الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات عجفاء وخيار كسيح

فرات المحسن

2010 / 3 / 23
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق


انتهت الانتخابات الفريدة في تحضيراتها ومجرياتها والكاشفة لعورات الكثير من السياسيين الذين ابتذلوا جدا وهم يوجهون الطعون لبعضهم البعض. لم يبخل الكثير منهم في توزيع التهم والشتائم التي وصلت حد الإسفاف وجارت في بعضها المتداول من الحديث اليومي السائد في الأزقة الخلفية. هذه الصورة الغرائبية أفصحت عن مأزق أخلاقي وغباء فطري في طبيعة المنافسة السياسية، لا بل جهل تام بأس العملية الانتخابية وكيفيات التنافس الديمقراطي في بلد يريد أن يبني وطنا ديمقراطيا ودولة دستورية يحكمها القانون مثلما يصرحون. كل تلك التعديات في السلوك والتعبير أتت من الذين يطلق عليهم اليوم قادة لنخب تحكم أو تدير الشارع السياسي العراقي.
لا يمكن القول أن ما حدث كان تنافسا سياسيا وأن العملية الانتخابية كانت شفافة وحقيقية وديمقراطية. فهي في واقع الحال بعيدة كل البعد عن كل هذا وذاك. وقد أظهرت عمليات العد والفرز وإعلان النتائج وقبلها الدعاية الانتخابية والعمل الحزبي، عن ابتعاد العملية برمتها عن توافقها وتلك التسميات.
يعزو الوضع هذا لمجريات العملية السياسية منذ التأسيس الجديد للدولة العراقية بعد استدعاء حزب البعث وقائده صدام للقوات الأمريكية لاحتلال العراق عام 2003. فقد وضع بريمر قواعد مؤسسات كسيحة وشاركه الكثير من السياسيين في وضع اللبنات الأولى لهذا البؤس المؤسساتي منذ لحظة تشكيل مجلس الحكم حتى كتابة الدستور ومن ثم انتخاب البرلمان ومجالس المحافظات.
شكل البرلمان السابق ظاهرة فريدة في صناعة التشويش والالتباس، وظهر في أردى حال وهو يدير العملية التشريعية في العراق الجديد. وقدم أعضاؤه الصورة الأكثر سوءا والأشد سماجة لبرلمان ائتمنه الناس على مصائرهم ومجريات حياتهم. فاكتملت معه لوحة مؤسسات الدولة بهشاشتها وضعفها لا بل ضحالتها في الأداء والتعبير والإنجاز، وقدمت ما يضيف لساحة الصراع السياسي وكذلك الدموي الكثير من المساعدة وصعدت من حدة الفساد الإداري والمحسوبية والإقصاء والفرقة والتشويش والإرهاب.
وقف غالبية أعضاء البرلمان بالضد من القوانين التي تساعد على تنظيم وترشيد العملية السياسية. وبقدر ما كان البعض من هؤلاء يجهدون في البحث عن المكاسب الشخصية، كانوا يتعمدون أيضا لإيصال أكثر القوانين فاعلية وايجابية الى اللحظات الأخيرة. حين ذاك يبدأ شوط الصراع للوصول الى توافقات تنقذ جلودهم وتعطي ديمومة لمصالحهم الحزبية والشخصية. والكثيرون يتذكرون اليوم الكثير من القوانين التي كان لها لو أنجزت، أن تضع العملية السياسية في طريقها الصحيح نحو الديمقراطية، ولكن تلك القوانين جوبهت بالرفض القاطع ووضعت في طريقها شتى العراقيل كي لا يؤخذ بها وتوضع موضع التنفيذ.
فقانون تنظيم عمل الأحزاب لم ير النور لأنه يفضح الكثير من تلك القوى والأحزاب التي ترتزق من دول خارجية أو من عمليات سرقة المال العام أو إدارة شبكات الإرهاب وبيع السلع المحرمة. وفي هذا الشأن فأن مجموعات كبيرة حزبية وغير حزبية وقوى ونخب سياسية ومجتمعية من داخل العملية السياسية وخارجها، تدير وتشارك دون وجل أو تهيب وحتى خجل في تلك العمليات الإجرامية. وفي اعتقادي أن مثل قانون تنظيم العمل الحزبي في العراق سوف يوضع على الرف مرة أخرى في البرلمان الجديد، وربما سوف يناقش في أواخر عام 2014 أي عند نهاية الفصل الأخير للبرلمان الجديد، ثم يسدل عليه الستار دون مبررات مقنعة. والسبب في ذلك يعود لكون من أعيد انتخابهم هم ذات الشخوص والقوى المتنفذة في البرلمان السابق ولم يتغير المشهد بالشكل الذي يروج له بعض السذج.
والبرلمان السابق مع كثرة إخفاقاته وعوراته لم يستطع أيضا أن يجد آلية تنظم العملية الانتخابية بوقائعها وحرفيتها. وبذل أعضاؤه الجهود السخية ليرموا على عاتق المفوضية (المستقلة؟؟) للانتخابات وضع تلك الآليات استنادا لاجتهاداتهم ومزاجاتهم الشخصية. ففي داخل العراق وضعت المفوضية قواعد غير رصينة للتصويت تطلب من الناخب وثيقتي أثبات شخصية يتقدمها البطاقة التموينية التي يشكك بصحتها الكثيرون. ولم تكلف السلطة التنفيذية أو التشريعية نفسها لدفع عملية الإحصاء السكاني لتخذ مجراها الطبيعي حتى في المناطق الآمنة المتمثلة في الجنوب والوسط وشمال العراق واستثناءا من بعض المناطق الساخنة في نواحي الموصل وديالى. تلك العملية لو أجريت لحلت لنا الكثير من المشاكل وأغلقت الأبواب أمام الشكوك والتقولات. ولكن هناك قوى سياسية في السلطة المؤتلفة الحاكمة منعت هذا الشيء خوفا من فضيحة النسب والحجوم الحقيقية.
أيضا لم تستطع المفوضية وضع أسس رصينة لتصويت أبناء العراق في الخارج وكانت مجمل تعليماتها متضاربة ومقلقة أخلت بعملية التصويت وغيبت الكثير من الأصوات بحجج واجتهادات رؤساء المكاتب الرئيسية وأحيانا الفرعية. وتناست المفوضية الإشكالات الكبيرة التي تحيط بأعداد وهويات التعريف للمواطن العراقي الساكن في خارج العراق. ومن مجريات عملية الاقتراع ظهر تخبط المفوضية ورؤساء مكاتبها وحيرتهم أمام أعداد كبيرة من ذوي الأصول العراقية المولودين خارج العراق، كذلك العراقيين من أبناء الشعب الكردي الفيلي. التي ضاعت أصواتهم دون مبرر مقنع. ويمكن القول أن سبب ذلك التضارب لا بل الخراب يعود في أساسه الى السلطة التشريعية التي كانت تفتقد الرؤية المتوازنة عن سير العملية الانتخابية وأهملت الأخذ بالآراء التي حددت حجم المشكلة وقدمت رؤيتها عن الهيكلة التي من الموجب اتخاذها كقواعد ناظمة لعمل المفوضية أولا ومن ثم أعداد المصوتين ووثائقهم الثبوتية.
ومع تخندق العراقي وانتخابه ذات الكتل والقوى التي تمثل الامتداد الطائفي والعرقي والقومي والحزبي فأن المستقبل لا يبشر بالخير وأن ما حدث لن يغير شيئا في المشهد السياسي بقد ما أعاد هيكلة العملية على وفق رغبة الحيتان والكواسر، وفاز في الانتخابات سخاء دول الإقليم وسرقات المال العام وتجار الإرهاب، وأقصي برغبة الناس وخيارهم الكتل التي كان من الممكن لها أن تكون ذات صوت مؤثر في داخل البرلمان. فالبعث والقوميون العرب والسنة اصطفوا وراء كتلة العراقية، والشيعة راحوا وراء كتلتي المالكي والحكيم. أما الكرد فلهم التحالف الكردستاني والتغيير والاتحاد الإسلامي وجميعهم دعاة قومية كردية مهما اختلفوا.
واليوم وبعد أن أعلنت مفوضية الانتخابات ما يقارب فرز 95% من الأصوات بدأت معركة حقيقة بين الكتل ازدادت معها حدة الطعون والاتهامات المتبادلة. وفي جميع تلك الخصومة وتبادل التهم، أبعدت الأطراف المتصارعة عن ذهنها هوية الوطن أو هموم المواطن وظهرت على حقيقتها، تتطاحن وتتعارك لاقتسام كعكة أسمها العراق ومن أجل صراع قادم لحلب ضرع العراق ليس إلا. وأعلنت منذ البداية وبصريح العبارة بأن العنف الطائفي والإرهاب المنفلت سوف يعود أن لم تفوز قوائمها. وهذا ما أعلنه السيد أياد علاوي منذ بداية العملية الانتخابية وجاراه السيد نوري المالكي بعد ختامها. مما يعني أن ليس للوطن والمواطن من أهمية بقدر أهمية الصراع على المقاعد.
أجزم بأن الأعوام القادمة سوف تزيد عذاب العراقيين وكذلك ترفع من شراسة تلك القوى لتندفع مبتلعة العراق هوية ووجودا. ولا يلام في نهاية المطاف غير الناخب الذي تخندق وراء تلك الائتلافات وأعطاها صوته. ولا لوم على تلك القوى أن فعلت ما تشاء ويكفي الناس تشكيا وتأسيا ونواحا، فهم من ذهب بقوة للتصويت، وهم من أختار، وبرغبتهم جاءت تلك القوى الى البرلمان وعلينا الإقرار بأن أعضاء البرلمان العراقي هم صفوة الشعب العراقي وخياره الذي أراد. وأن أعاد الناس التشكي والنواح من ( غالبية ) من صوتوا، فعليهم أولا قطع أصابعهم التي دفعت بهؤلاء المفسدين الى حومة البرلمان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يعلن الاقتراب من مرحلة تفكيك كتيبة حماس في


.. روسيا تتوقع اتفاقية تعاون جديدة مع إيران




.. ترميم مستشفى أصدقاء المريض بعد تدميرها بغزة


.. الأمين العام لعصائب أهل الحق العراقية: دعم واشنطن لإسرائيل ف




.. الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. مناظرة للمرشحين تناقش السياس