الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظلومة يا ناس

طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)

2010 / 3 / 24
الادب والفن


كم السّاعة ؟!
كم السّاعة!!! ولماذا؟!
وإذا عرفت ماذا يعني؟! ماذا يتغيّر؟!
اليوم هو الجمعة، لا ..لا .. لو كان يوم الجمعة لكان التفقد الصباحي مبكراً..
ربمّا السّبت .. لكن يوم السّبت يكون التّنفس قبل الظّهر!! .. ما اليوم إذاً ..؟!
لا يهم، لا يهم، ربما السادس أو السّابع ما الفرق..؟!
على الأغلب السّابع... السّابع... في المهجع السّابع من سجن المحافظة/العاصمة .. نحن في السابع من العاصمة، سأنام...
لكن .. ألم أستيقظ منذ قليل؟! منذ قليل فقط، أو ربما منذ بضع ساعات، أو أكثر بقليل أو بكثير..!!
يا ربّي متى استيقظت؟!
أبو .. نائم، وأبو.. نائم، أما أبو.. فلا ينام، وأبو.. لا يفيق، منذ بداية الحبسة وهو نائم...
والبقيّة..؟! أين البقيّة ..؟!
ألم نكن أكثر.. ؟! أعتقد أننا كنّا أكثر... لا.. لا.. نحن مثلما نحن عليه.. لم نتغيّر.. لم ننقص، ولم نزيد، منذ خرج أبو.. وأبو..
لكن أبو ... خرج منذ شهر... كيف منذ شهر..؟! منذ شهرين.. وربما منذ سنة على أقل تقدير.. وربما سنتين...
يبدو أني هنا منذ دهر أو دهرين...
قال أبو.. أنه لا يتذكر حاله إلا هنا... ويعتقد أنه ولد هنا في السّابع من العاصمة أو التاسع أو الخامس وربما الأول..
لا يتذكر بالضّبط، قال أمس أو أول من أمس أو ربما الأسبوع الماضي.. قال.. وكلّنا سمعناه..
كان يحاول أن يتذكّر أمراً مهماً .. لا أذكر ما هو .. قال:
" يالطيف قدّيش صارلي بالمهجع هون، وقدّيش صارلي بالسجن!! يالطيف.. يالطيف.. صار لي بالمهجع من سنة يلي طلع أبو .. وأبو"
-"لكن أبو .. طلع منذ سنتين فقط" !!
-"أيّ سنتين..!! منذ خمس أو ست وربما أكثر.. أكثر بكثير..!! من أيام السوالف الطّويلة.. لا .. لا .. من أيّام القصيرة..".
-" لكن القصيرة كانت بعد الطّويلة .. وليس قبلها..!!".
-" وقبلها كانت أيضاً أنت لا تذكر..!!".
وأجوع فأشرب من صنبور الماء الثقيل...
-" يا شباب... يا شباب... يلّي جوعان، يشرب مي... بيمشّي حالو..."

* * *
الملتزم هو اسم المصباح المركزي في المهجع، لا أعرف من سمّاه، لكن لأنه دائم الاشتعال.. لا يرتاح لحظة واحدة.. والغريب أنّ "اللمبة "المعلّقة فيه لا تحترق أبداً...
فعلاً غريب..!! لا.. لا .. لقد انطفأ مرّة ... أذكر ذلك...
لقد كان ذلك في الأسبوع الماضي، والعطل كان من ... من... لا أعرف ممّا كان بالضّبط.. لا أعرف ما اسم القطعة..؟!
لحظتها، قال أبو.. يا لطيف ما أحلى العتمة..!!؟ لا.. لا.. أبو .. هو الذي قال...
كيف أبو .. هو الذي قال..؟! لقد خرج منذ ثلاث سنوات.. يعني أن الحادثة وقعت منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير..
لا.. لا.. أعتقد أن أبو.. هو الذي قالها، أو أبو .. أو أبو .. وربما أنا، ولم لا.. أنا من فترة لأخرى أقول شيئاً ما..
ليكن من يكون.. لا يهم.. المهم أنّه كانت اللحظة تلك جميلة جداً .. جميلة ونادرة...
احتج أبو.. على صباح الخير، هو أو أبو .. وربما أبو..
قال يومها: كيف يمكن للصباح أن يكون خيراً .. سيما هنا.. ثم اعترض على مساء الخير..
لا..لا .. هذه غير هذه .. تصبحون على خير كان أبو.. هو الذي اعترض، وحولها إلى تصبحون على إفراجات، أو على عفو، أو على عزرائيل، لا أذكر بالضبط.. لا.. لا .. عزرائيل أتى فيما بعد..
أولاً كانت تصبحون على عفو، ثم أصبحت تصبحون على خوازيق.. خوازيق تركية.. لماذا تركية..؟! ما ميزة هذه الخوازيق..؟!
سألتُ أبو .. مرّة، وقد كان شارداً، قلت: بماذا تفكّر؟!
قال : لا شيء .. لا أفكّر، ثم تأتأ كثيراً قبل أن يقول:
-آخ .. في زحمة.. زحمة أفكار..!!
قهقهت، فصرخ السجان من بعيد:
-"اخرس ولاك..."
فسكتُّ ، وسخرت من أبو.. وقلتُ دماغي لا يتسع لفكرة واحدة، حتّى أفكّر بأكثر.. كيف بحالك أنت، وأنت أقدم منّي في السّجن..
أقدم بكثير..!!
سعة التفكير تقاس بمدى المكوث، أعني الناتج الإجمالي الفردي في السجن أو أعني الناتج الزمني الفردي.. أو..
أبو.. هو الذي قاسها بهذه الطريقة .. أبو.. أو أبو.. أو ربما أبو..هو من فكر أن يقيسها بهذه الطريقة..
أبو.. يراقب " الكردور" الخارجي، من الشق الذي حفرته السنون بين الباب الحديدي والجدار..لا.. لم تكن السنون، بل العيون..
لا.. لا.. لم تكن العيون بل عيدان المكنسة..
تركته ينام، وسرقت ثقوبه لأرى "الكردور" كنتُ أرى بكل حواسي، أو كما يقال جوارحي.. لا أعرف إذا كان يقال "جوارحي" ..
المهم أني سمعت طقطقة حذاء ناعمة، لا تشبه ما نسمعه عادةً..!!
ربما سمعت، أو رأيت طقطقة حذاء ناعمة، فأنا لا أدرك أي حاسة كانت تعمل في تلك اللحظة..
كلي كنت أشتعل، أنطفأ الملتزم وقتها، ثم سمعت غناءً..
لا..لا.. طقطقه ناعمة..لا..لا..غناءً..
تمسكت بالشق أو بالثقوب.. انبطحت عليه أو عليها..
تكوّمت حواسّي كلها هناك، وأيقنت أني سأرى المستحيل.. سمعت "مظلومة يا ناس .. أنا مظلومة".
أغنية تردِّدها.. لا أعرف من تردِّدها؟! حوريّة .. جنيّة..
بين الجدران!! بين الثقوب!! وصرختُ، أنثى!! أنثى!!
يا شباب .. وانتفض الجميع، وهجمت العيون، كل العيون،كل العيون كانت كتلةً واحده ترتجف...
خافت أنثاي.. دارت مذهولة.. حاولت أن تهرب من المفاجأة..
صرخت: أنا هنا.. أنا هنا.. وقفتْ، هدأتْ، ثم استفسرت:
ـ من أنت؟!
ـ هنا.. هنا.. هنا.. في الثقوب...
ـ من أنت..؟!
ـ أنا هنا... هنا...
ـ ماذا تفعل؟!
ـ لا أعرف...
ـ لوحدك؟!
ـ معي أصدقائي
ـ ماذا تفعلون؟!
ـ لا أعرف .. لا أعرف !!
وكنت أبكي، وكانوا يبكون... خيط حزن رقيق عبر وجهها الجميل ثم قالت :
ـ لا تبكوا....!!
كانت تفكر ماذا يمكنها أن تفعل... أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت زنار ثوبها الطري، فانزلق ردفيه.. فتحتْ جناحيه بيديها، فانسكب جسدها الرائع في عيوننا....
لا..لا.. في جوارحنا ...
تجمّرت أنفاسنا.. عَبَر الورد تفاصيلنا.. ثمَّ تذكرت شعرها، فانتزعت منشفةً كانت تلفّ رأسها بها،فسالت الخصلات شلالاً فوق وجهها وصدرها وأيدينا..
خرقتنا رائحة الدفء من كلّية الطاقة... كلّية الحركة.. تناثر طيف الأنثى في أرواحنا اليابسة ، وغسلها.. أعاد إحياءها على مشارف نهديها...
أيها الرب إن كان حلماً فلا توقظني، وإن كان حقيقة فاتركني أموت..!!
تركت ثوبها يرفرف من جديد، لفّت شعرها، عقدت زنارها، لوّحت بيدها اليسرى.. ارتجف صوتها أو نحيبها.. مضى سحرها أو طيفها...
مرق يعبر مسام الطريق أو يذوب في عيوننا أو جوارحنا...
وحده الصدى جاء يلثمنا بعبير موسيقاها الشجية:
" مظلومة يا ناس.. أنا مظلومة"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل
معد حسن ( 2010 / 3 / 25 - 23:13 )
كان دائما خلف الشقوق في انثى...ولا مافي....لا ..
...اكيد..

اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس