الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراعات الطائفية فى مصر... متى تنتهى؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2010 / 3 / 24
حقوق الانسان


يتفق الكتاب الغربيون والشرقيون أن العصر الأول للإسلام فى مصر اتخذ التسامح والحكمة نهجا ولم يشهد ما نشهده الآن من توتر طائفى. لقد أعترف مؤرخو الغرب من أمثال الفريد بتلر وهنرى برستيد أن المسلمين الأوائل لم يمارسوا التعصب الدينى عندما دخلوا مصر فى عام 640م. ويتسق هذا الرأى مع مخطوطات المؤرخ القبطى يوحنا النقيوسى والتى قام بترجمتها الدكتور عمر صابر فى كتابه "تاريخ مصر ليوحنا النقيوسى" حيث توضح هذه المخطوطات أن ذلك العصر كان نموذجا للتسامح بين المسلمين والمسيحيين. وبالرغم من أن المسلمين والمسيحيين فى المحروسة ظلوا يعيشون فى وئام وسلام عبر العصور ولم يحدث ما يعكر صفو العلاقة بينهما غير أن السنوات الماضية شهدت بعض الأحداث التى أدت إلى التوتر الطائفى. الغريب أن السبب الذى يشعل الفتيل قد تكرر فى كل الأحداث الطائفية وهو عبارة عن شائعة يتلاعب مروجوها بالمشاعر الدينية لدى البسطاء.

لعل المسلمين الأوائل الذين دخلوا مصر فى القرن السابع الميلادى كانوا أكثر منا تدينا وتقوى ومعرفة بالله وبتعاليم الإسلام. ولو كان الإسلام قد حرضهم على العنف والقتل لما عاد سبعون ألف قبطى من الفارين من ظلم الحكام الرومان ولو كان الإسلام قد حرضهم على الكراهية لدمروا كل الأديرة والكنائس فى مصر تماما كما فعل الرومان الأرثوذكس الذين الحقوا الدمار بالعديد من مراكز العبادة. لقد عمل عمرو بن العاص على ترميم وإعادة بناء تلك الأديرة والكنائس التى تعرضت للتدمير. وفى المقابل— كما تقول المراجع التاريخية— فإن أقباط مصر ساهموا فى بناء أول مسجد فى مصر فى مدينة الفسطاط. لا نبالغ إذا قلنا إن مصر لم تشهد أحداثا وصراعات طائفية إلا فى العصر الذى نعيشه وخاصة مع بدء حقبة السبعينيات من القرن المنصرم.

المثير للدهشة أن سيناريو الأحداث الطائفية تكاد تتكرر فى كل المواقع سواء فى قرى الدلتا أوالصعيد الجوانى إذ تبدأ الفتنة حين تتناقل الألسنة شائعة مفادها أن مسلمة تعرضت للاغتصاب أو أن منزلا فى طريقه ليصبح كنيسة وقد يضيف محترفو الشائعات بعض المثيرات كأن يقال مثلا إن هذه الكنيسة سوف تهدد الوجود الاسلامى فى القرية أو المدينة. وقد تنتشر الشائعة كالنار فى الهشيم بعد أن تجد مكانا لها فى ثنايا خطبة الجمعة. عندئذ تتأجج المشاعر وتغلى الدماء فى العروق لتخرج الأمور عن نطاق السيطرة حيث ينطلق بعض الشبان الثائرين إلى منازل الأقباط فيحرقونها والى محلاتهم فيدمرونها وقد تصل الأمور إلى سقوط قتلى وجرحى كما حدث فى ديروط وفرشوط فى 2009م وفى نجع حمادى بمحافظة قنا فى مقتبل عام 2010م وفى مطروح فى مارس 2010م. وتجدر الإشارة أن أخبار هذه الأحداث تتناقلها وسائل الإعلام من دون التثبت من تفاصيلها مما يساهم فى إشعال التوتر فى مناطق أخرى. لعله من الخطأ أن نعزى كل الاشتباكات التى تحدث إلى أسباب دينية. فالصراع القبلى والثأر ينتشران منذ فترة سواء فى الصعيد أو الدلتا. كما أن ابسط الخلافات الفردية قد تتحول بقدرة قادر إلى صراعات قبلية أو طائفية.

من المؤكد أن التوتر الطائفى المقرون بانفلات الأعصاب يستحق اهتمام الدولة لأنه ببساطة يمس أمن وكيان الوطن ولا يمكن أن نترك الأمور على هذا الحال. إن الأمر يتطلب تضافر جهود كل أجهزة الدولة لاحتواء هذه الظاهرة التى قد تأتى على الأخضر واليابس. بداية يجب أن نؤكد على ثقافة التسامح ونسيان الإساءة. وهنا تجدر الإشارة إلى تجربة لانا اوبرادوفيتش، الفتاة البوسنية المسلمة التى فقدت العديد من أقاربها خلال الصراع الدينى بين مسلمى البوسنة وطائفة الأرثوذكس التى ارتكبت مذابح فى حق المسلمين فى التسعينيات. ماذا تقول هذه الفتاة؟ لم تقل إنها ترغب فى الانتقام والقتل ولم تقل إنها تكن مشاعر الكراهية تجاه قاتلى أقاربها بل قالت: "لقد غير الحرب كل شىء فى حياتى وكنت وآلاف المواطنين قد تعرضنا للتشرد خلال التطهير العرقى فى مدينتى. ولكن كل ذلك لم يؤثر فى شخصيتى إذ إننى لم أتعلم كراهية جيرانى".

والى جانب سيادة ثقافة التسامح فإن الأمر يتطلب سيادة القانون أيضا بحيث إذا ارتكب مواطن—بصرف النظر عن ديانته— أية مخالفة أو جريمة فإن القانون يجب أن يتصدى له. لعلنا فى حاجة إلى وفود طلابية من الجامعات أو حملات إعلامية لإقناع الناس بأن اللجوء إلى القانون هو خير وسيلة للتعامل مع مخالفات البناء وللحصول على الحقوق. أما حقوق الدولة وأملاكها فإن أجهزتها قادرة على الدفاع عنها ولا شأن للمواطنين فى ذلك. وخلاصة القول فإن الاحتكام للقانون هو الذى ينقذ الأوطان من ويلات الفتنة وشرور الاضطرابات الطائفية ونيران الحروب الأهلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر