الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب باللوكيميا

وليم نصار
مؤلف موسيقي ومغني سياسي

(William Nassar)

2010 / 3 / 26
كتابات ساخرة


استيقظت صباح اليوم وكنت رجلا بليدا ... باردا .. دون مشاعر ... لا يهمني حصار غزة ولا تهويد يبوس أو "القدس" .. ولا صراخ الاطفال والنسوة في العراق.
حاولت اقتراف العادة اليومية التي ورثتها عن والدتي بأن أغتسل بمجرد أن أنهض من سريري.
دخلت الحمام وخلعت ملابسي ... ولا أدري لماذا تذكرت بأنه مر علي دهر ولم أنظر إلى المرآة.

يا ربي .. لا أذكر أنني استضفت أحدا في بيتي .. من هذا الذي يقف معي في الحمام وينظر مثلي إلى المرآة؟
تلمست وجهي ... إنه أنا !!!!
لكن .. ما الذي تغير؟ فأتذكر بأنني أصبحت في الأربعين وهذا يعني أنني في طريقي إلى الخمسين .. ثم إلى ...
يا إلهي ؟؟ لا .. لا .. لا أريد ذلك .. أريد أن أبقى محتفظا ببلاهة الاطفال .. أريد أن أبقى محتارا بالاسئلة الصعبة مثل: "هل مهبل المرأة بالطول أم بالعرض؟" أو "كيف تدور الأرض ولا ندوخ؟"
****
أين ذهبت طفولتي؟
لماذا سرقت مني سنين المراهقة؟
لماذا يرحل الأصدقاء دون وداع؟
لماذا لا يتحول الرفاق إلى أصدقاء؟
لماذا لا يبقى الاصدقاء أصدقاء؟
لماذا يتغير الاحبة؟
أطنان من الأسئلة قذفها رأسي دفعة واحدة ...
أسئلة تصلح عناوين للكتابة، ثم أتذكر بأن طبيبي اتصل بي وأيقظني ليزف لي الخبر السعيد: "عليك أن تمر إلى العيادة فقد أظهرت التحاليل أنك أصبت من جديد باللوكيميا، سرطان الدم، وعلينا أن نبدأ العلاج الكيميائي والاشعاعي بأسرع وقت ممكن".
****
عاودت النظر إلى المرآة، فقال لي أنا:
"هل تعلم أن الاصابة بالمرض للمرة الثانية أصعب من الأولى؟"
"هل أنت مستعد لخوض تجربة التمسك بالحياة من جديد؟"
"ماذا عن الألم والشعور بالغثيان والقيء؟"
ماذا عن وماذا وماذا وماذا؟؟؟؟


أفففففففف .... ما هذا النهار؟
وللامانة التاريخية فاني أصارحكم بأنني خالفت وصية الوالدة ولم أغتسل ذاك الصباح .. واستعضت عن ذلك بأن لحوست نفسي مثل البسينات وخرجت من الحمام إلى غرفة المكتب ... مزلبط ... مثلما خلق الله آدم وحواء قبل ارتكابهما الفاحشة التي كانت سبب وجودنا على هذا.

أجلس خلف طاولة مكتبي ... مزلبط ... آخذ ورقة وقلما لأقوم بجردة حساب تاريخية ... أو كما يطلق عليها الشيوعيون النقد الذاتي والتي كانت سببا في تخلي الكثير من الشيوعيين عن شيوعيتهم إما كي لا يمارسوا النقدالذاتي أو لأن رفيقا انتقدهم.

المهم بأنني عددت النساء اللواتي عرفتهن ... عددت المعارف الكثر والأصدقاء القلائل .. تذكرت وجه شقيقي ووجه أمي وهي تزغرد أثناء تشييعهما فداء لفلسطين والجنوب والقضية والأمة ... كما تذكرت وجه أبي وهو يطلق الرصاص في الهواء ابتهاجا بحصوله على شرف أنه أصبح والد شهيدين، وتذكرت أنني كنت صغيرا يومها ... وأصبت بالغثيان من كلمات شد الأزر والمباركات بالشهادة مثل : فدى الوطن أو تحيا الأمة...
أي وطن هذا وأية أمة؟
****
قسمت الورقة إلى عامودين ... عامود للسيئات وآخر للحسنات.
يا إلهي كم ارتكبت من أخطاء ... لكنني شعرت بالراحة عندما تذكرت ما يقول االاخوة المسلمون بأن الحسنات يذهبن السيئات، وهذا ما رجح كفة محمود درويش بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
ولذا .... عزمت على خوض التحربة من جديد مع كل ما سيرافقها من ألم ومن غثيان وفقدان شعري من جديد طوال فترة العلاج. يا الله .. كم سأفتقد شعري..
****
لكن ماذا عن الحب. ماذا عن الحبيبة؟
ماذا عن حلمي الذي تجلى ذات صباح بامرأة؟
أين هي تلك المرأة؟
لماذا رحلت تلك المرأة؟
لماذا لا تعرف الحب تلك المرأة؟
وبدون سابق إنذار أطلقت النار على فكرة نزفت هدوءا وسكينة ....
الانتحار ....
ولم لا؟ !!!
وحدهم من يمتلكون الشجاعة قادرون على إنهاء حياتهم بايديهم دون مساعدة عزرائيل الدموي، وبغض النظر عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة، أو كما يحلو للشيوعيين التشدق لتبرير كسلهم وعجزهم فيسمونها الظروف الذاتية والموضوعية.

نعم .. الانتحار .. فكرة مجنونة وجميلة وأوريجينال.... لكن ...
هل سيغير موتي شيئا؟

سيستمر التلاميذ بالذهاب إلى المدارس ... وستستمر الكراهية بين المسلم والمسيحي ... وسيبقى جهابذة المسلمين وفطاحل الصليبية يتشاوروون فيما إذا كانت القبلة الفرنسية باستخدام اللسان حلام أم حرام ..

هل سيغير موتي شيئا؟

سيستمر اليهود في تدمير القدس .. وسيستمر العرب في اللعب بأصابع ارجلهم ...

وماذا عن الحبيبة؟ هل ستحزن؟
يطلق رأسي هذه المرة زخات من الرصاص..

أية جبيبة؟ بلا هبل يا صبي .. ستجد غيرك كما وجدتك ... لكن أبدا لن يكون هناك رام ...
يستقر رأيي أخيرا ... نعم الانتحار ... سأنهي حياتي بيدي دون منة عزرائيل أو سرطان الدم .. ولأفلسف الفكرة كما عادة الشيوعيين استقريت على التالي:
الانتحار غالبا ما يكون مظاهرة احتجاج أو مظاهرة حب ... وأنا أمتلك السببين معا ...
****
يبدو أن الخالق لا يريدني في ملكوته بعد ... ما زلت حيا ... أتنفس هواء بلاستيكيا ...
لكنني أرمن وبهذا أشهد ... أننا نموت دون حب.
___________________________________
د. وليم نصار - مؤلف موسيقي وناشط سياسي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال