الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غيوم نووية فوق الشرق الأوسط .. 2 / 2

بدر الدين شنن

2010 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لامبالغة إذا أجبنا ، على ضوء دروس ووقائع الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين ، وعلى ضوء احتياجات ا ستراتيجية تدميرية مستجدة ، إذا أجبنا بنعم على سؤال ، هل الشرق الأوسط مقبل على حرب تستخدم فيها ، الأطراف الدولية والإقليمية المشتبكة في صراع طويل مستعص على الحلول السياسية والدبلوماسية ، الأسلحة " النووية " ومشتقاتها . بمعنى حرب غير تقليدية ، من حيث قوة التدمير ، وسرعة تحقيق الأهداف ، وحجم الخسائر المادية والبشرية . وذلك لاعتبارات ، الجغرافيا وتعقيداتها ومتطلباتها ومفاجآتها الواسعة ، الإنفاق العسكري التقليدي الباهظ ، الخسائر البشرية العسكرية والمدنية وانعكاساتها السياسية ، عامل الزمن ودوره في تحريك الرأي العام المعادي للحرب ، تصميم وقدرة المعتدى عليه على إلحاق أكبر الأضرار والخسائر بالمعتدي ، لاسيما وأن الحرب الأميركية في العراق والحرب الأميركية الأطلسية في أفغانستان ، قد أوهنت قوات الولايات المتحدة وقوات الناتو ، والحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 وعلى غزة 2009 - 2010 ، قد زعزعت أ سطورة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر .

من حيث الجغرافيا .. أي مسرح العمليات ، فهي بالمواجهة مع إيران ، تمتد على مساحة تبلغ ( 640000, 1 ) مليون كم2 ، أي أكبر من مساحة بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال مجتمعة ولها شاطيء يشغل الطر ف الشرقي للخليج بطول يبلغ ( 965 ) كم وذلك من خليج عمان ومضيق هرمز إلى شط العرب ، وهي أي الجغرافيا الإيرانية المعقدة تجعل الخيار العسكري التقليدي صعباً ، فهي جبال وبحار في الشمال والجنوب وصحراء ممتدة شرقاً مع أفغانستان . إضافة إلى الجغرافيا السورية وتنوعاتها والبالغة مساحتها ( 185 ) ألف كم2 .. في الطرف الآخر ، إن مساحة إ سرائل لاتتجاوز (22,145 ) ألف كم2 . ومواقع القوات البحرية الأميركية والحليفة لها بما فيها ا سرائيل ، التي تنتشر فوق مياه الخليج على مساحة ( 233 ) ألف كم2 ، وتتموضع في القواعد العسكرية في عدد من دول الخليج ، هي والمساحة الإسرائلية كاملة مكشوفة وتقع ضمن المدى المجدي للأسلحة المعادية .. يضاف إلى ذلك أن العمق الأقصى لمياه الخليج يبلغ فقط ( 90 ) متراً وهذا لايسمح للغواصات المهاجمة بحرية الحركة ، التي تتيحها لها مياه بحار أكثر عمقاً ..

من حيث الإنفاق العسكري ، فإنه يكفي السؤال ، إذا كانت الحرب على العراق المنهك بعد حصار دام عشر سنوات ، وعلى أفغانستان الفقيرة اقتصادياً ولاتملك أ سلحة متطورة أو ثقيلة تمكنها من الدفاع عن نفسها بفعالية مكافئة للقوات الأميركية والأطلسية ، قد أسهمت إلى حد كبير في نشوب الأزمة الرأ سمالية العالمية الراهنة ، فكم سيكون حجم الإنفاق العسكري ، في حرب تقليدية على مستوى إيران وسوريا والمقاومة في لبنان ، التي تمتلك قوى عسكرية ذات كفاءة قتالية ، ولديها أ سلحة تدميرية وصاروخية ، تستطيع أن تغطي مسرح العمليات بالكامل ، فوق الخليج وفي القواعد العسكرية للخصم في دول خليجية متواطئة وفوق الجغرافيا الإسرائلية ، وعلى أي مستوى من الأزمات والانهيارات سوف ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي .. وعلى السياسة الدولية ؟ ..

ومن حيث عامل الزمن ، فإن الولايات المتحدة وإ سرائيل عاجزتان عن تحديد زمن الحرب وفق مشيئتهما ووفق محددات أهدافهما من الحرب ، فحرب إ سرائيل في تموز 2006 - 2010 خير برهان على ذلك ، وكذلك حرب الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق ، وهذا ما أدى إلى تحرك جماهيري عربي ودولي ضدهما ..

ومن حيث المقاومة على ساحات وا سعة وبأ سلحة متطورة ، فإن جيوش الولايات المتحدة والناتو الواهنة في أفغانستان أمام مقاتلين بأ سلحة خفيفة وأقل من متوسطة والمنتظرة بفارغ الصبر الرحيل عن العراق تحت ضربات مقاومة لم تشتبك معها على مستوى حربي متطور بعد ، ولاتستطيع إ سرائيل أن تضرب المفاعلات النووية الإيرانية أو تهاجم سوريا ولبنان دون أن تلقى رداً مدمراً على قواتها ومدنها ، هي أعجز من أن تخوض حرباً أخرى هي أشد هولاً من كل ما عرفته من حروب ، وهي أعجز من أن تصد دماراً هائلاً عن مدن إ سرائيل وعن قواتها المنتشرة فوق مساحة مياه الخليج وفي قواعد موزعة في خمس من دول الخليج ..

ثم أن الأسلحة النووية المتطورة أو المعدلة وأشباهها ومشتقاتها ، قد ا ستخدمت من قبل فعلاً في الشرق الأوسط ، فلم لاتستخدم ، للاعتبارات الواردة آنفاً ، اليوم أو غداً . فقد ا ستخدمت الولايات المتحدة في حرب " تحرير الكويت عام " 1991 " قوى تدميرية ما يعادل سبعة أضعاف ما تم ا ستخدامه على هيروشيما وناكازاكي عام 1945 . وحسب صحيفة " الاندبندت " البريطانية ، أن نتيجة هذا القذف المدمر باليورانيوم هو نصف مليون طفل عراقي مصابون بالسرطان ، إضافة إلى وفاة مليون طفل بسبب الأمراض الشعاعية ، ومازال التلوث الإشعاعي منتشراً في مدن وسط وجنوب العراق . وفي إبان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ، دمرت القوات الأميركية ثلاث فرق عراقية للحرس الجمهوري بقنابل نووية تكتيكية عند تحرك هذه الفرق لتحرير مطار بغداد . ودمرت أحياء ومواقع للمقاومة في الفلوجة بقنابل النيوترون . وا ستخدمت إ سرائيل في حربها على غزة قنابل دمار فوسفورية وقنابل ا شعاعية ضد السكان ..

ولم يعد خافياً على المهتمين بالدراسات العسكرية أن لدى إ سرائيل والولايات المتحدة أ سلحة ذات فعالية تدميرية هائلة مثل الأسلحة الراديولوجية المشعة ، التي يمكن ا ستخدامها ضد المفاعلات النووية ، ولديها قنابل النيوترون كسلاح ا سترتيجي مضاد للصواريخ وسلاح تكتيكي ضد المدرعات . وقد طورت إ سرائيل القنبلة النيوترونية لاستخدامها في معارك المدرعات وبالذات في مرتفعات الجولان ..

وهناك أبحاث علمية عسكرية جديدة مفادها ، أن مخلفات الوقود النووي المستخدم في المجالات الطبية والمدنية ، يمكن ا ستخدامها كقوة تدميرية أيضاً في العمليات العسكرية ..

يعزز هذا التوجه التدميري .. انتشار 50 قطعة بحرية حربية وأربع حاملات طائرات أميركية وعدد من القطع الحربية البحرية الأطلسية والإسرائيلية في مياه الخليج ، وهناك عشرات القطع البحرية الحربية الأميركية والغربية ، معظمها ذات صلة بالناتو ، منتشرة في بحر العرب وخليج عدن با سم مكافحة القرصنة ، تشكل احتياطاً جدياً للحرب الأميركية الأطلسية الإسرائيلية القادمة في المنطقة ، يضاف إلى ذلك إقامة الدرع الصاروخي " باتريوت " المجهز بأ سلحة نيوترونية مضادة للصواريخ فوق دول الشاطيء الغربي العربي للخليج ، و( 40 ) ألف جندي أميركي في قواعد عسكرية نوعية في خمس من دول الخليج ..

والسؤال إزاء ذلك هو ، ماذا أعدت أطراف الصراع في الشرق الأوسط من أسلحة للتعامل مع هذا المستوى التدميري من الحروب ؟ ..
لاأحد قادر أن ينفي أن لدى الولايات المتحدة وإ سرائيل أ سلحة ذات فعالية نووية متعددة ومتنوعة ولايتورع كل منهما عن ا ستخدام هذه الأسلحة كما فعلها سابقاً . ولا أحد قادر أن يؤكد أو ينفي أن لدى إيران وربما سوريا والمقاومة في لبنان أ سلحة تدميرية تنتمي لمجموعة الأسلحة التي تحمل فعاليات قادرة على الرد على أي هجوم ، تستخدم فيه أميركا وإ سرائيل أ سلحة " نووية " نيوترونية أو راديولوجية أو بالقنابل " النووية " القذرة ذات المزايا التدميرية النوعية المتعلقة بالأفراد والمباني وغيرها ..

إزاء هذا المشهد الردعي التدميري المتبادل ، لابد من أن يرد ا ستنتاج ، له حيز لابأس به من الصواب ، وهو ، أن لاحرب ستقع في الشرق الأوسط .. أو أنها إن وقعت ستكون في كثير من فصولها الدموية التدميرية " نووية " بصيغة أو بأخرى .
بيد أنه ، ينبغي عدم الاطمئنان إلى لعبة الترجيح لهذا الاحتمال أوذاك ، طالما كانت دوافع الصدام قائمة ، فإن مخاطر الحرب تظل واردة . وإذا ما دخلنا في التفاصيل ، فإن إيران مصممة على انتزاع حقها المشروع في بناء مشروعها النووي السلمي .. ومشروعها النووي الكامل طالما بقيت إ سرائيل تمتلك السلاح النووي الذي تبتز به دول المنطقة ، ومصممة على ممارسة دورها الإقليمي ، الذي يتعارض مع مخططات الهيمنة الأميركية والتوسع الإسرائيلي في المنطقة . وسوريا تعتبر أن بقاء الجولان تحت الاحتلال قد طال بما لايطاق ، وتحت الضغط الشعبي لاسيما المعارض ، فإن النظام السوري مضطر أن يتحرك بأ شكال متعددة لاستعادة الجولان ، لتدعيم مقومات ا ستقراره وا ستدامته ، وفضلاً عن ذلك فإن عنده هوى النزوع ليلعب دوراً إقليمياً أيضاً .. مع الحرص على تجنب التعارض الحاد مع المخططات الأميركية من خلال مد الجسور السياسية والدبلوماسية نحو الإدارة الأميركية ، ومع إ سرائيل من خلال الجري وراء المفاوضات ، التي مآلها التعايش مع الكيان الصهيوني كأمر واقع .. كجار بين الجيران .. لكنه غير مرغوب فيه إلاّ إذا ا ستسلم بالكامل كما فعل السادات والملك حسين ووقع معاهدة تفتح أبواب سوريا أمنياً وسياسياً واقتصادياً أمام إ سرائيل وأميركا .. والمقاومة في لبنان التي صارت كابوساً مقلقاً لإسرائيل مصممة على التصدي للإعتداءات الإسرائيلية على لبنان ، وباتت جبهة صاروخية مرعبة .. لايمكن لإسرائيل السكوت عنها ..

في هذا السياق ، تنبري وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون ، بين يوم وآخر ، لتعلن رفضها للطموحات الإيرانية ، وتهدد بالعقوبات الأشد على طهران ، ورئيس هيئة أركان الجيوش الأميكية الأميرال مايلنر يعلن أن كل الاحتمالات واردة لمنع إيران من امتلاك " السلاح النووي " . وأخيراً كان إنذار أوباما المبطن في سياق التهنئة بعيد النيروز ، الذي طالب إيران بالاستجابة " للقرارات الدولية " وإلاّ .. أما إ سرائيل فإن لغة الحرب والتدمير للمفاعلات النووية الإيرانية ، وتدمير المقاومة في لبنان ، وتوظيف تخويف العرب من الهيمنة الإيرانية لإنجاز تهويد القدس والضفة وتسفير عرب 48 ، والردود العملية المخربة للمفاوضات حول الجولان و" الدولة الفلسطينية " العتيدة ، والإمعان الوقح في مسألة " الاستيطان " وتهويد القدس ، وإذلال السلطة الفلسطينية ، واحتقار الشعب الفلسطيني والأنظمة العربية ، وسفك دماء الشباب الفلسطيني المحتج على اغتصاب حقوقه ومقدساته ، هي الأكثر إثارة وعدوانية ، وتصب في خانة تسخين الوضع الفلسطيني والشرق أوسطي ، وصولاً إلى أحد هدفين ، إما أن تحقق أهدافها دون قتال ، أو تفرض حرباً مرشحة أن تكون " نووية " .

وهنا من الممكن بمكان ، أن تكون سوريا ، لأسباب تاريخية وجيو - سياسية سورية فلسطينية ، ولدفعها إلى التنازل المجاني عن الجولان ، وإلى حشرها في زاوية التطبيع مع إ سرائيل ، ولتكون أكثر انسجاماً مع المصالح الأميركية في العراق ولبنان وإيران ، أن تكون في مقدمة أولويات الأهداف في الحرب المقبلة في المنطقة . وفي هذا السياق ينبغي عدم إهمال تهديد الجنرا ل الإسرائيلي " آفي مزراحي " قائد المنطقة الوسطى " وهو من أصول سورية " باجتياح دمشق . ما يعني أن سوريا أمام تحد صعب ، يتمثل بأنها ستقاتل في ظرف يحسب فيه أن الاردن ومصر خارج مسرح العمليات بموجب اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية وادي عربة ، والعراق تحت الاحتلال الأميركي ، والسودان خاصرته مفتوحة في دار فور ، ومعظم دول الخليج ذاهبة للتطبيع مع إ سرائيل ، ودول المغرب العربي غارقة في خلافاتها ومشاكلها الثنائية والداخلية ، كما يتمثل بوضع النظام أمام مسؤوليات وا ستحقاقات تاريخية ووطنية كبيرة الأهمية . فالمسألة في مثل هذه الظروف ، ليست كما يتوهم أو يريد أهل الحكم محددة بالحفاظ على سلطة " الحزب القائد " أو أغلبية دستورية في الهيئات التمثيلية ، وسلطات ا ستثنائية للأجهزة الأمنية لفرض سياسة السلطة التنفيذية الاستبدادية ، وإنما هي مسألة مصير وطن .. ووجود وطن .. هي أن يكون الوطن أولاً وفوق كل اعتبار . بمعنى أنه يستلزم إجراء نقلة نوعية عاجلة في نظام الحكم .. من الاستبداد إلى الحرية .. من نظام " الحزب القائد " والاستئثار بالسلطة إلى نظام ديمقراطي يتيح لكل المواطنين حق وفرصة الدفاع عن أرضه ووطنه .. يستلزم الإفراج الفوري عن كل معتقلي الرأي المحكومين قضائياً أو عرفياً ، ورفع حالة الطواريء والأحكام العرفية عن الشعب وتكريسها فقط عند الضرورة في مواجهة العدو في المرحلة الخطيرة الجديدة ضمن سياق الإعداد لتوفير مقومات انتصار شعبنا في معركته الكبرى الواضحة في الأفق القريب دون التباس .

إن للشب السوري .. بكامل مكوناته الاجتماعية والقومية والمذهبية والدينية .. باع طويل في مقارعة المعتدين والمستعمرين ، ولديه مخزون كبير من تراث الإبداع التحرري المقاوم .. من معركة ميسلون .. إلى ثورة الشمال بقيادة هنانو .. إلى الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش .. إلى ثورة الساحل بقيادة الشيخ صالح العلي .. إلى جنود وضباط أرتال الدبابات السورية الذين اقتحموا في حرب تشرين 1973 حقول الألغام الإسرائيلية وصولاً إلى بحيرة طبريا .. وهذا الشعب عندما يمتلك حريته يصنع المعجزات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر