الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العربية و التعريب بالمغرب

أحمد عصيد

2010 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أن ينادي المستشار الملكي عباس الجراري بضرورة تطوير اللغة العربية و الإشتغال على نسقها اللسني و إغناء معجمها بالمصطلحات العلمية الحديثة المترجمة و ملاءمتها مع الحاجات التقنية لعصرنا، دون أن يوضح الأسباب التي جعلت العرب حتى الآن يتأخرون عن فعل ذلك، يجعلنا نطرح سؤالا جوهريا عن مدى جدوى الكلام في العموميات، بدون البتّ في المظاهر الحقيقية للأزمة، و إن كان النداء في حدّ ذاته معقولا لا خلاف فيه، إذ من حق كل واحد أن يسعى إلى تطوير لغته و حمايتها و تأهيلها لخوض التنافس القوي الذي يطرحه تحدي العولمة، و هو أمر مطروح على الدولة المغربية ليس فقط بالنسبة للعربية بل تجاه جميع اللغات الوطنية، حيث عليها توفير الإمكانيات الضّرورية لتحصين موروثنا اللغوي العريق و النهوض به و إدراجه في دينامية المؤسسات .
أما أن يقوم الوزير الأول المغربي عباس الفاسي بجمع منتخبي حزبه و الخطبة فيهم و تحريضهم على تعريب محيطهم ناصحا لهم بأن يستعينوا "على قضاء حوائجهم بالكتمان"، فهو أمر مخالف تماما للدعوة العلمية إلى تطويراللغة العربية، كما أنه يكتسي طابع "المؤامرة"، إذ يصبح دعوة صريحة إلى التعريب الإيديولوجي الذي قاومناه و نقاومه بكل قوة و عزم، لأنه خيار لا وطني ما دام هدفه الرئيسي تصفية التنوع اللغوي المغربي لصالح اللغة العربية، التي يراد لها بغير وجه حق أن تكون "اللغة الوحيدة" للمغاربة في المؤسسات و واجهات الفضاء العمومي، و هي خطوة يراد منها عبر تعريب المحيط تعريب الإنسان و الذاكرة و الشخصية الوطنية، أي إفقارها و تحويلها إلى هوية عوراء أو عرجاء، عبر التضحية بإرث ظلّ لآلاف السنين قبل مجيء العربية بكثير، رمزا للعبقرية و للتميز المغاربي عبر القرون.
نقول هذا لأننا نعلم أنه لا خوف مطلقا على وضعية اللغة الفرنسية، التي يدّعي دعاة التعريب محاربتها، لأنهم أول من يحرص على استعمالها و إتقانها و تعليمها لأبنائهم بمدارس البعثة الثقافية الفرنسية.
إن نتيجة ما يدعو إليه عباس الفاسي واضحة، و قد عبر عنها الفريق البرلماني لحزبه بالإقتراح الذي تقدم به قبل مدّة إلى البرلمان، و الذي يتلخص في المطالبة بالحكم بالغرامة على كل من استعمل لغة "غير العربية" و حروفا غير الحروف العربية، ليس فقط في الإدارة و المؤسسات الرسمية، بل و في الجمعيات و الشركات الخاصة و واجهات المحلات و اللافتات و الدعوات و داخل القاعات العمومية، و هو ما يعني أنّ المستهدف ليس اللغة الأجنبية بل التعدد اللغوي الداخلي و الوطني، و اللغة الأمازيغية تحديدا بحرفها الأصلي تيفيناغ .
و قد أشار عباس الفاسي إلى الفتوحات العظيمة التي حققها منذ توليه رئاسة الحكومة في تعريب الإدارة بوزارات الأوقاف و التعليم و الثقافة و الصحة و الداخلية و العدل والسكنى والتعمير، و كذا محاضر الشرطة والدرك، و حتى تذاكر القطار، و هو أمر يتناقض مع النواح و صرخات الإستغاثة التي ما فتئ يطلقها البعض لإنقاذ اللغة العربية التي انحسر استعمالها في مؤسسات الدولة كما يزعمون، و قد دعا الوزير الأول إلى "تعريب كل المجالات التي لها علاقة بالمواطنين"، و كأن المواطنين المغاربة لا لسان لهم غير لغة الضاد الكلاسيكية أو لغة الإفرنج الأجانب، و هو ما يطرح أكثر من سؤال عن مدى نية الحكومة في إنجاح مشاريع التنمية الحقيقية التي تحتاج إلى إدماج كل شرائح المجتمع عبر التواصل اليومي و الفعّال بلغات القرب الجماهيرية.
و حتى يُنصّب عباس الفاسي نفسه ناطقا باسم المغاربة قاطبة أشار إلى أن: "الجميع يؤمن بضرورة اعتماد اللغة العربية لمواجهة الغزو الأجنبي"، ليعود و يتناقض مع نفسه قائلا :" "المهم هو أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان لأن هناك من لا يريد سياسة التعريب"، و الحقيقة أنّ موضوع اللغات بالمغرب ظلّ زمنا غير يسير بدون أية سياسة محكمة و حكيمة، تعطي لكل لغة وضعيتها الطبيعية في الدولة و المجتمع، مما جعل الموضوع يظلّ مجالا للصراع البيزنطي بين خطاب مؤدلج و منافق لورثة "الحركة الوطنية" الأوثوذوكسية، تلامذة الجاكوبينيزم الفرنسي، و بين المستفيدين من هيمنة اللغة الفرنسية على بعض القطاعات.
إن المطلوب تحديد وظائف اللغات الوطنية و الأجنبية، و تدبير تدريسها و توظيفها بعقلانية و واقعية، عوض السعي إلى جعل اللغة العربية تتحمل أعباء لا تستطيع مطلقا النهوض بها لوحدها بسبب طبيعتها و نسقها و موروثها الثقافي التقليدي الذي ظهر بأنها لا يمكن أن تنفصل عنه.
إن الحديث عن "الغزو الأجنبي" من طرف الذين يعتمدون بشكل مطلق و كامل على الأجنبي و ثقافته في تعليم أبنائهم و استثمار أموالهم و حتى في ممارسة هواياتهم و قضاء أغراضهم اليومية هو ضرب من الضحك على الذقون لم تعد أهدافه تخفى على أحد، فعلى السيد عباس الفاسي الذي تولى منصبه بعد فضيحتي النجاة و انتخابات 2007 التي قاطعها الشعب المغربي، أن يخبرنا بعد تعريب التعليم عن المآل الذي آل إليه، المآل الذي جعل المغرب يحتل في التعليم مرتبة متخلفة عن دول هي في حالة حرب و اضطراب، و عليه أن يخبرنا عن الأسباب التي تجعل التلاميذ المغاربة الذين يتلقون 11 ساعة من حصص تعليم اللغة العربية في الأسبوع لا يتمكنون حتى من الكتابة بها بشكل سليم بله إتقانها، و هي أكبر حصّة في استعمال الزمن بالتعليم المغربي، و على الرجل أن يجيبنا بعد هذا السؤال و ذلك عن الأسباب التي تجعل وزارة الداخلية في حكومته تتدخل لمنع الكتابة بالحروف الأمازيغية تيفيناغ في الفضاء العمومي و هي حروف تم إقرارها رسميا لتعليم الأمازيغية في المدرسة العمومية، و أن يخبرنا عن مآل الإلتزامات الدولية للمغرب أمام لجنة الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية بجنيف، حيث دعت اللجنة إلى عدم مصادرة حق الأمازيغ في استعمال لغتهم الأصلية في كل المجالات. و على الوزير الأول و زعيم حزب "الحركة الوطنية" أن يخبرنا عن محل دعوته التحريضية من الإعراب في زمن أعلنت فيه السلطة العليا عن ضرورة انتهاج سياسة "جهوية موسعة"، و أن يشرح لنا كيف يمكن لمنتخبين في جهات المغرب أن يقوموا بتعريب الفضاء و المؤسسات دون اكتراث بلغات و لا ثقافات الجهات، و كيف يمكن انتهاج سياسة جهوية في الإدارة و الإقتصاد و المجتمع و استثناء العمق الثقافي و اللغوي للجهة ؟
تدفع تصريحات السيد عباس الأمازيغ إلى التحلي باليقظة و التحرك لحماية لغتهم التي تحاك ضدها مخططات غير نظيفة في سياق صعب يعرف نزوعا نحو إعادة تشكيل الحقل السياسي و الرمزي بالمغرب، فإقرار فضاء عمومي بلغة واحدة وحيدة و إدارة للدولة لا تخاطب الشعب إلا بلغة السلطة دون لغات الشعب، هي من مظاهر الميز الصارخة التي ينبغي التنديد بها، كما أنها من علامات انتهاج سياسة لا تحترم الشعب المغربي بكل مكوناته المتنوعة.
إن الأمازيغ ليسوا ضد أية لغة لا العربية و لا غيرها، و لم يكونوا قط في تاريخهم ضد لغة أو ثقافة من الثقافات، و هم يحبون التنوع و الإختلاف و الحرية و النسبية، و يكرهون التنميط و التعليب، كما يكرهون الإستعمار و يرفضون الوصاية، و يريدون تدبير شؤونهم بأنفسهم، و إذا كان المسؤولون الحاليون يعتبرون أنفسهم مغاربة من الشعب و إليه، فعليهم أن يكفوا عن النظر إلى ثقافة الشعب و لغاته كما لو أنها غريبة عنهم أو لا يشعرون بالإنتماء إليها و لا بأي احترام تجاهها، لأنّ ذلك ما قد يجعلهم في وضعية المستعمِرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأخذ الدنيا غلابا.
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 3 / 24 - 17:40 )
عباس الجراري المخزني ومن يواكبه ،لا يخيفوننا إذا أقتنعنا بلساننا وهويتنا ومشروعية مطالبنا، ولنتأكد سلفا بأن المكاسب التي تحققت للأمازيغية لن تثمر ألا إذا واكبتها حركات مطلبية وباستمرار ، لأن القطط المخزنية لا تطلق اللحم بين أيديها إلا أذا لوحقت وأجبرت عن التخلي عن جزء ولو يسير مما استولت عليه . .
تحياتي لنضالكم المسموع والقروء .


2 - لماذا هدر الوقت؟!!
محمد احمد ( 2010 / 3 / 24 - 21:48 )
احترم التنوع اللغوي والثقافي لكل دولة، واعتبره مصدرا لثرائها الثقافي، ولكن.. لم افهم مصلحة الأمازيغ في العودة آلاف السنين الى الوراء ونبش اللآثار للبحث عن حروف لكتابة لغتهم وتضييع الوقت في وضع القواعد والأحكام لها على أمل تحويلها الى لغة علم وحضارة!! والحال كما نرى أنه حتى العربية بما راكمته من تطور عبر قرون وما اسهمت به في الحضارة الانسانية لم تعد قادرة على مواكبة التطور الحضاري اليوم!! لماذا لم يستعمل الأمازيغ الحروف العربية باعتبارها لغة ثانية لهم في كتابة لغتهم؟؟ على افتراض أن العربية عدو عقائدي لهم ،ما فهمنا من كتابات معظم الأمازيغ، لماذا لم يستعملوا الحروف اللاتينية لكتابتها.؟
حقيقة ارى ان هناك هدرا للوقت والجهد الأمازيغي لمجرد الإثبات للعالم أنهم شعب متميز لا تربطه اي صلة بالعرب والعربية، ذلك أن هذا التميز وحسب اعتقادي موجود على ارض الواقع ولا يحتاج لكل هذه الضوضاء واللغة الاستعدائية لجزء من مكون البلاد وهويتها. واعتقد ايضا أن اللغة في عصر العولمة لم تعد حصنا منيعا للهوية، فسكان المغرب اليوم يرتبطون بالفرنسية اكثر من ارتباطهم بالعربية او الامازيغية.


3 - التاريخ واللغة عنصرا هوية .
الطيب آيت حمودة ( 2010 / 3 / 25 - 09:07 )
الأمم تبحث لنفسها عن تاريخ ، ، ولعل ما تشدق به جيسكار ديستان رئيس الجمهورية الفرنسية أثناء زيارته للجزائر ذات عام من أعوام الآستقلال ( 1975) قائلا : فرنسا التاريخية تحييي الجزائر الفتية ، ولم ينتبه لمعناها المبيت سوى مولود قاسم رحمه الله بمقالات نارية تثبت تجذر هذه الأمة التي تعد أسبق من فرنسا ذاتها .
إن تاريخ الأمم قدسي لا يمكن بتره وتمزيقه ، فهو كل متكامل قديمه وحديثه ، والإنتساب إلى الأرض هو أكثر الهويات قبولا ، لما تتيحه من تناغم بشري ، واللغة الأمازيغية لها أبناؤها ، وهم القادرون عن اختيار الأنسب لهم في كتابتها ، دون الحاجة لإملآت تخفي أدلجة مُقتنع بها ، والعربية والفرنسية لا قيمة لهما بالوزن الفاعل ، لأن العولمة أثبتت أمية كل من لا يحسن الأنجليزية .
ومعايير الهوية متبدلة ومتغيرة ، وأمتنا الأمازيغية من خصائصها منذ القديم ،الانفتاح على كل الحضارات واللغات دون عقد وخلفيات ، وهو ما تقرأه على لسان واحد منهم بالعربي ؟ !!!
ثنميرث.


4 - قضية عادلة
azinouz ( 2010 / 3 / 25 - 12:19 )
اظن ان القضية الامازيغية قضية عادلة فمهما حاول البعض التعتيم عليها فانها ستتقوى اكثر وستنتصر لان الحقيقة لا يمكن حجبها للابد فالامازيغ شعب قائم بداته ولن يستطيع اي كان ان ينكر دلك او ان يحاول تذويبه في هوية بعيدة عنه بعد الشمس عن الارض والاختلاف سنة الله في الكون وان الاستئصاليين انما يعاندون سنة الله في خلقه ولن يفلحوا ابدا

اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته