدولة هو ما أُطلق عليه اسم الليبرالية الموجهة أو المنظمة أو التدخلية .
ولقد أرسى دعائم تلك الليبرالية الموجهة جون ماينور كينز John Maynard Keynes ، فلقد كانت كارثة الكساد الكبير هى التربة التى أنبتت " النظرية العامة " لكينز . وقد أثبت كينز أن الرأسمالية قد فقدت قدرتها التلقائية على التوازن ، وأصبحت معرضة لأزمات دورية ، بسبب الاحتمالات القوية لعدم تناسب قوى الطلب مع قوى العرض ؛ ولأن الرأسمالية عجزت عن أن تولد من ذاتها وبطريقة تلقائية سبل تجنب هذه الأزمات . ولذلك فقد نادى كينز بضرورة تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى ؛ باعتبارها المعامل الموازن أو التعويضى لتقلبات هذا النشاط ، واقترح جملة من السياسات النقدية والمالية والاجتماعية التى من شأنها الحيلولة دون حدوث الكساد والتضخم . وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت " الوصفة الكينزية " هى الأساس الذى بنيت عليه السياسات الاقتصادية فى دول الغرب الرأسمالى .
ولم يكن ذلك سرداً لرؤى البعض عن الحرية وتأرجحها بين السلب والإيجاب ، وإنما هو تأكيد للنسبية التاريخية لذلك المفهوم ، ولديناميته واستجابته للمتغيرات الثقافية التى ينشأ فى كنفها . فجدل السلب والإيجاب فى مفهوم الحرية هو خير دليل على أن ذلك المفهوم ليس جامداً وصلباً تجاه المتغيرات ، بل هو مفهوم استجابى قابل للتغير والتشكل ، تؤثر فيه صيرورة المجتمع ويؤثر فيها .
المراجع :
- جميل صليبا : المعجم الفلسفى ، جـ1 ( بيروت : دار الكتاب اللبنانى ، 1982 ) .
- مجمع اللغة العربية : المعجم الفلسفى ( القاهرة : الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، 1983 ) .
- موسوعة لالاند الفلسفية ، تعريب خليل أحمد خليل ، المجلد الأول ، ط2 ( بيروت : منشورات عويدات ، 2001 ) .
- شوقى جلال : العقل الأمريكى يفكر ، من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات ( القاهرة : دار سينا للنشر، د . ت ) .
- هارولد لاسكى : مدخل إلى علم السياسة ، ترجمة عز الدين محمد حسين ( القاهرة : مؤسسة سجل العرب ، 1965 ) .
- عبد الغنى بسيونى عبد الله : النظم السياسية ( بيروت : الدار الجامعية ، 1985 ) .
- عبد الحميد متولى : الوسيط فى القانون الدستورى ( الإسكندرية : منشأة المعارف ، 1956 ) .
- كافين رايلى : الغرب والعالم ، تاريخ الحضارة من خلال موضوعات ، ترجمة عبدالوهاب المسيرى وهدى عبدالسميع حجازى ، القسم الثانى ( الكويت : سلسلة عالم المعرفة ، عدد يناير 1986 ) .
- محمد طه بدوى وليلى أمين مرسى : المدخل إلى العلوم السياسية ( مذكرات غير منشورة ، كلية التجارة ، جامعة الإسكندرية ، 1993 ) ص : 44 – 47 .
- جورج بوردو : الدولة ، ترجمة سليم حداد ( بيروت : المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، 1985 ) .
- هارولد لاسكى : الحريات فى الدولة الحديثة (دون ذكر لمكان أو تاريخ النشر) .
- ايزايا برلين : حدود الحرية ، ترجمة جمانا طالب ، ط1 ( بيروت : دار الساقى ، 1992 ) .
- أميرة حلمى مطر : الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس ، ط4 ( القاهرة : دار المعارف ، 1987 ) .
- ياسر قنصوة : الليبرالية ، إشكالية مفهوم ( القاهرة : دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ، 2004 ) .
- إمام عبدالفتاح إمام : توماس هوبز فيلسوف العقلانية ( القاهرة : دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1985 ) .
- هارولد لاسكى : نشأة التحررية الأوربية ، ترجمة عبد الرحمن صدقى ( القاهرة : مكتبة مصر : د . ت ) .
- رمزى زكى : الليبرالية المتوحشة ، ملاحظات حول التوجهات الجديدة للرأسمالية المعاصرة ( القاهرة : دار المستقبل العربى ، 1993 ) .
- محمود متولى : المذاهب الاجتماعية والاقتصادية ( القاهرة : الدار القومية للطباعة والنشر ، د . ت ) .
- صوفى أبو طالب : الاشتراكية الديمقراطية ( القاهرة : دار المعارف ، 1978 ) .
- Bluhm . William . T : Theories of Political System ( London : Prentice-international, 1978 )
- Day . J . P : " Individual Liberty " in A . Phillips Griffiths, ed , Of Liberty (Cambridge : Cambridge University Press, 1983 ) .
- Long .D . G : Bentham on Liberty ( Toronto : University Press ) .
- Pennock . Roland : Democratic Political Theory ( Princeton : Princeton University Press , 1979.
- Berlin . Isaiah: " Two Concepts of Liberty " in , Anthony Quinton , ed , Political Philosophy ( London : Oxford University press, 1968 ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جوهر الحرية
فؤاد النمري ( 2010 / 3 / 22 - 22:39 )
أخي محمد كامل عجلان
لأنني أقدر جهودك في البحث عن معنى الحرية وجوهرها أرجو أن تسمح لي بالمداخلة في الموضوع وهو الأثير لدي
معنى الحرية وجوهرها هو أن تنتفي الحرية انتفاءً مطلقاً فلا تعود تذكر إذ مع كل ذكر لها تستحضر القوانين المقيدة لمصفوفة أخرى من الحريات
الحرية مقترنة بالإنسان فقط والإنسان يطمح دائماً في أن لا يعيقه عائق على طريق الأنسنه أو رحلة التغريب كما وصفها ماركس
ولما كانت الأنسنة ومنذ البدء لا تتحقق إلا بالإنتاج فالحرية المطلقة تتحقق فقط بإزالة كل العوائق التي تعيق الإنسان عن الوصول السهل للتعامل مع أدوات الإنتاج حين تتحقق إنسانيته بصورتها الفضلى وتنتفي إذّاك الحرية انتفاءً نهائياً ومطلقاً
أرجو أن أكون قد أفلحت في شرح ما أردت أن أقوله في معنى الحرية

اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟