الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - توازن التقييم

رضا الظاهر

2010 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



تتفاقم، في فترة مابعد الانتخابات، تجليات الصراع السياسي والفكري بين الكتل الكبيرة المتنفذة الطامحة الى الحكم. ويتخذ هذا الصراع، وهو اجتماعي بطبيعته ويتمثل جوهره في السعي الى السلطة والثروة، أساليب وأشكالاً مختلفة تجسد مواقف متباينة لا يندر أن تتسم بالتناقض والتغير وفقاً لما تفرضه المصالح الضيقة. ويلهث "الكبار"، في سباق محموم، وراء استثمار كل سبيل للاستحواذ على كل مغنم. وفي هذا السباق، وجزؤه الأكبر مستتر خلف الكواليس، يبدو كل سلوك جائزاً ومبرراً مادام يوصل، في خاتمة المطاف، الى كرسي النفوذ.
وهذا السلوك هو الذي يتوافق مع منهجية المحاصصات، أم البلايا، وهي المنهجية التي يتمسك "الكبار" بها على الرغم من انفضاح عواقبها المخزية، وآثارها المدمرة. وجوهر هذه المحاصصات تقاسم السلطة عبر التواطؤ بين "الكبار" الذين يزعم أنهم، وحدهم، يمثلون "المكونات الرئيسية"، أي الشيعة والسنة والأكراد.
وليس من الغريب أن يتكيف مفهوم المحاصصات مع الظرف المعني، فيتخذ أسماء مستعارة بينها، على سبيل المثال، التوافق أو الشراكة أو الوحدة الوطنية، وما الى ذلك من مسميات تخدم مصالح المتنفذين وتعتمد على اتجاهات وقواعد التواطؤ بينهم.
ووسط صخب غير قليل من "المحللين"، العاجزين عن اتخاذ موقف الحياد والموضوعية، والفاقدين، بالتالي، للمصداقية، وبينهم حفنة من قابضين في فضائيات مأجورة لكتل ودول، وسط صخب هؤلاء، وقصر نظر سواهم من سياسيين بالغوا في البذخ على الاعلام، واستغفال الناس والاستهانة بعقلهم، يجد المرء نفسه أمام هذه التجليات المقيتة للصراع على مختلف الصعد.
ولعل من بين الحقائق التي كشفت عنها تجربة الانتخابات، وبينها ما هو مثير للأسى، بل وصادم، أن جوهر التنافس كان طائفياً وإثنياً في ظل ثقافة تخلف سائدة. وفي اطار هذا التنافس، الذي استخدمت فيه أساليب التضليل والرشوات وشراء الضمائر والترغيب والترهيب، فضلاً عن استثمار المرجعيات الدينية وعلى نحو يتعارض مع المواقف المعلنة لهذه المرجعيات، في اطار هذا التنافس انكشفت حقيقة الكتل الكبيرة وجوهرها صراعها على السلطة وإصرارها على منهجية الاستحواذ المحاصصاتية وإقصاء "الآخرين". وبات جلياً، من ناحية أخرى، أن مصالح انتخابية عابرة جمعت قوى متعارضة في كتل لا يندر أن يرشحها محللون للتفكك والانهيار خلال فترات قد لا يطول عهدها بسبب تفاقم تناقض المصالح وتفجر الصراعات على الامتيازات داخل الكتلة الواحدة.
وفي سياق الصراع جرى حرمان الكتل "الصغيرة" عبر اجراءات تعسفية ابتدأت بقانون الانتخابات المجحف، ولم تتوقف عند حدود التزوير والانتهاكات الفاضحة الأخرى، التي تتحمل مسؤولية جزء غير قليل منها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي هيئة قامت، أصلاً، على أساس المحاصصات الطائفية والاثنية، وعلى نحو يبعث على الارتياب باستقلاليتها المزعومة. ومادام "الكبار" ضمنوا الفوز، وتقاسموا حتى ما أبقاه قانونهم الانتخابي من "مقاعد تعويضية"، فليذهب "الصغار" الى الجحيم، ولتظل أصداء صرخاتهم تتردد في وادٍ سحيق دون أن يسمعها أحد.
وفي هذه اللوحة، أيضاً، يجد المرء نفسه أمام ظاهرة تفكك الكتل السياسية الكبيرة على نحو يكشف عن "هزيمة" للنزعة الطائفية، على الرغم من أن الناخب العراقي لم يكن، لأسباب عدة بينها هيمنة ثقافة التخلف السائدة، بمستوى النضج السياسي المنشود. ويتعين، في هذا الاطار، عدم السقوط في وهم أن هزيمة نهج القوى الطائفية تعد انتصاراً لنهج "خصوم" هذه القوى. فقد ذهبت أصوات الى قوى لا حباً بها أو ثقة ببرنامجها ومصداقيتها، وإنما كرهاً بأهل السلطة ممن أذاقوا الملايين الأمرّين.
وهكذا فانه من بين الحقائق التي يتعين أن لا تغيب عن البال أن معاناة الملايين المريرة منذ أيام "التحرير" الأولى وحتى أيام الصراع الحالي على كرسي الحكم أخفقت في إلحاق الهزيمة الحقيقية بجوهر السلوك الطائفي، فقد ظلت المتاريس الطائفية، التي ابتدأ بنصبها "المحررون" واستظل بامتيازاتها "المقررون"، أقوى من أن يتجاوزها سخط الملايين ويزيلها مرة والى الأبد. فالأغلبية من هؤلاء الساخطين والمحرومين هم، أنفسهم، من منحوا أصواتهم لمن كانوا سبباً في سخطهم وحرمانهم. وتلك مفارقة تكشف عما يمكن أن تفعله ثقافة تخلف سائدة في تشكيل نمط التفكير والسلوك والموقف.
* * *
الحق أن هذه التأملات ليست سوى أفكار أولية تنشد الاسهام، مع مساعٍ أخرى لابد أنها تبذل الآن على أكثر من صعيد، في تحليل وتشخيص أسباب تراجعنا وانتكاسنا، بروح انتقادية جريئة، وسبل النهوض ومواصلة التحدي على النحو الذي يليق بنا نحن الشيوعيين.
وعلى أمل أن نواصل طرح بعض من هذه الأفكار في "تأملات" لاحقة، لابد أن نشير هنا الى ضرورة استخلاص الدروس من تجربة الانتخابات المريرة والغنية.
وفي تقييمنا لهذه التجربة يتعين علينا الاستناد الى منهجيتنا الماركسية في التحليل والاستنتاج. فهذه المنهجية هي التي تضمن التوازن في تشخيص العوامل الموضوعية والذاتية.
أمامنا جولات كفاح مقبلة، ولن نكون هيّابين في مواجهة الصعاب. وسنسعى، متمسكين بالأمل وروح الاقتحام وبعد النظر والثقة بالنفس وبالمستقبل، الى أن ندرك حجم تأثيرات الواقع الموضوعي على حركتنا، ولن نعلق قصورنا الذاتي على مشجب هذا الواقع.

طريق الشعب 23/3/ 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية طيبة للاخ الكاتب رضا الظاهر
كامل الشطري ( 2010 / 3 / 24 - 15:17 )
نعم إستاذي العزيز تشخيصك جميل وصائب وأقرب الى الحقيقة لنهج وسلوك اصحاب القوائم الكبيره وجوهر تفكيرهم وأغراضهم
ولكننا بحاجة الى تشخيصك حول اصحاب القوائم الصغيرة أيضآ ولماذا لم تتطور وتحتل أماكنها الحقيقية والطامّة الكبرى إنها تتراجع الى الوراء مع مرور الزمن وتفقد مواقعها الصغيره وتسير نحو الانكماش والأضمحلال ومن الجائز أن تتعرض الى الأنقراض مستقبلأ نتيجة الاحباطات المتكررة إذل لم تبادر وبقرارات جريئة وان تعالج إخفاقاتها وهزائمها المتكررة وتبحث عن الدواء الناجع لشفائها ومن ثم معافاتها
ثم الى متى نبقى نستخلص الدروس والعبر وفي كل سنة تتكررألاحباطات ونعالي من العّلة نفسها
مع احترامي وتقديري

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران