الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد نجاح شعار التغيير الأوبامي داخليا - هل من أمل في التغيير الخارجي ؟

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ يعيش خلال هذه المرحلة؛ من عمر الولايات المتحدة؛ على وقع انتصار تاريخي؛ في حرب المائة عام؛ كما يسمى إقرار قانون الرعاية الصحية أمريكيا .
فقد هبت الريح هذه المرة داخليا؛ بما تشتهيه سفن باراك أوباما؛ و تم إقرار القانون الجديد للرعاية الصحية؛ رغم المعارضة الشرسة؛ التي أبداها النواب الجمهوريون؛ و كذلك المحافظون من الديمقراطيين؛ الذين دافعوا باستماتة كبيرة عن مصالح شركات التأمين.
لكن صوت باراك أوباما هذه المرة؛ كان هو الأقوى؛ و تم التوقيع من طرف البيت الأبيض على القانون الجديد؛ ليصبح ساري المفعول؛ معيدا الأمل لأكثر من أربعين مليون مواطن أمريكي؛ بميزانية فاقت 940 مليار دولار؛ ستشمل عشر سنوات .
و بهذا الانتصار التاريخي؛ يكون باراك اوباما قد نفذ جزءا كبيرا من شعار التغيير؛ الذي رفعه؛ خصوصا على المستوى الداخلي. لكن السؤال الذي ما زال يراود الجميع هو؛ هل ستكون النجاحات مستقبلا؛ على مستوى السياسة الخارجية؛ من حجم هذا النجاح الداخلي؟ أم إن باراك أوباما سيكون أمينا للخط السياسي الديمقراطي؛ و سيكتفي بإنجازاته على المستوى الداخلي؛ من دون التركيز على الملفات الخارجية الكبرى؛ بدعوى استنزاف الميزانية؛ و الأهمية الثانوية لهذه الملفات ؟
لكن بالمقابل هل سيكون لهذا الإنجاز؛ على المستوى الداخلي أي طعم؛ في ظل التحديات الخارجية؛ التي تعيش عليها الولايات المتحدة؛ سواء في الشرق الأوسط أو في أفغانستان؟ هل يكفي هذا الإنجاز ليتوج أوباما كقائد للتغيير؛ من حجم القادة الكبار في العالم ؟ أم إن شعار التغيير الأوبامي؛ ما يزال في حاجة لجرعات جديدة؛ حتى يأخذ مساره الصحيح؟
نحن هنا نتساءل من منطلق مشروع؛ تدعمه الوقائع على الأرض؛ ففي مقابل هذا الإنجاز الداخلي؛ هناك مطبات كثيرة؛ سقطت فيها الولايات المتحدة؛ على المستوى الخارجي؛ فالحرب ما زالت لم تدع أوزارها؛ في العراق و في أفغانستان؛ و هي حرب –على ما يبدو- دونكيشوطية؛ تحارب الطواحين الهوائية بسيف من خشب؛ الشيء الذي يجعلها حربا عبثية؛ لا تتحكم فيها أبسط إجراءات المنطق. لكننا و حتى حدود الآن لا نلمس قرارات جريئة؛ من رئيس آمن بالتغيير و دعا إليه؛ و طبق جزءا كبيرا منه؛ على المستوى الداخلي.
و نفس الشيء يمكن قوله؛ بخصوص المقاربة الاوبامية؛ للملف الفلسطيني؛ الذي يعتبر شوكة في حلق منطقة الشرق الأوسط؛ من دون حله؛ ستصاب جميع الملفات بالاختناق لا محالة. و على ما يبدو فإن أوباما؛ و حتى حدود الآن اخطأ التقدير غير ما مرة؛ و أصيبت جميع مبادراته بالإجهاض المبكر؛ على يد المتطرفين الصهاينة.
و بالإضافة إلى ملفات الشرق الأوسط و أفغانستان؛ يبدو أن السياسة الخارجية الأمريكية؛ أخطأت التقدير مرة أخرى؛ في علاقتها بالقوة الأسيوية الصاعدة؛ فهناك خلافات بالجملة بين الولايات المتحدة و الصين؛ تعمقت أكثر؛ منذ وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض؛ خلافات تبدأ مع الموقف الأمريكي؛ الداعم لانفصال الطايوان و التبت؛ عن الصين؛ و لا تنتهي مع الخلافات الاقتصادية المتصاعدة (آخرها ما يرتبط بالعملة الصينية).
و من شأن هذه الخلافات؛ التي تزيد كل مرة عمقا و اتساعا؛ أن تشكل خطرا على المصالح الأمريكية؛ عبر العالم؛ خصوصا إذا علمنا أن الصين تمتلك أوراق رابحة كثيرة؛ ستستعملها في أية مواجهة قادمة؛ و هذه المرة لن تواجه الولايات المتحدة؛ خصما إيديولوجيا منغلقا؛ بل ستواجه قوة فتية؛ عرفت كيف تتسلل إلى المنظومة الرأسمالية؛ و تحقق إنجازات اقتصادية باهرة؛ هي الآن تعمل على تحويلها إلى إنجازات سياسية؛ لن تكون –بالتأكيد- أقل قوة من سابقتها .
ماذا بعد هذه الإخفاقات؛ التي مني بها الرئيس باراك أوباما؛ على مستوى السياسة الخارجية؛ و هو في بداية مشواره الرئاسي؟ هل ننتظر من الرئيس الأمريكي قرارات حاسمة؛ تنهي العلاقة المتوترة؛ بين الولايات المتحدة و الكثير من الدول و الشعوب؛ في العالم؟ هل يمتلك باراك أوباما نفس القوة و الطموح في التغيير؛ التي قادته إلى تثبيت قرارات تاريخية صعبة على المستوى الداخلي؟ هل يمتلك نفس هذه القوة؛ و هذا الطموح لتثبيت قرارات تاريخية صعبة؛ في علاقة الولايات المتحدة بالعالم ?
إن ما أبداه الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ و حتى حدود الآن؛ من تفهم للكثير من القضايا عبر العالم؛ يؤكد - نظريا على الأقل- أن الرئيس الأمريكي؛ يمتلك القدرات الكافية؛ لإحداث قدر كبير من التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية؛ فقد أبدى أوباما في صراعه مع لوبيات الضغط؛ عند تمريره لقانون الرعاية الصحية؛ أبدى تفوقا سياسيا قل نظيره بين الرؤساء الأمريكيين السابقين؛ الذين كانوا يأتمرون بأمر هذه اللوبيات؛ من دون إبداء الرأي؛ و بالتالي فإنهم كانوا يعملون على تطبيق قراراتها الضاغطة؛ حتى و لو كانت تلحق أضرارا بالغة بمصلحة الولايات المتحدة داخليا و خارجيا .
و قد كان باديا منذ الحملة الانتخابية؛ التي خاضها باراك أوباما؛ أنه يحمل مشروعا سياسيا جديدا؛ تتحكم فيه رؤية مغايرة. فمن المعلوم أنه و لأول مرة في الانتخابات الأمريكية؛ يشكل مرشح للبيت الأبيض قوة ضاغطة؛ مشكلة من قوى المجتمع المدني الأمريكي؛ الذي يحتل فيه الشباب نسبة كبيرة؛ الشيء الذي أعطى لحملة أوباما نكهة جديدة؛ جعلته يحرز على ثقة الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي؛ لأن الناخب الأمريكي؛ مل من تلك الانتخابات الصورية؛ التي تصوت فيها بطريقة غير مباشرة اللوبيات الاقتصادية الضاغطة؛ و التي يكون صوتها أقوى بكثير من صوت الناخب الأمريكي نفسه؛ و لذلك فهي لا تسعى إلى خدمة مصالح المواطنين؛ بقدر ما تسعى إلى خدمة مصالحها الخاصة .
و يعتبر هذا الاختراق؛ من أهم الإنجازات التاريخية؛ التي حققها باراك أوباما؛ و التي بدأت نتائجها تظهر تباعا؛ داخليا على الأقل؛ حيث مرر الرئيس الأمريكي قانون الرعاية الصحية؛ ضدا على رغبة هذه اللوبيات؛ التي استخدمت جميع الوسائل؛ لإجهاض هذا القانون؛ منذ تقلد أوباما كرسي الرئاسة؛ في البيت الأبيض. و يعتبر هذا النجاح على المستوى الداخلي؛ في مواجهة لوبيات الضغط؛ أول اختبار يجتازه الرئيس باراك أوباما؛ بنجاح باهر قل نظيره .
لكن ماذا بعد ؟ هل ينتظر العالم نجاحا مماثلا على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية؛ في تعاطيها مع مجموعة من القضايا عبر العالم ؟ هل يمكن أن نعتبر أن باراك أوباما نجح في تقليم أظافر لوبيات الضغط؛ التي تحكمت لقرون في منطق السياسة الأمريكية؛ داخليا و خارجيا ؟ و هل يستطيع الرئيس الأمريكي تحقيق نفس الإنجاز على مستوى السياسة الخارجية؛ أم إن تفاؤلنا يحتاج لجرعة من المنطق ؟
لنحاول في هذا الإطار تناول القضية الفلسطينية؛ باعتبارها من أهم الملفات الشائكة؛ في منطقة الشرق الأوسط؛ و التي تعتبر محورا أساسيا؛ في السياسة الخارجية الأمريكية؛ شئنا أم أبينا. فهل يستطيع الرئيس الأمريكي بلورة رؤية جديدة؛ لحل هذا الصراع الذي يقترب عمره من عمر ملف الرعاية الصحية في أمريكا؛ هل يمكن أن يحقق باراك أوباما؛ ما عجز عن تحقيقه الرؤساء الأمريكيون السابقون؛ خصوصا و أن هناك ظروف جديدة؛ تساعد على التغيير؛ كما إن هناك طموحات جمة للتغيير؛ و أكثر من هذا و ذاك؛ هناك إنجازات كبيرة في الميدان؛ يمكن للرئيس الأمريكي أن يعتد بها.
لكل هذه الاعتبارات؛ فإننا ننتظر من الرئيس الأمريكي قرارات جريئة؛ لحسم هذا الصراع؛ على شاكلة الإنجاز الذي حققه على المستوى الداخلي؛ و هذا ليس بالأمر المستحيل؛ لان جميع الظروف مواتية الآن؛ لطي هذه الصفحة الأليمة من التاريخ الاستعماري.
إن أهم الأوراق الرابحة التي يمكن لباراك أوباما؛ أن يلعبها في هذا الصراع؛ هو المشروعية الشعبية الواسعة؛ التي يتمتع بها؛ من خلال إنجازاته الميدانية؛ في الحد من النتائج الكارثية للأزمة الاقتصادية داخليا؛ و التمكن من الخروج من الركود الاقتصادي؛ و كذلك من خلال الانتصار التاريخي؛ في حرب المائة عام؛ المرتبطة بمشروع الرعاية الصحية. كما إن أهم الأوراق الرابحة التي يملكها؛ و التي لم تتوفر لأي رئيس قبله؛ هو الحد من سطوة اللوبيات الاقتصادية؛ التي تتحكم في صياغة القرار السياسي الأمريكي؛ داخليا و خارجيا.
و نحن هنا حينما نشير لتحكم لوبيات الضغط في القرار السياسي الأمريكي؛ فإننا نركز على اللوبيات الصهيونية؛ التي تحكمت على مر العقود السابقة؛ في صياغة قرارات سياسية أمريكية منحازة بشكل مفضوح للكيان الصهيوني الغاصب؛ ضدا على الشرعية الدولية؛ و كذلك ضدا على القيم الأمريكية؛ التي تؤمن بحق الشعوب في الاستقلال و تقرير المصير؛ و في العيش بسلام و أمن؛ في احترام كامل للقرارات الأممية؛ التي تكمن وظيفتها في حماية استقلالية و سيادة الدول .
و لذلك كنا نشعر دائما بانفصام مرضي في الشخصية السياسية الأمريكية؛ التي تؤمن بقيم و تمارس النقيض تماما؛ لكن نظرة فاحصة لكيفية صناعة القرار السياسي الأمريكي؛ تجعلنا نفهم المنطق المتحكم في نسج الخيوط الخفية لهذا القرار؛ داخليا و خارجيا. فمن الأمور المقبولة و المشروعة أمريكيا؛ أن تتدخل الشركات الكبرى لتمويل الحملات الانتخابية للرؤساء؛ و هذه الشركات مرتبطة بشبكة من المصالح؛ داخليا و خارجيا؛ لذلك فإنها تعمل على التمويل الانتخابي؛ في انتظار مقابل سياسي.
و بما أن اللوبيات الاقتصادية الصهيونية؛ تغلغلت في المنظومة الاقتصادية الأمريكية؛ فإنها تستفيد من هذه السوق الانتخابية المفتوحة؛ و تعمل على تمويل الحملات الانتخابية؛ ليس بهدف اقتصادي فقط؛ و لكن بهدف سياسي؛ يرتبط بدعم الكيان الصهيوني؛ داخليا و خارجيا باعتباره قضية وطنية أمريكية مقدسة !!
و نحن هنا إذ نشير إلى قوة اللوبي الصهيوني؛ و تحكمه في القرار السياسي الأمريكي؛ فإننا نشير في الوقت ذاته إلى الغياب التام؛ للوجود العربي الإسلامي؛ في هذه السوق الانتخابية المفتوحة؛ ما عدا بعض الجماعات من المهاجرين؛ الذين لا يمتلكون الإمكانيات اللازمة لإحداث التأثير اللازم على القرار السياسي الأمريكي؛ خدمة للقضايا العربية/الإسلامية العادلة .
و من منظور منطق السوق المفتوحة؛ فإننا نخسر في علاقتنا بالولايات المتحدة؛ الكثير من الدعم لقضايانا العادلة؛ نتيجة لغيابنا عن التنافس الانتخابي الأمريكي؛ من منظور استراتيجي؛ يربط الدعم الانتخابي؛ بدعم سياسي مقابل؛ من طرف صناع القرار الأمريكي.
لذلك فإننا إذ نراهن على انفلات الرئيس باراك أوباما؛ من قبضة اللوبيات الصهيونية؛ فإننا في نفس الآن ندعو إلى حضور عربي و إسلامي؛ في صناعة القرار السياسي الأمريكي؛ خصوصا و أن هناك إمكانيات ضخمة لتشكيل لوبي قوي؛ قادر على الدفاع عن القضايا العربية/الإسلامية؛ فريع البترول فاق كل التوقعات؛ و النخب السياسية و الثقافية و العلمية العربية/الإسلامية؛ منتشرة على طول التراب الأمريكي؛ و تمتلك قدرات فائقة لبلورة لوبيات ضغط؛ إن لم تصل إلى مستوى اللوبيات الصهيونية؛ فإنها على الأقل ستتمكن من الحد؛ من الحرية الكاملة التي يتمتع بها الصهاينة؛ و هم يصولون و يجولون في الساحة السياسية الأمريكية بلا رقيب .
إن الحدث السياسي الأخير؛ الذي عاشت علي إيقاعاته الولايات المتحدة الأمريكية؛ يفتح أمامنا النقاش من جديد؛ عن أمل التغيير الذي يقوده الرئيس باراك أوباما؛ على مستوى الداخل الأمريكي؛ و الذي يمتلك إمكانية التحول إلى أمل في التغيير على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية. و نحن هنا إذ نشرع أبواب الأمل في التغيير؛ فإننا نخص بالذكر القضايا العربية /الإسلامية العادلة؛ و على قائمتها القضية الفلسطينية ؛ حيث يبقى المطلوب منا دولا و شعوبا؛ محاولة استثمار هذا الأمل في التغيير؛ لصالح قضايانا العادلة؛ و ذلك من منظور استراتيجي؛ يقوم على سياسة المصالح المشتركة؛ التي يجب أن تربطنا بالولايات المتحدة الأمريكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية في فرنسا: اكتمال لوائح المرشّحين وانطلاق ال


.. المستوطنون الإسرائيليون يسيطرون على مزيد من الينابيع في الضف




.. بعد نتائج الانتخابات الأوروبية: قادة الاتحاد الأوروبي يناقشو


.. ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟




.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد على الجبهة الشمالية