الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جلوكل .. وأشياء أخري ..

عصام عبدالله

2010 / 3 / 24
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في عام 1999 صدر تقرير دولي عن الأمم المتحدة، دشن مرحلة جديدة في النظام العالمي، جاء فيه : " ان التدخل العسكري يمكن أن يصبح ضروريا لمنع عمليات إبادة جماعية أو تطهير عرقي واسع النطاق أو طرد قسري أو ترويع واسع المدي أو اغتصاب مدنيين ".

جاء هذا التقرير بعد خمس سنوات من المجازر، في روندا بوسط أفريقيا عام 1994، ولم يحرك المجتمع الدولي وقتئذ ساكنا، باستثناء دراسة مهمة بعنوان " مسئولية الحماية " صدرت برعاية الحكومة الكندية، وكانت محور النقاش الذي تفجر مع افتتاح كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، في دورة الجمعية العامة للمنظمة الدولية عام 1999 بشأن ما يتعين عمله، عندما لا تستطيع حكومة ما حماية مواطنيها أو ترفض حمايتهم .

أكد عنان أن السيادة الوطنية لها حدود وأن التدخل قد يقع للتصدي لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد أمراً مقبولاً في زمن العولمة، وأن ما كان يعتبر شأناً داخلياً محصناً في الماضي أصبح شأنا دولياً وإنسانيا .

علي أن أهم ما قاله هو : " إن مفهوم سيادة الدولة يمر بعملية تحول كبري، وأن الدول ينظر إليها اليوم باعتبارها أدوات في خدمة شعوبها وليس العكس ومن ثم فإن هناك حاجة لإعادة تعريف المصلحة الوطنية بشكل يتسق ومتطلبات القرن الواحد والعشرين " .

هذه الفقرة تلخص الأزمة التي يعيشها النظام السياسي العالمي منذ تفكك الاتحاد السوفياتي السابق والكتلة الشرقية من أوروبا، وتسارع وتيرة العولمة كمرحلة تاريخية جديدة مع تنامي الهويات الثقافية وبشكل متطرف أحيانا، وبروز دور الشركات المتعددة القوميات والعابرة للقارات كلاعب رئيسي في هذا النظام الدولي الجديد .

ففي عام 1987 صك ثلاثة علماء اقتصاد يابانيين مصطلح " جلوكل " ، وهي كلمة تجمع بين " جلوبل " أي كوكب الأرض أو العولمة كما نسميها اليوم، و " لوكل " أي المحلي أو كل ما يخص السياسة الداخلية للدول، ليعبروا بهذا المصطلح الجديد عن الدور الحيوي لهذه الشركات في إلغاء الخط الفاصل بين الداخل والخارج، بين السياسة الداخلية والنظام السياسي الدولي .

بيد أن أول مقولة موثقة لعالمية حقوق الإنسان، أو قل حق التدخل ( لدوافع ) إنسانية وجدت في كتابات جروتيوس عام 1625، الذي افترض حق التدخل لمنع المعاملة القاسية من قبل دولة ما لرعاياها . ويري أن هذا الحق متأصل في النظريات الكلاسيكية للحرب العادلة، وقد همش هذا المبدأ منذ القرن السابع عشر حتي نهاية الحرب الباردة عام 1989 .

قبل أيام نددت الصين بتقرير صادر عن وزارة الخارجية البريطانية اعتبرها من بين 22 دولة مثيرة للقلق بشأن سجلها الخاص بحقوق الإنسان، ووصفته بأنه : " عرض مسرحي سياسي أيديولوجي ". ولفت المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية النظر إلي أن معظم الدول التي تناولها التقرير بالنقد هي دول نامية، وتساءل : لماذا لا يتحدث التقرير عن بعض الدول الغربية التي انتهكت أيضا حقوق الإنسان؟ .

وأضاف إن بلاده تعارض الضغط والمواجهة والمعايير المزدوجة بشأن مسائل حقوق الإنسان، كما تعارض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري .

اعتراض الصين معناه أن الأزمة التي يعيشها النظام العالمي الجديد مازالت مستمرة، وأنه لا يوجد نوع من التوافق أو الاتفاق الدولي، علي معايير محددة وموحدة في هذا النظام الوليد، باستثناء الاقتصاد المعولم .

عقب الحرب الأهلية في إقليم دارفور بالسودان عام 2003، صدر قرار أمريكي عام 2007 بحظر استثمار النفط في السودان، ومن ثم خرج الأمريكيون من هذه السوق الكبيرة . وحل الصينيون محل الأمريكان، حيث تمتص الصين 65٪ من النفط السوداني اليوم، كما بلغت استثمارات ( المشاريع الصينية ) 15 مليار دولار علي مدي عشر سنوات .

وسائل الإعلام الأمريكية تعمدت الترويج لنظرية واحدة طيلة هذه الفترة، هي : إن أمريكا تقف وراء إثارة المشاكل والقلاقل في السودان، وسعت لفرض العقوبات علي السودان منذ العام 1997، بهدف إزاحة الصين عن المشهد السوداني النفطي ؟ .. هذه المزاعم كشف عنها النقاب أخيرا، وثبت أنها مصطنعة ولا أساس لها من الصحة، لأن الأمريكيين هم الذين دعوا الصينيين ( من الباطن ) لدخول هذه السوق وملء الفراغ .

إن العولمة الاقتصادية تتطلب من المشروعات أن تتلون كالحرباء حسب تعبير فيليب مورو ديفارج في كتابه العولمة - أن تكون أمريكية في الولايات المتحدة ويابانية في اليابان وفرنسية في فرنسا ( وصينية في السودان ) إذا لزم الأمر .

صحيح أن الأمريكيين خرجوا من السودان بالفعل، عقابا له علي انتهاكاته لحقوق الإنسان، ولكنهم دخلوا من باب الشركات العابرة للقوميات ( الأمريكو - صينية ) ، وكلمة Offshoring تعني اليوم في قاموس اللغة الإنجليزية، أن : شركة ما تنقل عملها كليا أو جزئيا من بلدها إلي بلد آخر، أو تقوم شركة ما من بلد ما بعملها في بلد آخر .

ألسنا بالفعل أمام عرض مسرحي سياسي أيديولوجي، عنوانه جاذب ( حقوق الإنسان ) ولافتاته ملونة وبراقة، لجذب أكبر قدر من المتفرجين والرواد، ربما للضغط والابتزاز والتجريس، وأشياء أخري ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج