الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطعنُ بالورد

نبال شمس

2010 / 3 / 22
الادب والفن


إليها، تلك التي يجيد طفلها البكاء ولا يجيد الكلام.

إليهن، استنزفن من صَدى العيد أمَرَّهُ.
*****
"أريد أن يأتيني ابني بوردة، هل لأمنيتي أن تتحقق".

صوتها البعيد لم يكن هائبا ولا مرتجفا، تكلمتْ وأنا الواقفة خلف سور الرهبة. كلماتها بندقية صوبتها نحوي، بندقية أمطرت رصاصا من حزن.

طَلبتْ وردة، فَطَعنتني بِرحيقها.

حُزني عليها كان صامتاً كصمت الزهر ساعة تلمسهُ أناملنا.

عندما قالت جملتها اهتز المكان، واحتُقِنت الدموع في المُقل المفتوحة من فرط الدهشةِ. علا الندم في قلوبنا على سهوه غير متعمدة سببها فرق الأمكنة وفرق مواعيد الأعياد.

قتلتني بايمائة صغيرة حين أومأتْ إلي بعيدها.

عيدها..عيدهن..زقزقة عصافير الربيع وما من ربيع في حياتهن.

أرادت زهرة، فأحْمرَّ الزهر خجلا.

أرادت معايدة فانقلب العيد دمعا.

في تلك اللحظة لم أكن على وشك عيد، بل على وشك انفجار زلزال من الدمع.

بعد لحظات من استجماع الذات قلت وقد خَفَتَ صوتي إلى حدٍّ لم تسمعه:

"سوف يعيّدك طفلك بوردة...سوف يهديك بطاقة".

لم تجهش بالبكاء ولم أجهش بالكلام، كطفلها الذي يجيد البكاء ولا يجيد الكلام.

أجهشت بالشرود بعيدة عن الموقف كطفلها الأصم.

استنزفَ المكان زفراتها الحزينة كطفلها يستنزف الرؤيا في العتمة.

اقتحمتُ سور الرهبة، اقتربتُ إلى حيث هوَ..إلى حيث يجلس الأطفال كل واحد في دائرته المغلقة وصومعته التي لا يستطيع احد اختراقها.

قلت للأطفال الذين شردوا مني:

" فلنرسم وردة".

الأول أعاد الورقة والثاني مزقها والثالث رسم غيمة والرابع أتقن دائرة.

كنت آنذاك مشغولة بنزف حزني على امرأة أرادت أن يهديها ابنها وردة، وعلى نساء استنزفن من ضجر الوقت ضيقهُ، ومن صدى الحزن أمَرَّهُ.

أخذت قسما من الورقة التي مُزقت، وكتبت بالنيابة عن حزني وعجزه، ثم عجزهم جميعا:

مِن ابنك...."

إلى أجمل أم في العالم.

اعذري عجزي واعذري صمتي وقدرتي على اختزال الكلمات، فقد كتبتها لك ببسمتي ودمعتي وعجزي.

احبك أمي كحبكِ لوردتي ..ابقي نوري الأبدي الذي به اهتدي إليك.

أهديك وردة علّ أيامك تبقى مكللة بالورد فلا ورد في العالم سو أنت".

لم يمض وقتا طويلا حتى كانت أمامي عشرة معايدات صغيرة كل معايدة كُتبت بصيغة أخرى وكلمات أخرى، وكأن الاقتباس كاد أن يستحيل من بطاقة لأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لامهاتنا دموعنا فقط
قاسم محمد مجيد الساعدي ( 2010 / 3 / 22 - 16:47 )
نبال الغاليه فتحت جرحا بحجم الكون ارى امي الان وهي ترقد في قبرها منتظره دموعي في عيدها واضمامه ورد فقد ماتت متحسره على ابنها الذي بقي في الاسر عشرون عاما انتظرت تسعه عشر عاماحتى ابيض لون عينها وعاد بعدها باقل من عام وتحملت فراق استشهاد اخي عام 1980

لامهاتنا الصابرات تحايا ترافقها دموعنا الساخنات


2 - شكرا لك سيدتي
احمد ستارالساعدي ( 2010 / 3 / 22 - 20:57 )
شكرا لك ياسيدتي نبال وشكرا لقاسم محمد مجيد الساعدي الذي حثني لقراءة ابداعاتك

وتحية من الاعماق الى كل امهات العالم

شكرا للجميع


3 - رقي في الاحساس
عماد حوراني ( 2010 / 3 / 22 - 21:17 )
كلمات جميله ورقي في التعبير تشير الى الحس المرهف الذي تمتلكينه اكبر بك وبهكذا تعابير ترتقي الى مستوى الوعي والذوق الادبي في داخلك نعم عليك بالمزيد ايتها العظيمه نبال فانت كالشسمس حقا


4 - انه العراف ونبؤته الصادقة
المهندس كاظم الساعدي ( 2010 / 3 / 23 - 04:25 )
عندما اشار لنا العراف الى طريق الورد وشمسه قلت لنتبع خطواته فدوما هو دليل اقصد الشاعر قاسم الساعدي
نعم صدق العراف انها كلمات ممزوجة من شعاع الشمس ومخطوطة بحزن كنسي به تراتيل لم يقلها سيدنا المسيح لعذرائنا الابديه امه كلمات لم يخطها التاريخ بل خطه السيد الميسح بين الاسطر
انها الام وانصفتي عذابا لن يبرئ منه الابن انها الجنة وتحت اقدامها
شكرا اختي شمس


5 - انها فوق كل اعتبار
محمد نوري قادر ( 2010 / 3 / 23 - 07:54 )
انها رائعة في كل تفاصيل حياتها ,تلك التي نتفدا بفدفئها
تلك الام االتي لولاها لم نكن نحن بما نحن عليه
اني اقبل الوردة التي تقدم لكل ام
رائع هو الاسلوب الذي كتبت به تلك الاحاسيس الرقيقة
ورائع هو النص في اختاريك لمفرداته بعناية فائقة

شكرا لك ولامي والامهات جميعا


6 - شكر وثناء
نبال شمس ( 2010 / 3 / 23 - 10:35 )
الاخوة والزملاء
قاسم محمد مجيد الساعدي
احمد ستارالساعدي
عماد حوراني
المهندس كاظم الساعدي
محمد نوري قادر
شكري لكم عميقا جدا على مروركم وقراءتكم المتأنية والباذخة. يعجز حبري عن التعبير امام فيض مشاعركم وفيض قرائتكم لنصي او لنصوصي المتواضعة,
شكرا لك قاسم ايها الانسان الاصيل في زمن نبحث فيه عن الاصالة..
باحترام
نبال شمس

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة