الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحل شيخ المنافي إلى منفاه الأخير ( رحيل الشاعر كاظم السماوي )

صاحب الربيعي

2010 / 3 / 23
الادب والفن


هوى نجم عراقي آخر من أقصى قمة الثقافة العراقية إلى منفاه الأخير تاركاً الحياة ولم يكن أسفاً عليها لأنه عبث بها من أوائل القرن المنصرم حتى أوائل القرن الحالي يخط مسيرة حياته الشعرية والسياسية والصحافية. كل يوم نفقد مبدعاً عراقياً في هذا المنفى الذي لا ينتهي على الرغم من أنتهاء عمر حكومات وسياسيين لكنه مازال قدراً للمثقفين العراقيين الرافضيين للمهادنة والخضوع للسياسي، ليجتثهم المنفى واحداً تلو الآخر.
مسيرة حياة الشاعر كاظم السماوي حافلة بالنضال ومناصرة المضطهدين في العالم حتى شعره لم يبتعد قيد أنملة عن هموم ومشاغل الفقراء، وقف إلى جانبهم لأنه مؤمن بقضية ومبادئ، مات من أجلها الكثير ولم تمت عنده. صرخاته ضد الحروب في مؤتمرات السلم والتضامن العالمي منذ الخمسينيات من القرن المنصرم، دعواته لنصرة الفقراء في العالم كان لها صدى في الصحافة والأذاعات العالمية.
لم يرق ذلك لحكومات العهد الملكي أن يمثل العراق سفيراً للفقراء في المنتديات العالمية، يستقبله كبار المسؤولين في دول المعسكر الإشتراكي، أسقطوا جنسيته العراقية عام 1954، لكنه لم يهادَ، أستمر في نضاله سفيراً للفقراء في عواصم العالم.
في عام 1959 آبان العهد الجمهوري الأول، أعيدت جنسيته العراقية، وكرمه الزعيم عبد الكريم قاسم بتكليفه بإدارة الإذاعة والتلفزيون العراقي في نفس العام، وكان الشاعروفياً لمواقف الزعيم الوطنية أعوام ( 1959 – 1961 )، لكن حين أخذت توجهات الزعيم قاسم تحيد عن مسارها المعهود، قدم استقالته فرفضت، لكنه أصر عليها فقبلت وجرى تعينه ملحقاً ثقافياً في المجر. وعند إلتحاقه بالوظيفية الجديدة، شعر أنه أبعد قسراً عن العراق وإن طال غيابه فإن امتياز جريدته ( الإنسانية ) سوف يلغى.
ترك الوظيفة وعاد إلى العراق ليصدر جريدة الإنسانية التي كان لها صدى كبير آن ذاك، حيث تصدى خلالها للمواقف المعادية لليسار العراقي ووقف ضد الحرب مع الأكراد وطالب الحكومة بإيقافها، لم يرق ذلك للسلطة الحاكمة فأغلقت الصحيفة وسجن الشاعر كاظم السماوي، وبعد إنقلاب شباط الأسود عام 1963 وعلى الرغم من وجوده في السجن لم يسلم من اضطهاد القتلة، وحين تأكد لهم عدم إنتماؤه لأي جهة سياسية جرى إطلاق سراحه عام 1964.
غادر شاعرنا العراق إلى برلين عام 1966 ليستقر فيها مع عائلته حتى عام 1973، ليعود إلى العراق أثر توقيع ميثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين إنقلابيي 17 – 30 تموز 1968 والقوى الوطنية، لكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً، ففي عام 1975 بدأت تباشير القمع والاضطهاد للقوى اليسارية. فغادر شاعرنا العراق إلى الصين عام 1977 وبقى هناك حتى عام 1980، وغادرها إلى بيروت حتى عام 1982 وبعد الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت غادرها إلى دمشق ليمكث فيها حتى عام 1984، ليستقبله منفىاً آخر في قبرص حتى عام 1993.
في العام ذاته إبلغ عن إغتيال إبنه ( نصير ) في بكين من قبل عملاء السفارة العراقية، فذهب ليعود بجثمان ولده ليدفن في دمشق، وعاد من منفاه في قبرص إلى دمشق عام 1993 ليستقر فيها حتى عام 1996 خلالها توفت زوجته ( أم رياض ) ليبقى وحيداً يقاسي مرارة الحياة بعيداً عن أولاده المبعثرين في المنافي البعيدة.
غادر سوريا عام 1996 إلى السويد طالباً اللجوء السياسي ( حيث استحق لقب شيخ المنافي ) واستقر في ستوكهولم لغاية رحيله إلى منفاه الأخير في 15 – 3 – 2010 أثر نوبة حادة من الربو أطفئت شمعته البالغة من العمر 91 عاماً.
غادر عالمنا الشاعر كاظم السماوي من ستوكهولم إلى عالم آخر، عالم تسكنه الأرواح التي أدت رسالتها بأمانة في الأرض وبالتأكيد لها رسالة أخرى ستؤديها في عالم آخر. في 22 – 3 – 2010 جرى الصلاة على جثمانه في قاعة المستشفى، ودع شيخ المنافي إلى منفاه الأخير لينقل في اليوم التالي جثمانه إلى العراق حيث يدفن في مدينة السليمانية بالقرب من قبر ولده البكر رياض، ويبقى قبره الجاهز ( الفارغ ) في أحد مقابر دمشق الذي سبق أن جهزه ليدفن إلى جانب زوجته وولده نصير عند موته، إعتقاداً منه أن الطغاة باقون للأبد في العراق، لكن الطغاة رحلوا ( لربما إلى حين ! ) وعاد شيخ المنافي إلى وطنه لكن هذه المرة ليدفن فيه !.
لم يمت أبداً من ترك مساهمة في سجل التاريخ الإنساني، للشاعر كاظم السماوي مساهماته في 13 ديون شعري ومئات من المقالات الصحافية، وعشرات من الرسائل الإنسانية الداعية للعدالة والمساواة بين البشر والرافضة للحروب والداعية إلى السلام في العالم.
عاش الشاعر كاظم السماوي حياته، وترك بصماته على ما يقارب قرن من الزمن، لكن سيبقى السؤال المحير إلى متى تهوى نجوم الثقافة العراقية في المنفى من دون رعاية الحكومة العراقية ؟. أن من يفرط بكنوز العراق الثقافية إنما يعمد على تقزيم العراق وشتان بين المثقف الذي يضيف إلى كنوز العراق الثقافية والسياسي الذي يقامر بها، وليكن التاريخ قاضياً في محكمة بين المثقف والسياسي !.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف