الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذراً أيها الحكيم البابلي – لقد كنت صغيراً جداً حينذاك ، ولم اكبر

زيد ميشو

2010 / 3 / 26
حقوق الانسان


في إنشودتك الأخير " كان يامكان في بغداد " وأنت تسرد ذكريات لا أعرف كيف لملمتها وجمعتها ، ومانوع الصمغ المستعمل لبقائها في ذاكرتك طول الوقت ، عاتبتني لأنني تشبثت بالحروب لتكون مبرراً على فقداني لذكريات جميلة ، وبقي عتابك حتى في إتصالنا الهاتفي وأنت تحثني على قلب الذكريات ، فقلت مع نفسي العجوز ، عليك بالذاكرة ، فبغداد هي نفسها ، عاش بها الحكيم وخرج منها بكنوز من المعرفة ، فقد تأمل بسمائها ونخيلها وأشجارها وورودها ، وقرأ تاريخها وعشق أرضها وناسها ، ولم يشأ أن يخبأ كنزه ، بل أخذ على عاتقه أن يقاسمه من الجميع شيئاً فشيئاً ، ولأجل ذلك اتت أناشيده تجمل صفحات الحوار ، وشرّع صناديق كنوزه أمام الجميع ، وكل من شاء غرف ماملكت يمينه .
فكرت وفكرت ، ولم أصل بذكرى تزيد عن سنوات معدودة بأصابع اليد عن طفولة قضيتها في شوارع منطقة المشتل ودرابينها ، العب مع الصحبة لعبة الدعبل ( الخرز أو الكلول ) وكرة القدم والتي عادةً تنتهي بالشتائم وضرب الحجار ، طفولة لم أفهم منها غير اللعب والشغب ، فأين ذهبت السنون الأخر ؟
لم تمضي سوى شهورً حتى كسرت حاجز الطفولة فاتحاً مرحلة جديدة من الحياة ، فقد كان لقاء شلة من الأصدقاء علموني ماتعلموه قبل أيام ، وكانت النقلة النوعية بين ليلة وضحاها لمعرفة جديدة ، خبيثة وماكرة ، كانت ممكن أن تكون مرحلة نضوج ، إلا إن الأيام أتت بما لم نتوقع .
أشهر قليلة بعد هذه النقلة وإذا ننهض مفزوعين بصوت المدافع ومقاومة الطائرات ودوي القنابل ، وكانت بداية حرب خلناها ستنتهي بعد أيام . فقلت لعمري ، قف لاتتحرك ، ستنتهي حتماً وسأعود واكمل كسائر البشر دورات حياتي الطبيعية وأعيشها بحذافيرها ومتطلباتها . وبعد ستة سنوات إنتهى كل طموح لدى الشباب الواعد والحرب لم تنتهي ، وكان أول ضياع ، فقد أوقفت الزمن ولم أعش مراهقتي ، وحان موعد الخدمة العسكرية .
أوقظت مرحلة المراهقة من سباتها ولم أستأنفها ، بل رميتها في وسط محرقة أكلت عنفوان شبابنا وطموحاتهم وآمالهم ومستقبلهم .
وقلت ، أنا الآن في ريعان الشباب ، ماهي إلا سنتين وأنهي خدمتي الإلزامية ، فيا عمري ابقى كما أنت ، سأعود لك وأستأنف حياتي كما يعيشها الشباب في العالم ، ولم اكن أعرف بأننا في عالم يختلف عن العالم .
ستة سنوات أخرى جمّدت من حياتي ، لم أعرف منها ماذا يعني الفترة التي تسمى جزافاً على أبناء جيلي في العراق " مرحلة الشباب " .
أيقظت عمري مرة أخرى من سباته ، وإذا بحيوتي المفترض ان أكون عليها قد ذبلت ، وخسئت فقلت لم يفت العمر كثيراً ، وها أن سأبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة الرجولة .
ولأني لم اعش مراهقتي كما هي ، ولم أعرف مايعني الشباب ، لذا كنت رجلاً أسيراً لعكازات تقيد حركتي ، فلا خبرة بهذه الحياة ولا معرفة ، فترنحت كالسكران لايعي أين هو ، ومن يكون ، ولماذا يعيش ، فما هي إلا ثلاثة سنوات أخرى برجولة شبه راقدة ، حتى قررت الهروب علّي أجد ضالتي .
ولم أعرف ماخبأه الزمن من مفاجآت .
وبدأت قصة ضياع جديدة ، تسعة سنوات في دولٍ يقولوا عنها شقيقة يعرف أهوالها القاصي والداني ، والعقل في سبات ، والطموح لاأعرف مايكون ، لكن معناه مخزون في الذاكرة إلا إنني لاأملك أي برنامج لتشغيله . حتى وصلت إلى أرض الميعاد في الشهر السادس من عام 2003 ، كندا ، الأمل المنشود والمستقبل العظيم ، وكنت قد بلغت حينها السابعة والثلاثون من عمري حسب السجلات .
لقد سرقنا وسرقت حقوقنا في حياةٍ طبيعية ، ولا نعرف إن كنا أحياء حينذاك أم أشباه أحياء
فرفقاً بي ايها الحكيم ، فلا العراق يتذكرني ، ولا ذاكرتي تحركّت معه ، فهل أنا ملام ؟

رابط الموضوع – مداخلة رقم 45 - 52
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=208795








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ زيد الحترم
على عجيل منهل ( 2010 / 3 / 26 - 10:15 )
تحية مباركة يوجد عدة طرق للتعبير عن كل فكرة احسنها طريقة واحدة هى التى اجادها الكاتب المجيد .والساءمة علامة النفس الشريف. والذوق السليم هو هذا الاحساس الفطرى الذى ينمو ويتهذب بالتربية, وهو الشعاع اللطيف الذى صاحبه الى ان يقول ما يناسب المقام, ويتجنب مالا يناسبه, هل تعرف اخى العزيز ان احد الاخوة علق على مقال لة اليوم ,, وكان حول الديمقراطية فى العراق بان كلمة فى المقال وردت فيه حرف الجر وعليه تكتب الفائزين وليس الفائزون بعد حرف الجر,,, على,,, تحياتى واحترامى وتقديرى لروح وبعد افكارك


2 - نعم
شامل عبد العزيز ( 2010 / 3 / 26 - 11:08 )
تحياتي أخي زيد - شكراً لك وللحكيم - نعم لقد ضاعت سنون الشباب في فترة ما بعد عام 1980 والحكيم العزيز لم يكن هناك في تلك الفترة - من حق الحكيم أن يتذكر بغداد ولا يستطيع أن يغادرها في فكره وقلبه ولكن أيام الحرب والحصار ثم الآن الأمريكان سواءاً غزو أم تحرير أم احتلال - لقد فاتت فرصة على شباب العراق وهم بالملايين كان بالإمكان أن ينتقلوا نقللة نوعية لولا تلك الأيام العصيبة التي عصفت بنا
تقديري لك


3 - أخي الحبوب زيد
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 3 / 26 - 15:13 )
شعرتُ ببعض انكسار عاطفي في كلماتك تجاه الماضي فهببت لأرى أخي الجميل ماذا حلّ به ؟ حياتك يا زيد من متاع التاريخ الغليظ الذي يشعل الوجدان ويلهب العواطف فكيف تستخفّ به ؟ ليس المهم الأحداث بحرفيتها, المهم أن تستنبط المغزى من هذا الماضي الذي أراه يعجّ بالذكرى يا أخي . إذا ظللت أسيراً لنظرتك المستهينة بما حفل فإن ما حققته قليلاً وستمضي حياتك وأنت تعدّ ما بقي لك من عمر في قادم الأيام , أما إذا أفلحت أن تمدّ المعرفة الواعية لتلك الفترة وحللتها بنفس تأملي فإنها ستكون المضاف الانساني إلى تجارب اليوم , فيطول حبل الذكرى وتطول معه حياتنا بشرط أن تؤمن بنفسك وبكل لحظة حياة تعيشها وتهب روحك للتجربة باخلاص , لأني أؤمن كما ذكرتُ مرة عند كاتبة فاضلة : أن الحياة في حب الحياة , هذا الحب في فورته هو الجنائن المعلقة وهذا الحب نفسه في خموده إحياء لذكرى تبلّ القلب والعين , فاملأ حياتك وحياة أولادك حباً وكنْ حريصاً عليه فهو أغلى ذكرى يا أخي الغالي


4 - كيف نمتطي الألم الذي إمتطانا
الحكيم البابلي ( 2010 / 3 / 26 - 17:59 )
عزيزي زيد
ربما فشلت في إيصال فكرتي
الذي قصدتُه بالضبط أنه لا يجب على الكاتب أن ينتظر الأحداث الجسام الدسمة أن تطرق بابه بل عليه أن يطرق بابها ، فحَوْلَ كل منا آلاف لا بل ملايين المواضيع الحياتية ، حتى الأشياء التافهة التي لا يعيرها الناس أهمية ، تستحق أن نكتب عنها بعد تطعيمها بمادة فكرية جادة أو ساخرة قد تستقطب إهتمام بشر ما
كنتُ أحفر في حديقتي يوماً ، وجدتُ فردة حذاء نسائي قديمة مهترئة
ولساعات كنتُ أفكر .. من كانت صاحبته ؟ هل لا تزال حية ؟ كيف كانت حياتها ؟ هل أنجبت ؟ من هم أولادها ؟ هل يعلمون أن حذاء والدتهم مدفون في حديقتي ؟ ماذا كانت أحلام تلك السيدة وتطلعاتها ومعاناتها وآلامها وإجتهاداتها ؟ وإن كانت ميتة .. فأين قبرها ؟ وكم وددتُ دفن ذلك الحذاء قرب قبرها ، فربما ذلك سيسعدها
هل هذا المثال يكفي يا زيد ؟
كل معاناتك في العراق وفي الأردن ولبنان تجارب ثمينة نقدر أن نستخلص منها عشرات القصص والمواضيع الجميلة ! عندئذٍ .. نكون قد إنتصرنا على سلبيات وتداعيات الماضي ، لأننا نكون قد حولناها إلى إيجابيات .. عن طريق الحروف المُضيئة
عندئذٍ فقط سنتصالح مع الحياة .. ليبدأ العطاء
تحياتي


5 - السيد علي عجيل منهل
زيد ميشو ( 2010 / 3 / 26 - 18:43 )
في نهار مشمس قرب شاطيء جميل ، وأشجار جوز الهند الجميلة على الضفاف ، يلعب بأوراقها نسيم الهواء . وجميلات هاواي يترنحن في مشيتهن وطوق الورود كأكليل على رأسهن ، وبعص خصلات الشعر تتطاير . في غمرة هذا الجمال يختبيء شخص بيده بندقية صيد رقم واحد من الصباح حتى المساء ، علّه يجد طير يوجه صوبه سلاحه ويصطاده .
هذا الصياد لايهمه كل الجمال الذي حواليه مثل أخينا المعلق الذين يتصيد باحثاً أخطاء لغوية ويترك الفكرة
ودمت


6 - السيد شامل عبد العزيز
زيد ميشو ( 2010 / 3 / 26 - 18:58 )
أخي العزيز
كان أيلول 1980 شهراً إنقلابياً على الزمن
كان آخر محاولة لرسم الخطوط العريضة لمستقبل الإنسان العراقي في شهر آب الذي سبقه
فقد كان العراقي يقول - سأفعل كذا وكذا خلال السنوات القادمة - وفي نهار معتم من شهر أيلول قتل كل تخطيط
فكنا نضحك على من يتكلم عن غده على أعتبار إنه ضرب من الخيال
تحياتي


7 - إلى قارئة الحوار المتمدن
زيد ميشو ( 2010 / 3 / 26 - 19:07 )
عزيزتي
أنا لم أقصد الكلام عن نفسي تحديدا- ، بل عن أجيال تشوهت أفكارها
وصدقيني ، لست الوحيد من طمر الكثير من ذكرياته بيده
عندما أجلس مع فارس ميشو وخالي الذي هو من عمره وصديق طفولته ، يبدأ الحديث عن الماضي ونبش الذكريات ، وأنا أسرح بكلامهم وأحسدهم على ذاكرتهم الخصبة
آخر لقاء قال لي فارس ، أين تاريخك يازيد
وكان سؤاله سبباً آخراً لشكوتي هذه على الزمن الذي لم ينصفنا
تحياتي


8 - إلى الحكيم البابلي
زيد ميشو ( 2010 / 3 / 26 - 19:20 )
لاتشك بقدرتك على إيصال الفكرة التي تريد
لقد كنت واضحاً جداً وقد إستعملت مفردات يفهمها أي كان
فليس الحكيم الذي يخفق في إيصال فكرته .
إليك هذه القصة من الذاكرة وهي حقيقية
نهار عيد الفطر ، ذهبت إلى صديقي محمد ومعي إجازات وقتية كنت قد زورتها له تمهيداً لهروبه من الجيش ، لأن الأغبياء لم ينصفوه .فقد كان من أبطال الكمال الأجسام ، وعلى قول مدربه - له مستقبل واعد وسيكون له شأن - . بينما الأغبياء لم يستفيدوا من إمكانياته ، بل جعلوه في المواجهة مع إيران في حربنا معها . وطالما هذا الصديق عمل أشياء جميلة معي ، فقد كان نعم الأخ ، ولديه أخ طبيب عسكري كنت أراجعه من أجل الإجازات المرضية كيما أتمتع اكثر مايمكنني من وقت وسط عائلتي وأصحابي .وبما إنه يعرف بأن طموحه الذي عمل لأجله قتله الأوغاد ، توسل بي مراراً لأجل مساعدته . وها أنا أفعل ، فذهبت إليه لأهنئه في عيده وأسلمه مبتغاه ، إلا إنني تأخرت ساعة واحدة فقط على تشييعه .
هذه ذكرياتنا ياحكيم ولدي الكثير منها وفارس وفرزدق لديهم أضعافها
مع الحب


9 - زيد الأخ العزيز
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 3 / 27 - 02:43 )
إذاً جوابي لك اعتبره للأجيال التي تشوهت أفكارها وطمرت ذكرياتها بيدها , وكذلك على شكواك التي سبّبها سؤال السيد فارس من الزمن , هذا المجرم الذي يسرق أعمارنا , تعال نغافله ونسرق نحن أيضاً عمرنا منه فنعيش حيوات لا حياة واحدة تكرّم بها علينا باستعلاء هيا يا زيد , كل فعل تقوم به هو الحياة بعينها , حياة محشية حيوات , متبلة بالضحكات والقفشات مطبوخة بمرقة من دموع الحزن والفرح , أدام الله الفرح عليك وتذكّرنا بعطفه الالهي ومنحنا بعضاً من سياحاتك الجميلة التي تستحق الكتابة


10 - واقعي
ناهد ( 2010 / 3 / 27 - 13:26 )
ما حاجتك الى ذكريات مؤلمة ، لعل الحكيم يرى النصف المملوء من الكاس لكن لا احد يقوى على انكار مدى تاثير الكبت والحرب ومرور السنين لا كما كنا نبغي لها ان يمر .
عموما الكاتب ، وبما انك في كندا كما اسميتها ارض الميعاد والامل المنشود معك وقت اكيد لتعيش فترة النضج من عمرك واكيد ستمزجها بخلطة ميشوية مميزة لعلك تجد ضالتك .
سلام


11 - انشودة حزينة
Nana Ameen ( 2010 / 3 / 27 - 14:18 )
أستاذ زيد ألا يكفي مقالك الذي ينبض بالحزن والأسى فتضيف قصة صديقك الذي ذهبت لتهنئه فتأخرت ساعة عن تشيعيه!!!! دعني اضم صوتي لحكيم وقارئة الحوار المتمدن وناهد لتنبش في هذه الذاكرة عن شي جميل؛ يكفي ان اطفالنا لن تعيش تحت حكم الطاغيات وفي الدول الشقيقة؛ تحياتي.

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية