الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موالاة الاحتلال بين العقلية الثأرية وانتهازية الفشل الحضاري

سعد الدين ابوالحب

2004 / 7 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من الصعب جدا تفسير الظاهرة الاجتماعية والحالة المرضية النفسية ذات النزعة الماسوشية (إيذاء واحتقارالذات) المتمثلة بقبول قطاعات شعبية عريضة بمبدأ الاحتلال عبر تبريره الواهي اوالمساهمة العملية بتدعيمه. الا ان ما هو اصعب من ذلك محاولة تفسير تفشي هذة الحالة الخطيرة اليوم بشكل واسع بين العراقيين المعروفين بتأريخهم الحضاري واستقلاليتهم وكفاحهم العنيد. فهل كان الحصار الامريكي الصهيوني، الذي اجاع العراقيين وحطم اقتصادهم وذل كبريائهم ونقلهم الى مصاف شعوب القوارب، وحده كفيلا بتحقيق ما عجزت عن تحقيقه ولعقود عساكر الاستعمار البريطاني وثعالبه؟ ام ان الاضطهاد والارهاب السياسي والقومي الشوفيني والفساد الاداري العشائري وصبغته الطائفية في ظل نظام صدام حسين والذي يتعلل به الطائفيون والشوفينيون الجدد الموالون للاحتلال اليوم كان هو العامل الاساسي لقبولهم المشاركة باعادة احياء مستعمرة هند انكلوامريكية جديدة في بغداد وبطريقة اثارت اشمئزاز واستهجان حتى هنري كسنجر الماكر والستراتيجي المخضرم الذي ابرع ولعقود في عمله لإرساء اركان الهيمنة الامريكية في العالم. فهو قد اشمأز على الاكثر للاسلوب المبتذل والرخيص اخلاقيا الذي اتبعه الساذج سياسيا وثقافيا بوش الصغير، مدلل قصور ضواحي نيويورك الراقية في كنتيكت، للعب دور البطل القومي الامبراطوري الامريكي والقائد المعجزة بين ليلة وضحاها. ولربما كان سبب تفشي هذه الحالة الانهزامية الى حد القبول بتدمير الذات مرتبط بجميع الاسباب المذكورة اعلاه مضافا لها عوامل ذاتية حاسمة لا بد من الوقوف عندها والاعتراف بها.

فقد كانت مواقف غالبية حركات المعارضة العراقية ورموزها المتمركزة في الخارج بشقيها الديني والعلماني والتي سبقت الغزو الامريكي مواقف متطرفة وغير مبدأية همها الاساسي ازالة نظام صدام حسين باية ثمن حتى لو كان ذلك يعني تدميرالدولة العراقية والبقية الباقية من بنيته التحتية او الدخول في متاهات مرحلة غير محددة اكثر سوءا بكثير من سابقتها على حاضر ومستقبل العراق وشعبه. وعند تفحص هذه المواقف نجد ان مبدأ الثأر بجذوره السقيمة البعيدة عن التمدن كان الدافع الخفي الاول والاخيرالذي استندت عليه طروحاتهم وافعالهم. ولسوء الحظ لم يكن عدوهم اللدود الحاكم في بغداد اقل ثأرية او اكثرمبدأية فهو كما نعلم استخدم منهج العنف المفرط والعقاب المبالغ به بابداع قل نظيره. وبعد احتلال العراق وبتشجيعه اصبح منهج الثأرالقانون الرسمي والمرجع الاخلاقي للقوى السياسية المتواطئة مع هذا الاحتلال عبر مجلس الحكم اوالحكومة الانتقالية. واخذ منطق الثأر ابعاد جديدة بعد انتشارهه حتى بين العراقيين العاديين في الداخل ممن لم يكن متحمسا في السابق لدكاكين المعارضة الثأرية المتطرفة الرابضة في عواصم الغرب والشرق. وتشجع البعض الكثير من قليلي الحياء واشباه المثقفين الشوفينيين والطائفيين الى الجهر بدعوات الانتقام ليس فقط من رموز نظام صدام حسين الفاشي بل وحتى من المدن العراقية التى انجبت عموما هذه الرموز.

كما دفعت غريزة الثأر المتخلفة هذة القوى السياسية الى مستويات متدنية قل نظيرها. فكان شعارها ودستورعملها مبدأ ان عدو عدوي صديقي. بل انها قامت بتطويره باضافة مبدأ جديد وهو ان عدو صديقي عدوي كما لاحظنا ذلك من خلال مواقفها من الغالبية العضمى من شعوب وحكومات اوربا التي رفضت اطلالة حرب الهيمنة الامريكية و من خلال مواقفها من الجارتين سوريا وايران . فهم بذلك وضعوا انفسهم في خندق واحد مع اصدقاء جدد من غلاة الصهاينة الاسرائليين والمتطرفيين العنصريين والمبشريين المسيحيين المتصهينين ممن يتباكى لسنيين على شرقهم المغتصب عبر الفتوحات الاسلامية. حتى اصبح الصهيوني المحترف ولفووتزعراب مستقبلهم المزدهر المزعوم. ورغم استمرار قيادات المتدينين والعلمانيين المعارضة باجترار شعاراتها السابقة، الا انها قامت في الخفاء بعقد الصفقات المشبوهة التي تذكرنا بصفقات صدام حسين قبيل حربه على ايران الخميني. فبينما لم يتواطئ الحسين (عليه السلام) مع جيوش الروم البيزنطينيين الرابضة على مشارف الدولة الاموية، تواطئ المدعين في إرث مبادئه عبر واقعيتهم المزعومة مع رومان عصرنا الراهن. ورغم ان الماركسية هي مبدأ العداء للاستعمار جديده وقديمه، اختزلت بقايا الشيوعيين الانتهازيين مواقفها من الدين بالعداء المفرط لكل ما له صلة بالاسلام دون غيره و اختزلت مواقفها الاممية بالدعوة لتغليب المصالح الشوفينية الضيقة للاقليات القومية على مصالح الاغلبية العربية حتى اصبح كتابهم ومثقفيهم رسل الاحتلال الاكثر حماسا واصبح قادتهم في اوائل المتطوعين لدعم دكتاتورية الاحتلال الجديدة بعد ان اسهبوا بتعليل مزاياها العلمانية وتمدنها المزعوم.

فبعد قرارالامريكان الصهاينة بتصفية صديق الامس صدام حسين ضمن منهجهم المعروف بالغدر الدائم بعد حين بالاصدقاء المعزوليين شعبيا وذلك لاستبدال الوجوه والادوار. بدأ ظهور تيار متميزمن دعاة الثأر العراقيين في منافي الغرب. فبين ليلة وضحاها طل علينا كتاب كنعان مكية (جمهورية الخوف) الذي طرح مجموعة مختزلة ومدروسة بدقة من قبل الرقابة الصهيونية لكلمات حق يراد بها باطل. وبدأ احد اهم ناشطي هذا التيار الجديد، احمد الجلبي، نشاطه المحموم بين عواصم العالم لكسب قيادات العراقيين المترددة ولتوظيف الانتهازيين . وبغض النظر عن اعتقاده بمشروعية جهوده هذه لكسب معركة ازاحة نظام صدام حسين باية ثمن بما في ذلك تضليل قادة الغرب ومخابراتهم. نود ان نطمئنه هنا ونشير الى ان عليه ان لا يشعر بالذنب كثيرا لارتكابه خطيئتي الكذب او التضليل، فاقناعه المزعوم ادارة بوش لاحتلال العراق هو كاقناع طارق عزيز عراب صفقات صدام حسين مع الغرب ادارة رونالد ريغن بدعم العراق في حربه على ايران. مستندين بذلك على المقولة الامريكية الشائعة (انك تبشر بين المؤمنيين مسبقا يا هذا)!

من الصعب الحديث بالتفصيل في مقالنا المختصر هذا عن العوامل الاساسية التي ادت لظهور تيار المنفى العراقي في الغرب ودوره الخطير في احتلال العراق واستكمال الجهود الصهيونية في تدمير تطوره الحديث. الا اننا لابد ان نشير الى ان اركان هذا التيار كان ولايزال خليط عجيب من اجيال الثأريين العراقيين الممتدة من ضحايا بكر صدقي الاشوريين وحتى ضحايا صدام حسين الشيعة ومرورا بضحايا القمع الشيوعيون وضحايا الجمهورية الملكيون وضحايا الاقتصاد والحصار الامريكي من اللاجئين العاديين. فقد جمعت العقلية الثأرية باهدافها الضيقه هذه المجاميع رغم تضارب مستهدفيها بالثأر. وكان في صفوفها الشيوعيين والمتدينين الشيعة والسنة واحزاب الاقليات الطائفية الشوفينية والانفصالية والبعثيين الذين احسوا بقرب نهاية نظام حسين وغيرهم ممن اتعبتهم مشقة المنافي وصعوباتها الاقتصادية والنفسية او اغرتهم المنافع الانتهازية الشخصية المحتملة لتعدد الجنسيات. ولابد ايضا من الاشارة الى ان الغالبية العظمى من المنتمين لهذا الخليط الموالي للحرب والاحتلال غلف اهدافهه الانتهازية بطروحات شمولية متطرفة معادية لكل ما يمت بصلة للمبدأية والايديولوجيا والتحرر والتأريخ والعدل والكرامة والسيادة والاستقلال والتراث والسلام العالمي والمصالح العليا للامة والتحليل النظري والمنطقي وغيرها. حيث عاشت غالبيتهم لعقود معانات الازدواجية الشخصية الناجمة من تأثير صدمة الحضارة الغربية والفشل الاقتصادي لحياة اللجوء القاسية في اوربا وامريكا. فبقيت هذه المجاميع متقوقعة في تفاصيل حياتها السابقة رغم اكتسابها الدوني لقشورالحضارة الغربية. حيث فشلت غالبيتهم حضاريا في استيعاب وفهم الدور الاساسي للمفاهيم اعلاه في تدعيم الحضارات العالمية وخاصة الحضارات الغربية. ومن المفارقة ان يستهزء هؤلاء عبر طروحاتهم وافعالهم بمفاهيم المبدأية والسيادة الحقيقية والتطور المستقل و الاستناد الى الخبرات التأريخية وينعتنوها بالشعارات القديمة بينما يدعوا في نفس الوقت انهم رسل الحضارة الغربية واداتها القادمة لبناء العراق النموذجي. فليست خطيئتنا ان هؤلاء التلامذة الفاشلين لم يتعلموا شيئا من تأريخهم وتأريخ غيرهم وتناسوا سايكس- بيكو ووعد بلفور وفيتنام وهيروشيما والشريف حسين وعمر المختار وحتى صدام حسين. وليست خطيئتنا انهم يفتقرون القابلية على التحليل الموضوعي والدراسة المستفيضة الاصيلة لظواهرنا الخاصة ومصالحنا الوطنية العليا اسوة بالامم المتحضرة الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ