الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (بؤس الديمقراطية - اشكاليات)

غسان سالم

2010 / 3 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



الكتاب مناقشة مشحونة بعاطفة المواطنة المفقودة في ديمقراطية الطوائف، في لبنان المأزوم، والتي مازالت تنوح بمآسيها، وبطولاتها المفقودة على حدود الدولة.
يبدا سليم حداد كتابه بنقد ديمقراطية القلاع الطائفية بجملة من الاسئلة الاستفزازية اذ يقول "عن اي ديمقراطية يتحدثون؟ وهل تكفي الدعوة الى انتخابات (حرة نزيهة) في ظل العلاقات الاجتماعية المحكومة بالطائفية والقبلية والعشائرية، كي ننام على حلم الديمقراطية؟ وهل القوانين كل القوانين، منها قوانين الانتخابات تعتبر اداة كافية للديمقراطية؟ هل ان الثقافة والدين وحقوق الانسان تشكل مرتعا خصبا للديمقراطية؟ وهل الدولة والاحزاب وسائر التجمعات النقابية والمؤسسات العامة والخاصة تدفع بالمجتمع في اتجاه الديمقراطية؟ان التخلف والفقر والجهل، عوامل يمكن ان تشق مجتمعة الطريق نحو الديمقراطية؟".
يوجز الكتاب اشكاليات الديمقراطية في لبنان، والتي تتشابه في كثير من حالاتها مع اشكاليات الديمقراطية الناشئة في العراق، ويحددها حداد بسبع اشكاليات، لربما نختلف معه او نتفق، لكننا مع ذاك نوجزها للقارئ وهي كالتالي:
الاشكالية الاولى: الديمقراطية والعلاقات الاجتماعية
تقوم الديمقراطية على اساس الحرية الفردية، وتتشكل الاغلبية من تجمع الخيارات الفردية تلك، مع ابقاء حقوق الاقلية، والتي يمكن ان تتحول الى اغلبية في مرحلة ما، لكن هذا الشرط لا يتحقق في المجتمعات التي تحكمها العلاقات العشائرية والقبلية والدين والمذهب، حيث تمتلك كل جماعة زعيما تنظر اليه على انه "رمز الوحدة والعزة والكرامة" وتنساق المجموعة كالقطيع وراءه دون تلك الفردية التي تمتلك خياراتها المتعددة، والتي تعتبر شرطا للديمقراطية، ونجد هنا ان الفرد يذوب ويتلاشى امام الانسياق وراء اهواء هذا الشيخ او الزعيم، او كما يقول سليم الحص رئيس لبنان الاسبق "يجنح من اليسار الى اليمين ومن اليمين الى اليسار".
ويعتبر الكاتب هذه البنية الطائفية، نقيضا صارخا للديمقراطية، وشكلا بعيدا كل البعد عن حكم الشعب لنفسه.
"لا يمكن ان يكون هناك ديمقراطية والمجتع العام منقسم الى طوائف"
ويرى الكاتب ان الديمقراطية لن تتحقق الا اذا سقطت هذه القلاع وانهارات الطوائف.
الاشكالية الثانية: الديمقراطية والدولة
الامة تصنع الدولة وليس العكس.. تزايد الشعور بالمصالح المشتركة والثقافات المتمركزة نحو قيم موحدة هي التي تؤدي الى تشكل الدول، لكن الدول في الشرق الاوسط نشات بقرار خارجي مع تلاقي بعض الرغبات (الداخلية) بنشوء هذه الدولة او تلك.
يؤكد حداد ان الدولة اللبنانية لم تنشا نتيجة لارادة الامة، لكنه يعترف بوجود رغبة محلية سعت لتكوين هذه الدولة، لكن هذه الرغبة لم تكن تعبيرا عن ارادة كلية بنشوء الدولة.
ان هذه المعضلة -عدم نشوء الدولة على اساس صحيح- تقف عائقا في ترسيخ الديمقراطية الصحيحة، ويرى ان السلطة السياسية لم تستطيع تجاوز هذا التناقض، وبقت متجذرة في انقساماتها، وظلت الدولة قلقلة، ولم يستطيع العامل الخارجي ان يوحد اللبنانيين، ويجعلهم يخرجون من قلاعهم كي يؤسسوا الامة اللبنانية، التي هي شرط لوجود دولة للبنان الديمقراطية.
ويصل حداد الى نتيجة بعدم وجود مجتمع مدني في لبنان، ويؤكد ان هناك مجتمعات مدنية متعددة فيه، وليس مجتمعا واحدا.
اذن عدم بناء الدولة على اساس الامة ونشؤها بقرار او تأثير خارجي يقف عائقا اما ترسيخ الديمقراطية.
الاشكالية الثالثة: الديمقراطية والقانون
الاشكالية الثالثة هي في تعدد القوانين وعدم توحدها وشمولها لجميع انواع الوطن، حيث تنقسم القوانين في لبنان الى قسمين الاولى عامة وتشمل جميع اللبنانين والثانية خاصة تشمل كل طائفة ومذهب، وبالتالي تنعكس على ترسيخ التقسيم بين هذه الطوائف والمذاهب ويدعو الكاتب الى ايجاد قانون مدني يشمل الجميع لتجاوز هذه الاشكالية التي يعدها سببا رئيسيا لعدم ترسيخ الديمقراطية.
ويقول حداد "نحن بلد تتحكم فيه الاستثناءات التي تفرضها الفئوية الراسخة في بيئتنا الاجتماعية، ولابد من اسقاط هذه الاستثناءات كي تسقط الولاءات الطائفية وتتهيئ الظروف الملائمة لنمو ولاء وطني بديل يسمح بتحقيق الديمقراطية".
الاشكالية الرابعة: الديمقراطية والتنمية
يؤشر الكاتب في هذه الاشكالية على الارتباط المتبادل بين التنمية والديمقراطية، فهو يرى ان الديمقراطية لا تكون في مجتمع يعاني الفقر والجهل كما انه يؤكد ان التنمية تكون ناتجا للديمقراطية، ولا تتحقق التنمية في مجتمع الطوائف لانها تبقى منغقلة على ذاتها ولا تخلق فرص النمو الذي يشمل الاقتصاد والثقافة.
ويضيف "لا ديمقراطية دون تنمية على قاعدة الاتحاد المتوازن شعبيا ومناطقيا، ولا تنمية الا في ظل الدولة المجسدة لفكرة الوحدة الوطنية القائمة على حالة من الاندماج الوطني والاهداف المشتركة للمجتمع السياسي الذي يتشكل من جماعات المجتمع المدني".
الاشكالية الخامسة: الديمقراطية والثقافة
ينطلق حداد في مناقشته لهذه الاشكالية في لبنان بالتأكيد على ان "الثقافة هي عنصر ملاصق للتنمية"، ويؤكد ان عصر الانوار لا يتحقق دون تطور في ثقافة تكون قادرة على البناء للوصول الى التنمية في جميع المجالات.
ويضيف في مكان اخر "ان الانسان وثقافته هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق تغيير حقيقي علما ان الثقافة شيئا يلقى على جماعة من الخارج دون اية علاقة بالحالة الخاصة وبالوقائع القائمة والمستمرة".
ويؤشر سلبا على المؤسسات التعليمية اللبنانية التي انقسمت بحسب طوائف لبنان بدل ان تكون مركزا لصهر هذه الثقافات وتشكيل ثقافة وطنية جامعة لكل اللبنانيين فهو يعتبر "الجامعة والمدرسة ليستا سوى اداة لنقل الثقافة الفئوية التي تكرس الانقسام والانغلاق والتراث الفئوي وغير الديمقراطي وهي التي تعيد انتاج البنى الاجتماعية المتهافتة الحاملة في طياتها بذور الحرب الاهلية الكامنة والمعرقلة لاية امكانية للديمقراطية".
الاشكالية السادسة: الديمقراطية والدين
يحاور الكاتب في هذه الاشكالية المعوقات التي يكون فيها الدين سببا لعدم نشوء الديمقراطية مع ان الكاتب يؤكد ان الدين في اصله (انطلاقته) عبارة عن حركة تحرير وتحرر تحرير من احتلال وتحرر من قيم فاسدة الى قيم جديدة تعطي زخما للتطور والتقدم.
ويقول بهذا الشان "مما لا ريب فيه ان التحرير والتحرر شرطان ضروريان لتحقيق الديمقراطية اذ لا مكان للديمقراطية في ظل الاحتلال كما انه لامكان للديمقراطية في مجتمع مقهور ومقموع من داخله. لكن العلاقة بين الدين والديمقراطية في عصرنا الحاضر تبدو معقدة جدا ومتناقضة جدا لاسيما في بلد مثل بلدنا متعدد الاديان والمذاهب حتى التخمة".
ويشخص ان الجماعة الدينية تحولت الى جماعة سياسية وهذا هو الاشكال الذي يراها الكاتب بين الديمقراطية والدين.
الاشكالية السابعة: الديمقراطية والعلاقات الدولية
مما لا شك فيه ان للعامل الخارجي تاثير كبير على الديمقراطية ولا يمكن اهمال تأثيره وبهذا الخصوص يشخص الكاتب في كتابه هذا بشأن لبنان "كان ولا يزال الساحة التي تتلقى الصراعات المتفجرة في منطقة الشرق الاوسط بكاملة بين القوى المتنافسة على ثرواته او على النفوذ فيه تأمينا لطرق التجارة والاستعمار".
وهو يؤكد ان العامل الخارجي "كان معيقا لعملية التطور الذاتي نحو التوحيد والحرية والديمقراطية من خلال استغلاله للانقسامات الداخلية عبر الحمايات التي مارسها لمصلحة هذه الفئة او تلك او هذه الطائفة او تلك. الكتاب بشكل عام يمثل وجهة نظر تؤكد على ضرورة تجاوز التخندقات الطائفية في لبنان لبناء دولة ديمقراطية وليس ديمقراطية الطوائف كما هو قائم الان، لكن لم يجيب الكاتب عن السبب الذي يجعل فئات وطوائف تتقاتل اكثر مما تعمل معا تستمر في التواجد في دولة مصطنعة من قبل العامل الخارجي ولم تنشأ نتيجة ارادة امة تتوحد فيها المصالح المشتركة؟
ولم يذكر الكاتب اليات الخروج من هذا المأزق، فالدولة قائمة، وهي دولة طوائف، والديمقراطية لم تتحقق بعد، لعدم قيامها على اساس المواطنة، لكنه يخاف من "انهيار الهيكل على رؤوس الجميع".

الكتاب: بؤس الديمقراطية ــ إشكالات
تأليف: المحامي د. سليم حداد
الناشر: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتزويع
ط1 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا