الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنصب

زكرياء الفاضل

2010 / 3 / 24
الادب والفن


المنصب

فوجئ سكان الزقاق بالزغاريد وطلقات البارود صباح يوم روتيني داخل يومية البطالة والتشرد. فهب من هب رغبة في معرفة منبع الفرحة والبهجة بالزقاق وطن التعاسة واليأس. كانت الأهاجيج والزغاريد وطلقات البارود تعلوا كل الأصوات بحيث صعب طرح سؤال أو سماع جواب. فقد اختلطت الأصوات بشكل فوضاوي لتتناسق في ضجيج منتظم شبيه بصوت أمواج الأطلسي. أخيرا صعد عبد الله بوكرش، هذا لقبه داخل الزقاق لبطنه الضخم، فوق صندوق خشبي، لا احد يعرف من أين أتو به، فخمدت الأصوات تدريجيا إلى أن انقطعت. حينها، فقط، تفوه عبدالله بوكرش، مبتسما:
- يا إخوتي.. الحقيقة أنا عاجز عن شكركم على مشاركتكم فرحتي.. لا بل هي فرحتنا جميعا.. فكوني استلمت منصبا في الحكومة يعني أن مفتاح الفرج وصل إلى زقاقنا الذي طالما عانى من البطالة.. فاليوم غير البارحة.. وأنا ابن هذا الزقاق وأهله هم إخوتي ولن أتخلى عنهم وسأعمل كل ما في وسعي ليستفيدوا من منصبي..
ارتفعت زغاريد النساء ممزقة عباب الصمت الذي التف حول الخطيب.. ودوى البارود مرة أخرى فرحة بابن الزقاق الذي حصل على منصب حكومي.. أخيرا سيتباهون أمام الأزقة الأخرى بابنهم الموظف.. وسيرفعون رؤوسهم للسماء فخرا، فهم لم يعودوا كالأزقة الأخرى.. هم الآن فيهم موظف حكومي..
الواقع أن هذا الزقاق عانى من البطالة ثلاثة عقود أو ما يزيد عن ذلك، لهذا ليس من الغريب أن يفرحوا بابنهم الذي حصل على وظيفة بعد أن شابت رأسه. فالبطالة أصبحت المستقبل الوحيد لأبناء كل أزقة الحي الشعبي مما جعل الناس تعزف عن التعليم وتحترف لعب الورق في المقاهي وشرب فناجين القهوة بالمقارضة إلى حين تفرج.
صرخ أحدهم:
- لا بد من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة..
أجابه عبد الله بوكرش:
- يا جمال بوراس،لقب هكذا لضخامة رأسه، أنت تعرف أن لا إمكانيات مادية لي، لكني أعد الجميع بأن أقيم وليمة بعد ثلاثة أشهر أو أربعة حين أستلم أول راتب. هذا وعد مني للجميع.
رد عليه الجمع بأنهم يعرفون وضعه المادي فهو لا يختلف عن وضعهم وأنهم سيقيمون ليلة له اليوم على حسابهم كل وما تجود به إمكانيته المهم أن تتم الفرحة الليلة قبل غد.
اجتمع أهل الزقاق في احتفال بهيج، بعد أن غربت شمس يومهم وأشرق بصيص شعاع الأمل في قلوبهم، يغنون ويرقصون ويهتفون باسم ابنهم الذي رفع رأسهم بين أزقة الحي. استمر الاحتفال في بهجة وسرور إلى أن دفع الفضول امي الضاوية، كعادتها، لتسأل عبد الله بوكرش عن الوظيفة الذي استلم. تردد بعض الشيء، كانه يبحث عن الكلمات المناسبة، ثم تفوه: دلاّل..
فسألته المرأة:
- دلاّل.. ؟
أخفق رأسه وأجاب:
- نعم..دلاّل.. دائرتنا..
خيم الصمت على الجمع فترة ليست بالهينة، وفي الثانية التي بعدها انفضوا من حوله وبقي هو بصحبة نجوم السماء المتألقة في فضاء لا تطوله يده..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 20 مايو 2024




.. عوام في بحر الكلام -الأغاني المظلومة في مسيرة الشاعر إسماعيل


.. عوام في بحر الكلام - قصة حياة الشاعر الكبير إسماعيل الحبروك




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: الأسطورة الخالدة الأغ