الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرامي والحمار ...؟

مصطفى حقي

2010 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



سيد نزيه إنسان بسيط ونزيه فعلاً لايقرب الحرام ولا يخالف القانون ، في
بداية عمله الوظيفي شغل موقعاً حساساً ، ووقف سداً منيعاً أمام أصحاب
النفوذ للتسلل إلى فرص أرباح مؤطرة بشرعية القانون ، وحقيقتها احتيال على
القانون ، حاول مديره استمالته ، وإقناعه بالعدول عن حنبلته ، وأن يفيد
ويستفيد مثله مثل الكثيرين ، وفخار يكسر بعضو ، ولكن السيد نزيه لم
يستسلم ، وأصر على المعاملة ، وفق القانون ، وكانت النتيجة ووفقاً
للقانون أن جُردّ من منصبه بقرار إداري ليشغل عمل مكتبي روتيني في
الصادر والوارد ، ولا يحل ، ولا يربط ، أما من كان يشغل هذا العمل
الروتيني الممل ، والفاضي من أي مكسب ، أو مغنم فقد حل محل السيد نزيه
وأرضى مديره وفتح جيبيه واستفاد وأفاد .. هو السيد راضي ،والنتيجة ان هذا
الأخير كان يصل مكتبه صباحاً ويغادرها ظهراً في سيارته الخاصة ، بينما
السيد نزيه يمشي على قدميه نصف ساعة ذهاباً ، ومثلها إياباً ليداوم
وينصرف من عمله ، ويصل إلى بيته مجهداً ، ومن مساويء الصدف ان منزل
السيد راضي يجاور منزل السيد نزيه ، وهما موظفان في دائرة واحدة
ويتقاضيان الراتب ذاته ، ولكن هناك اختلاف كبير بينهما في كل شيء منزل
راضي أكبر وأوسع ومؤلف من خمس غرف ، ومؤثث بفرش فاخر بينما دار نزيه صغير
عبارة من غرفتين ، وأثاث رث مهتريء ، مصروف السيد راضي أضعاف ما ينفقه
السيد نزيه على المأكل والمشرب ، وبالهاتف تصل طلباته الدسمة إلى منزله ،
بينما في الفترة الأخيرة امتنع السمان عن تزويد أسرة نزيه من الحاجات
الأساسية للمعيشة بحجة أن مقدار الدين قد يتجاوز راتبه ولا يمكنه ايفاءه
آخر الشهر ، وكذلك ما ينفقه راضي على ملابس أولاده، وزوجته يفوق بعشرة
أمثال تكاليف ملابس أبناء ، وزوجة نزيه ، وهناك الولائم والسهرات المكلفة
في منزل السيد راضي لأصحاب النفوذ من رؤسائه والمسئولين عنه ، ونزيه يعجز
عن دعوة حماته ، أو عمه إلى حفلة عشاء متواضعة .. في المقهى يتداولون
سيرة راضي ونزيه ويصفون الأول بالحرامي النظيف الذكي وينعتون به الرابح
في لعبة (الكونكان) ، والثاني بالحمار المعتر الغبي ويمثلونه بالخاسر في
تلك اللعبة ، وأما في مضافة المختار فالصورة كانت أوسع عندما كان يتندر
مقهقهاً في مضافته ، وهو يردد، ولا كل الحرامية ، أستاذ راضي قدها وقدود
، يُرضي قبلَ أن يرضى ، ويدفع قبل أن يأخذ ، إبن حرام ليس له مثيل ، وذكي
حربوق لا يشق له غبار ، في الحقيقه أنا أحبه وأفضله على الكثيرين ، يكفي
انه يستقبلك بابتسامة مهللاً مرحباً ، وبعكس المعتر نزيه ، صحيح انه
نزيه ، ولكنه جامد مثل الصخر، ولا تزحزحة ريح عاتية ، ووجهه عابس أبداً
، وبالكاد يرد عليك السلام ، و لا يتلاعب بالقانون ، ولا يفرق بين
المراجعين ولا يهاب أحداً مهما علا منصبه إلى درجة أنه قد ردّ مديره
المسؤول عنه مباشرة ، ولم يقبل وساطته في الالتفاف على القانون ، مما حدى
به إلى لف نزيه بحبل القانون الذي يدافع عنه ويتشبث به ، وأزاحه عن منصبه
، ولم يشفع له أحد .. ياشباب مع أن نزيه كان شريفاً ، ولكنه في الوقت
ذاته كان غبياً ( ويضحك الجميع ) ، ثم يعلق أحد الحضور ، يا مختار برأيك
الحرامي أفضل من الحمار ..؟ وينحرج المختار ويرتبك ، وبعد انتظار ممل يرد
مع ابتسامة سياسية .. إذا قلنا أن الحرامي أفضل ظلمنا الحمار ، وإذا
فضلنا الحمار على صبره وانصياعه نلنا من طموح اللص وحركيته ، الحقيقة يا
شباب لاأستطيع أن أفضل أحدهما عن الأخر فاللص لص والحمار حمار .. ولله في
خلقه شؤون ، ولكن أحد الحضور فاجأ المختار : لا يا مختار ، لقد خذلتنا ..
كيف تساوي الحرامي المجرم المخالف للقوانين بحمار صابر مسكين يأكل لقمته
بعرق جبينه وكد ظهره وحمل قوائمه وصبرٍ رائدٍ ضُرب المثل به .. لا يا
مختار .. الحمار أفضل بمئة مرة من الحرامي ، وبالتالي فإن السيد نزيه
أشرف ، وأفضل من السيد راضي .، وهنا ظهر السيد الملقب بالسكوتي لأنه
نادراً ما يتكلم ، وردّ على المتكلم الأخير ، تقول يا سيد أن الحمار أفضل
بمرات من الحرامي ، أسألك من سمح للسيد راضي أن يكون (حرامي) إلا نتيجة
صبر ، وخنوع ، وحمرنة الحمير نتيجة الاستسلام القدري ، والرضى بحمل
الأثقال على ظهورهم مع الضرب بالعصا ، والنخز بالمنخل ، وهم صابرون على
الجور والظلم أمام غطرسة السيد المطاع لقاء ، وجبة علف تقليدية في اسطبل
عفنٍ ، وسامحونا يا شباب، وغادر المضافة ...؟ وهنا ثارت حمية أبا عساف
(العصبي المزاج) وانتصب واقفاً وهو يرعد : يكفي كل واحد ( يتفلسف) (ومو
دريان بحالو) قضية راضي حرامي لص ونزيه حمار غشيم ماهي مكتسبة ، انها
ارادة الخالق ، فالإنسان مسيّر وليس مخير ومكتوب عليه ان كان حماراً أو
حربوقاً ذكياً فذلك نصيبه في الحياة ، ومختارنا طوّل الله عمره (خرمنا)
ولم يقدم لنا قهوته اللذيذة وهو ملته مابين الحرامي والحمار ، يامختار دع
ما لقيصر لقيصر وما لله لله وشربنا قهوتك( بلا حرامي بلا حمار ) وعلى
الدنيا السلام ...؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حنبلة أم دونكيشوتية؟
عبد القادر أنيس ( 2010 / 3 / 27 - 07:29 )
نقرأ في المقال: -في المقهى يتداولون سيرة راضي ونزيه ويصفون الأول بالحرامي النظيف الذكي وينعتون به الرابح في لعبة (الكونكان) ، والثاني بالحمار المغتر الغبي ويمثلونه بالخاسر في تلك اللعبة - وهذا الوصف صحيح في مجتمعاتنا. النجاح يقاس بالمظاهر والنفوذ.
الضمير في (يتداولون) يعود على الناس، وبصفة عامة الشعب. هنا نجد أنفسنا أمام مأزق: نزيه عبارة عن دونكيشوت أو زورو أو سوبرمان، ويريد التصدي لوحده للشر، وهو فعلا حمار وغبي ونضاله ميؤوس منه وخاسر سلفا إلا في الأحلام، بما فيها أحلام اليقظة. لعل نزيه يمثل ذلك المناضل الاشتراكي أو الشيوعي الذي كان يعتقد أنه بالإمكان تحرير الأبدان قبل تحرير عقول الناس وإعدادهم للتضامن ضد الشر عن قناعة ودراية. وإلا فالأسلم اتخاذ موقف إبيقوري خاصة في مجتمع لا يسمع الناس فيه إلا لصوت القدر في انتظار الخلاص في عالم آخر وهمي. موقف نزيه صعب في غياب ميزان قوى يسند ظهره.
تحياتي


2 - الاستاذ العزيز مصطفى حقي
سالم النجار ( 2010 / 3 / 27 - 13:06 )
يسعد مساك

, في ظل تفشي الفساد والمحسوبية والرشاوي في الوطن العربي اصبح الشريف عملة نادرة وغير مرغوب بها وملاحق من جميع الاجهزة الامنية. اما الحربوك والشاطر اللذي يستغل منصبه لمصلحته الشخصية ويزيد من رأس ماله على حساب المال العام هو المُكرم داخل الوطن وتفتح له جميع الابواب وتقف له الناس اجلالا ًواكراماً, ولا اريد ان اكرر ما قاله الاستاذ عبد القادر حول ملاحقة الحكومات واضطهاد ها للقوى اليسارية الرافضة لكل اشكال الفساد في المجتمع

اخر الافلام

.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد


.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات




.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو


.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط




.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا