الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله يلعنك يا إبليس!

علي الأمين السويد

2010 / 3 / 27
الادب والفن


فجأةً يـُـقرر السيد نديم انه سيترك التدخين، فيقسم بالله وبكسر الهاء أنه تارك له. يقفز إليه إبليس موسوساً وقد تصنّع الجدية والعقلانية وراح يؤكد له أن ترك التدخين رأس الحكمة ويجب عليه أن يكون رجلاً يحفظ كلمته وعهده الذي قطعه على نفسه قائلاً: " نعم، قد آن أوان ترك هذا اللعين، ولإثبات أنك ماضٍ في قرارك ترك هذا الوباء، اسحق علبة السجائر هذه ولا تلتفت إلى كونها ممتلئة، فما حاجتك لها بعد اليوم؟" ثم يقترح عليه أن يخبر كل من يعرف بأنه ترك التدخين حتى يصعِّب عليه النكوص على عقبيه.
وبلا تدخين تمرُّ الساعات على نديم مرور القرون الوسطى ويأتيه ليل امرؤ القيس بموجه العاتي ويبدأ صاحبنا بمراجعة نفسه شيئاً فشيئاً كلما اشتدت شهوته للسيجارة التي صارت تحرق النعاس في عينيه، فينتفض كالأسد الهصور متجهاً إلى أقرب دكّان ليشتري علبة سجائر جديدة بعد أن اتّخذ قراره بأن يجعل الليل يمحو ما قرّره في النهار. يسير وقد ثقب رأسه صوت زوجته النائمة الذي يقول:"... إي والله و الله... لو أن حرارة ابنتك عبير الصغيرة وصلت للألف، والله ... لما اندفعت بها إلى الطبيب اندفاعك لتشتري علبة سجائر جديدة في هذا القطع المتأخر من الليل! يا خسارة العقل و المصاري!!!".
ومع أول سحابةٍ دخانية يطلقها من بين أسنانه المصفرة، ينهي عقله عملية تحضيرَ مليون تبرير وتبرير ليقدمه لمن قال لهم بالأمس أنه تارك للتدخين منذ تلك اللحظة.
يتلاشى كل شيء حَلُمَ بتخيله عَـقِبَ تركه التدخين ويبقى الندم الشديد على ما مضى من الوقت بلا تدخين، و الأهم من ذلك هو الندم العميق على سحق النعمة التي وهبها الله له– علبة السجائر الممتلئة، فيهز رأسه قائلاً:"كل ذلك من وحي إبليس ...الله يلعنك يا إبليس!!!"
وفي مكان أخر غير بعيد من موقع السيد نديم ينتفض السيد عبد التواب وقد بدأت تدبُّ فيه أعراض التوبة إلى الله، فيقول في نفسه انه سيصلي كل الأوقات من الآن فصاعداً ..." الخمسة بلا استثناء" يقول في نفسه مشدداً.
"بالمسجد" يصرخ إبليس في سقف رأسه.
فيقول عبد التواب في سره: " إي والله في المسجد ولم لا؟ فالصلاة في المسجد تكاد تكون فرضاً وهي تَفْضُلُ الصلاة في البيت بسبع وعشرين مرة".
يُؤَذّن للصلاة ... يتوجه إلى المسجد، يمشي ونفسه تحدثه بعِظَم أَجْر المشي إلى المسجد و عِـظَم أجر الصوم أيام الاثنين والخميس.
"صيام الدهر يا ذكي" يصرخ إبليس ثانيةً في رأس عبد التواب، ثم يبدأ بالحفر في تلافيف دماغه بالقول: "أليس صيام سيدنا داود أفضل الصيام كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟" فيهزّ عبد التواب رأسه موافقاً ومصمماً على أن يبدأ صيامه للدهر في اقرب وقت.
"بل من الغد" يعلو صوته محدثاً نفسه كأنه يريد أن يسبق إبليس هذه المرة، ثم يبتسم، كونه فعل، مزهواً بطعم النصر الناتج حتماً عن الإيمان القوي و تحدثه نفسه مستدركةً بـ" طز في عزيمة أبو حسان، فصيام يومٍ في سبيل الله يُبعِد المرء سبعين خريفاً عن جهنم."
ينهي صلاته كأنه لم يصلِ في حياته أفضل من هذه الصلاة، فيأتي الحبيب – إبليس ويقول له:" ما شاء الله يا عبدو! إما أن تكون الصلاة بهذا الشكل أو لا كانت ! أما خشوعك ، فلا أروع! ... حقيقةً هنيئاً لك!"
يخرج من المسجد وقد انتفخ صدره بفائض الإيمان الذي يظنه كافياً ليدخل أهل الأرض جميعاً الجنةَ وينقذهم من جهنم بمن فيهم شارون وهتلر والسادات.
وما هي إلا سويعة حتى يقترح الصاحب الخفي إحياء عبد التواب لليلةٍ رحمانية بالصلاة وقراءة القران، "أفلا يستحق الله منك يا عبد التواب "المرضي عليه اليوم" أن تقوم الليل في سبيله ولو مرة؟ افرض...افرض أنك تموت غداَ! أتموت دون قيام ليلةٍ واحدةٍ في سبيل الله، يا رجل؟" يقول إبليس.
فيجيب عبد التواب: " أكيد ...أكيد يستحق ربي أن أقوم له الليل، ولم لا أقوم له الليل كل ليلة؟".
يشمِّر عن ساعديه ... يتوضأ... يصلي ...ويصلي... يمسك القران ... يقرأ الفاتحة استعداداً لختمه... يبكي... فيقول له إبليس: "مالك تقرأ القران مثل الببغاء، تقيم الحروف ولا تتدبّر المعاني؟ ... تدبّر القران يا أخي تدبر!"، فيجيب عبد التواب: "ماذا؟... أتدبّر القران؟ ... نعم... أتدبّر القران ولم لا؟" و يُحْضِرُ كتاب تفسير ابن كثير الذي لديه و يبدأ بتفسير الآيات الأوائل من سورة البقرة ...يتوقف قليلاً حين يجد بعض الكلمات الصعبة... يتوقف محاولاً استعراض ذاكرته بحثاً عن معاني المعاني التي بين يديه، فتأخذه أحلام يقظته إلى أنه سيقرأ كل كتب التفسير التي سمع بها، أو ربما سيفسّر القران بنفسه لاحقاً ... من يدري لعل الله يمدّه بالعلم اللدنّي.
يغفو قليلاً وسرعان ما يُنَادى لصلاة الفجر ولمّا ينهي بعدُ قراءة صفحةً واحدة من القران ... يسرع للمسجد... يعود صائماً... وصاحبه إبليس يحصي له مجموع الحسنات التي نالها إلى هذه اللحظة بالرغم من انه حليق اللحية ومسبل السروال فهاتين لا يشكلان مشكلة "الآن".
يفكر ملياً بنتائج عمله فـَتُثْمِلُهُ الغبطة إلى درجة أنه يسقط في فراشه نائماً سقوط حجر الصوان في بركة الطين من علٍ.
في اليوم التالي ينهض من نومه متأخراً ليصل إلى الشركة في منتصف يوم العمل... يأخذ حماماً بارداً من مديره بعد الإنذار...يذهب إلى مكتبه وقد استطال وجهه نحو قدميه كثيراً... يسبّ طول وعرض المدير... يسب أبو المدير و أخت المدير هكذا إلى نهاية الدوام.
يعود إلى البيت منهكاً ... يقنعه إبليس انه لا فائدة من صيامه اليوم، فقد قذف المدير و أخت المدير...وأبو المدير و الأفضل له أن ينام إذا كان لا بدَّ من متابعة الصيام.
يستيقظ متأخراً بعد أن نام عن صلوات النهار والمساء كلها.
يشغّل التلفزيون... يطل شيخ على إحدى القنوات الفضائية ليقول:"... و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَ أَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" ثم يتحدث ذلك الشيخ قليلاً في أمور لا يفهمها عبد التواب إلى أن يقول:" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله قال :" أدومها وإن قل وقال أكلفوا من الأعمال ما تطيقون" ثم يردف:" رواه البخاري...."
يزفر عبد التواب زفرة طويلة بعد عجزه عن فهم ما قاله الشيخ إلا عبارةً واحدةً وقرت في لبه و لاقت استحسانه و هُيئ له أنه فهمها فآثر أن يرفع صوته بها قائلاً: "هكذا إذن ... أدومها وان قل"
صمت برهة ثم قال:" إيه.....الله يلعنك يا إبليس"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد- الله يلعنك يا ابليس!
sweetest mimi ( 2010 / 3 / 28 - 00:51 )
ما اراه اشارة الى الذين يخوضون مجالا غير مجالهم، يداعبون النجوم بأيد قصيرة، فيظنون ان لديهم القدرة على خوض بحار العلوم وسبر اغوارها وهم لا يطيقون مجرد السباحة في بركة. ومن يحاول ان يمسك كل شيء بيد واحدة فلن يمسك شيئا..لا بد ان نفرق بين التصرف بوعي ومحاولة معرفة ما تيسر من علل الامور ودلائلها، وبين من ينصّب نفسه زعيما لنوع من العلوم وفهّامة فيه يأمر وينهى ويفتي من عنده.ما تحتاج اليه النفوس هو التدريب ثم يتحول الامر الى عادة لا يشعر الانسان بثقلها كما في مرحلة التدريب، فلو بدأ بالصلاة في منزله اولا ثم في المسجد ثم اضاف ركعتين في جوف الليل ثم اضاف على عمله صفحة من القرآن لما احس بثقل هذا الامر ونفر منه لأنه حصل رويدا رويدا وأعطى لجسمه وروحه المجال للتأقلم على هذه العبادات، ولهذا السبب نزل الدين على اجزاء واكتمل في 24 عاما ليتأقلم الناس ولا ينفروا منه.اذن المشكلة لا تكمن في العبادات ذاتها انما في تطبيقها دفعة واحدة، كما في مثال (نديم)مهما كانت ارادته قوية لن تتغلب على ردة فعل جسمه الفزيولوجية لترك السجائر وانقطاع النيكوتين فجأة ما قد يؤدي للانتحار بخلاف لو انه رسم جدولا لترك التدخين جزئيا.

اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري