الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل هذا العبث.. من أجل انتخاب -نصف رئيس-؟!

سعد هجرس

2010 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


فى مشارق الدنيا ومغاربها تكون الانتخابات "عيدا" لا يقل بهجة عن عيد الفطر وعيد الأضحى المبارك وعيد القيامة المجيد والمولد النبوي الشريف والكريسماس وشم النسيم، لأن الأمم تعيد فى يوم الانتخابات اكتشاف نفسها وتعبر عن إرادتها بحرية.
إلا نحن.. حيث تكون الانتخابات لدينا مناسبة إضافية لـ "النكد الوطنى" وتقطيع الهدوم والتلاسن والعنف اللفظى والجسدى والضرب تحت الحزام وشراء الذمم والضمائر والأصوات، وغير ذلك من صور الانحطاط السياسي والأخلاقي الملازم لتزوير إرادة الأمة.
وليست هذه عادة مصرية فقط، وإنما هى عربية أيضا.. وبامتياز.
وأحد الأمثلة على ذلك ما يجرى فى السودان الشقيق الذى يقف على أعتاب انتخابات مهمة جدا لن تسفر فقط عن "تسمية" رئيس البلاد، وإنما ستسفر – على الأرجح- عن تحرير وثيقة الطلاق البائن بين الشمال والجنوب، وبالتالى فإن الرئيس القادم سيكون – وفق اغلب الاحتمالات والتقديرات- مجرد "نصف رئيس".
فقد شاءت الظروف أن أقوم بزيارة خاطفة للسودان الأسبوع الماضى، ضمن الوفد الذى رأسه الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، للمشاركة فى المؤتمر العربى للاستثمار والتنمية فى جنوب السودان الذى عقد فى "مدينة" جوبا عاصمة الجنوب المحروم من كل شىء عبر سنوات وعقود، حتى إنك تتخيل أن "آلة الزمن" عادت بك فى هذا المكان التعيس إلى القرون الوسطى!
المهم.. انه فى الطريق إلى "جوبا" لم يكن هناك مفر من المرور بالخرطوم وعقد "اجتماع تنسيقي" بين المشاركين فى هذا المؤتمر قبل ركوب الطائرة فى الصباح الباكر صوب الجنوب (لأن مطار جوبا لا يعمل إلا فى ساعات النهار فقط لافتقاره للإضاءة وأجهزة الملاحة والتوجيه الليلية، وبالتالي فإن تسميته بالمطار مجرد تسمية مجازية!).
وأثناء هذا المرور العابر بالعاصمة – التى شيدها محمد على- كانت اللافتات على جانبى الطريق من مطار الخرطوم حتى الفندق دعاية انتخابية للرئيس عمر البشير الذى رشح نفسه.. "تانى!" إن الاستمرار فى الجلوس على مقعد الرئاسة رغم أن أكبر "إنجازاته" سيكون على الأرجح تقطيع أوصال البلاد!
ورغم أن هناك مرشحين كثيرين غير البشير، وصل عددهم إلى 13 مرشحا، منهم شخصيات مرموقة ولهم سجل حافل فى التاريخ المعاصر للسودان، وليسوا على الأقل مطلوبين من قبل محكمة دولية للمحاكمة بتهم تقشعر لها الأبدان، فإن عينى لم تقع على لافتة يتيمة لأى منهم!
لكن سرعان ما نكتشف هذه الفزورة. فحزب المؤتمر الوطني الحاكم قام بـ "تجهيز الملعب لنفسه" حسب القول البليغ للدكتور على بابكر الهدى فى تحليل مهم بجريدة "رأى الشعب".
وحسب هذا التحليل السياسى فإن "المؤتمر الوطنى" بدأ هذه الخطوات بـ "إصدار قانون يشترط تسجيل الأحزاب، وهو أمر رفضته الأحزاب مجتمعة بالقول فقط وليس بالفعل. ثم خضع الجميع لواقع الأمر كالعادة من تلك الأحزاب".
ثم تبع تلك الفوضى قانون للأحزاب، وقانون انتخابات، وكلاهما "منحاز وغير عادل".
أضف إلى ذلك التعداد السكانى الذى أجراه "المؤتمر الوطنى" على طريقته الخاصة، وتلاعب به بصورة يعرفها الجميع، وعلى أساسه تم توزيع الدوائر بصورة تضمن فوزه!
تبع ذلك تشكيل "المفوضية القومية للانتخابات"، وهى ليست قومية بل منحازة تماما للمؤتمر الوطنى الحاكم، وضمت فى عضويتها رئيسا ونائب رئيس من أرباب الشمولية، كما شغل نائب الرئيس منصب السفير لنظام "الإنقاذ" فى أمريكا أولى سنوات "الإنقاذ" مدافعا عن النظام "الجديد" بعد نجاح انقلابه عام 1989، ومدافعا عن انتهاكاته لحقوق الإنسان فى أشد أيامه قسوة وقمعا فى "بيوت الأشباح"، كما ضمت المفوضية عددا من الجنرالات الذين عرفوا بمساندة الأنظمة الشمولية، وكانوا أعوانا للرئيس السابق جعفر نميرى الذى انتهك الحريات وسجن وعذب وقتل وأعدم المفكرين وشرع لأقبح قوانين استبدادية فى تاريخ السودان، ولم يدافعوا يوما عن الديموقراطية وحقوق الإنسان".
هؤلاء هم "فرسان" المفوضية التى سيكون بيدها الحل والعقد فى الانتخابات المقبلة!
ومسك الختام- كما يقول الدكتور على بابكر الهدى- كانت عملية التسجيل التى جاءت معيبة بكل أشكالها، وشملت العديد من التجاوزات والخروقات الخطيرة، وشهدت أكبر عملية تزوير، بل كان هناك تعتيم متعمد لمواقع مراكز التسجيل.
أما فى الخارج فحدث ولا حرج، فقد تركت العملية برمتها لضباط الأمن والقناصل فى السفارات. وجميعهم كما يعلم القاصى والداني مؤيدون لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم بعد أن أُفرغت وزارة الخارجية خلال العشرين سنة الماضية من كل من لا ينتمي إلى تنظيم الحركة الإسلامية. ونتيجة لذلك لم يتم تسجيل أكثر من مليون ونصف المليون من اجمالي عدد السودانيين المقيمين بالخارج والذى يتراوح – فى اقل التقديرات- بين خمسة وستة ملايين.
وفى خلفية ذلك كله يوجد "تراث " طويل لحزب المؤتمر الوطني الذى تفنن وبرع فى عمليات تزوير الانتخابات، ولم تسلم من هذا التزوير انتخابات اتحادات الطلاب والنقابات العمالية والمهنية.
***
ألا يذكركم ذلك التشابه الذى يصل إلى حد التطابق بين المناخ الانتخابى السوداني والبيئة الانتخابية المصرية الراهنة- بان آليات تزييف إرادة الأمم تكاد تكون واحدة رغم اختلاف الظروف واختلاف التاريخ والجغرافيا؟!
***
زاوية أخرى يلفت نظرنا إليها "حيدر المكاشفى" بمقاله المنشور فى جريدة "الصحافة" فى ذات اليوم، تأييدا لقيام ياسر عرمان مرشح "الحركة الشعبية" للرئاسة بوضع كمامة على فمه فى آخر مؤتمراته الصحفية تعبيرا عن مصادرة حقه الطبيعى والقانونى فى التعبير عبر وسائط الإعلام المسماة "قومية"، واحتجاجا على هيمنة حزب المؤتمر الوطنى على هذه الأجهزة الإعلامية، خاصة فى أجواء الانتخابات التى تفرض عليها التحلى بقيم المهنية والعدالة والنزاهة تجاه مختلف ألوان الطيف السياسي خلافا لما اعتادته طوال أكثر من عشرين عاما ظلت خلالها حكرا على حزب وحيد منذ أن أذاع رئيسه بيان الانقلاب الأول فى يونية 1989.
ويعدد "حيدر المكاشفى" دلائل اندماج الحزب الحاكم فى الدولة وتماهيه وتمدده فى كل مؤسساتها، وليست المؤسسات الإعلامية فقط.. بحيث لم يعد يوجد مفصل من مفاصل الدولة إلا وقد احكم الحزب الحاكم قبضته عليه بعد إزاحة الآخرين وتشريدهم وتدجين من لم يزحه أو يشرده.."
وبالتالى فانه يقول للمحتجين على أن الصحف "القومية" ليست اسما على مسمى.. يقول لهم: "الأولى بكم أن تحتجوا على هيمنة الحزب الحاكم على مفاصل الدولة وان تطالبوا بفصله عنها وليس فقط عن جزئية الإعلام التى لن تغنيكم شيئا".
***
هذه الكلمات الصريحة لزملاء صحفيين وكتاب سودانيين – والذين هم مثل أهل مكة أدرى بشعابها- وليس "الكلام الساكت" كما يقول أهلنا فى السودان وصفا للكلام الميت والمحنط... أعادت الى ذهنى صورة لافتات الدعاية الانتخابية الرئيس البشير التى تقف منفردة ووحيدة فى شوارع الخرطوم.
لكنها ذكرتنى أيضا بالانتخابات المصرية، حتى اختلط علىَّ الأمر، بحيث انى كلما سمعت اسم حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم فى السودان تصورت أن الحديث يدور حول الحزب "الوطنى" الحاكم فى مصر.
***
فيا أيتها الديموقراطية التى تم اختزالها فى عملية الانتخابات فقط..
ويا أيتها الانتخابات التى تم تشويهها ومسخها "وتفصيلها" على المقاس المطلوب..
كم من الجرائم ترتكب باسميكما؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
لطيف شاكر ( 2010 / 3 / 22 - 16:49 )
صوتك ياستاذ هجرس يصرخ في برية الظلم ووداي الجهل لكنه صوتا قويا كزئير الاسد مع زملائك الانقياء الذي يحملون معك هم الوطن بل همومه الثفيلة هل سيأتي يوما نستريح فيه ونصير كالدول الحرة النظيفة والشريفة والعادلة والمباركة ونكون في عز وسروروجمال والمعني في بطون الجميع لك شكري


2 - أنا متفائل
شخص يحاول ( 2010 / 3 / 24 - 20:54 )
قد تبدو الانتخابات -في عالمنا العربي- صفة متنحية أو طفرة جينية؛ أو أي شئ نادر في الوجود ؛ أنا متفائل بشأن الوضع السوداني .. وان شاء الله يتحسن الوضع ؛ وأشكرك جزيل الشكر .

اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص