الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شؤون تنحتُ‮ ‬في‮ ‬القلب

محمد سعيد الصگار

2010 / 3 / 27
الادب والفن



قررت أن أمنح نفسي‮ ‬عطلة عن الكتابة،‮ ‬تجنّباً‮ ‬للهذر والإطالة،‮ ‬والتماساً‮ ‬للراحة التي‮ ‬صارت عصيّةً‮ ‬عليّ،‮ ‬بعد الخوض في‮ ‬شؤون العراق الثقافية والسياسية والإجتماعبة بشكل متواصل منذ سنتين ونصف في‮ ‬الصحف العراقية والعربية،‮ ‬كنت خلالها متوهج العواطف والأعصاب،‮ ‬أكبس على‮ ‬غضبي‮ ‬لئلا‮ ‬يُفلتَ‮ ‬فيأتيني‮ ‬بما لا أحب‮.‬
وإذ كنتُ‮ ‬دقيق الإختيار للقنوات التي‮ ‬أطلّ‮ ‬منها على القاريء،‮ ‬صيانةً‮ ‬لما أكتب،‮ ‬واحتراماً‮ ‬لقرائي‮ ‬في‮ ‬هذه القنوات؛ اقتصرت كتاباتي‮ ‬على عدد قليل من تلك القنوات،‮ ‬من بينها‮ (‬المدى‮).‬

وكنت على‮ ‬غضب شفيف على صديقي‮ ‬التاريخي،‮ ‬فخري‮ ‬كريم،‮ ‬وكان لمزاجي‮ ‬الشائك‮ ‬والحساس شأن في‮ ‬خصوصية علاقتي‮ ‬بفخري،‮ ‬وهو مزاج‮ ‬يعرفه فخري‮ ‬كريم أكثر من سواه،‮ ‬كاد أن‮ ‬يبعدني‮ ‬عن‮ (‬المدى‮) ‬وفخري‮ ‬معاً‮. ‬ولولا الكبس على الغضب،‮ ‬وهو‮ ‬غضب‮ (‬إخواني‮) ‬لا‮ ‬يصل حدّ‮ ‬القطيعة في‮ ‬كل الأحوال،‮ ‬لكان لنا شأن لا نحبه ولا نسعى إليه؛ وكنتُ‮ ‬خسرت بسببه صداقات وعلاقات طيبة مع كثير من القراء،‮ ‬بفضل ما نشرته في‮ (‬المدى‮).‬

أعدتُ‮ ‬على نفسي‮ ‬السؤال الخالد‮: »‬لمن‮ ‬يكتب الأديب«؟ لقارئه أم لفخري‮ ‬كريم المغضوب عليه من قبلي‮ (‬إخوانياً‮) ‬والمهدّد بالمقاطعة؟
قلتُ‮ ‬إن‮ (‬المدى‮) ‬مداي،‮ ‬قبل أن تنهض ويتمدد أفقها وتصبح بجهد فخري‮ ‬ممتدّةً‮ ‬على هذه المساحات‮. ‬فما معنى أن أغضب عليها وعلى فخري‮ ‬وهما‮ ‬يتعاملان مع كتاباتي‮ ‬بمنتهى التقدير؟ وكيف أشكر قرائي‮ ‬وأتناقش وأتسامر معهم،‮ ‬إذا‮ ‬غادرتُ‮ ‬خيمة‮ (‬المدى‮)‬،‮ ‬وأنا ممن‮ ‬يختار قنوات أفكاره،‮ ‬ويُعنى بها؟

أطفأتُ‮ ‬غضبي‮ ‬على فخري‮ ‬ومزاجه،‮ ‬وأجّلتُ‮ ‬مضاعفات مزاجي‮ ‬الشائك،‮ ‬وقررت الإنسحاب من دائرة القول،‮ ‬وتعطيل مساهماتي‮ ‬في‮ ‬جريدة‮ (‬المدى)؛ وهي‮ ‬مساهمات متواضعة ما كنت أظن أن تجد لها صدى،‮ ‬ولكنها وجدت ذلك الصدى،‮ ‬وجاءتني‮ ‬بمداخلات ورسائل وضعتني‮ ‬بين قوسين؛ أن أواصل علاقتي‮ ‬بالقراء،‮ ‬رغم‮ ‬غضبي‮ ‬الشفيف على فخري‮ ‬كريم،‮ ‬أو أن أريح نفسي‮ ‬وفخري‮ ‬والقراء مما أهذي‮ ‬به‮.‬

قررتُ‮ ‬أن أنفرد بقرائي‮ ‬ومشاكلهم التي‮ ‬تستريح معي‮ ‬على المخدّة ؛ وهي‮ ‬مشاكل تتناسل في‮ ‬وعيي،‮ ‬ومنها ما لا‮ ‬يغادره‮.‬

ولكن ما وجه هذه المشاكل،‮ ‬وما أبعادها بعد أن جرت الإنتخابات بما كنا نأمل من وعي‮ ‬العراقيين الذي‮ ‬كان موضع تقدير نستحقّه ونشكرهم عليه‮.‬

المشاكل القادمة التي‮ ‬نتابع أبعادها لا تبعث على المسرّة،‮ ‬فما زال شبح التحاصص في‮ ‬اقتسام المواقع السيادية‮ ‬يطغى على مجمل الكتل السياسية،‮ ‬ويكذّب دعاوى ما قبل الإنتخابات،‮ ‬فما الذي‮ ‬ننتظر؟

في‮ ‬مقال سابق لنا عن‮ (‬هذه البرمكيات‮) ‬التي‮ ‬خصصت أموالاً‮ ‬طائلة،‮ ‬وامتيازات خرافية للنواب وأتباعهم،‮ ‬لا سابق لها،‮ ‬عجبنا من رصد تلك المخصصات التي‮ ‬تأخذ من ميزانية الفقراء ما هم في‮ ‬حاجة إليه‮. ‬

واليوم ماذا نقول في‮ ‬نصف مليار دولار صُرفت على وسائل الدعاية والإعلان للمرشحين في‮ ‬هذه الإنتخابات التي‮ ‬نعتزّ‮ ‬بها؟

نصف مليار دولار،‮ ‬عدّاً‮ ‬ونقداً‮ ‬للدعاية لمرشحين لم‮ ‬يفز أكثرهم‮ ! ‬والتي‮ ‬عادت إلى أيدي‮ ‬الحواسم الجدد الذين‮ ‬يبيعون مخلفات الإعلانات الضخمة ويتاجرون بها‮.

‬ولكنني،‮ ‬من جانب آخر،‮ ‬سُررتُ‮ ‬بما أتاحه الله لزملائي‮ ‬الخطاطين الفقراء،‮ ‬في‮ ‬العادة،‮ ‬من هذه الموجة الإعلانية المجنونة،‮ ‬ويا ليتنا كنا معهم‮ !‬

ولكن التساؤل لا‮ ‬يغادرنا عمّا إذا كان هناك وعي‮ ‬من نوع ما لحاجة الوطن الرازح تحت مشاكل البطالة ومشاكل الكهرباء والصرف الصحي‮ ‬والمواصلات وغيرها مما‮ ‬يعرفه الجميع ويتمسكون بالعروة الوثقى لوعود الكتل السياسية؟
كم من المستشفيات والمدارس ومعاهد العلم والبيوت المهدومة والأهوار المدمّرة،‮ ‬والطرقات المتعثرة والأنهار الملوّثة،‮ ‬كان جديراً‮ ‬بهذا الإنفاق الخرافي‮ ‬اللامسؤول،‮ ‬للإعلانات؛ حتى ولو كانت من مصادر‮ ‬غير عراقية؟

لا نستعدي‮ ‬أحداً‮ ‬علي‮ ‬أحد،‮ ‬ولكننا لا بدّ‮ ‬أن نتسائل،‮ ‬وننتظر الجواب ممن له شأن في‮ ‬ذلك؛ خصوصاً‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بثرواتنا الطبيعية والإنسانية،‮ ‬وحاجاتنا الحياتية‮. ‬من أين جاءت هذه الملايين وما أوجه صرفها،‮ ‬وما هو الوازع الوطني‮ ‬و الأخلاقي‮ ‬لتقبّلها وإنفاقها بهذا الشكل البرمكي‮ ‬المخجل على ظروف ليست في‮ ‬موضع الإستحقاق‮.‬

أنا اليوم أتابع المرحلة الإنتخابية الأولى للإنتخابات الفرنسية التي‮ ‬ظهرت نتائجها قبل أن أتعشى،‮ ‬في‮ ‬حين ننتظر نحن نتائجنا بعد أسابيع؛ وأتساءل‮: ‬أما كان من الممكن‮ ‬أن تخضع هذه الموارد للرقابة والتوجيه،‮ ‬ويخصص جزء من النصف مليار دولار المصروفة على الدعاية،‮ ‬لشراء أجهزة متطورة تأتينا بالنتائج‮ ‬يوماً‮ ‬بيوم،‮ ‬بل ساعةً‮ ‬بساعة،‮ ‬ولا تحرق ما تبقًى من أعصابنا؟

أدري‮ ‬أنها أسئلة ساذجة لا تغيب عني‮ ‬وعن القراء،‮ ‬ولكنها تحفر في‮ ‬القلب،‮ ‬ولابدّ‮ ‬للمصدور أن‮ ‬ينفث‮.‬

الآن بدأت عطلتي‮ ‬مع‮ (‬المدى‮)‬،‮ ‬ومع‮ ‬غيرها،‮ ‬وبدأت معها عطلة قسرية مع المستشفيات والأطباء التي‮ ‬تريد أن تُعيد الشيخ إلى صباه،‮ ‬وهي‮ ‬عطلة قد تطول،‮ ‬ولا أظن أن‮ ‬يسعف العمر بنهاية لها‮.‬
شكراً‮ ‬لكم،‮ ‬وعذراً‮ ‬على هذه الحالة الخاصة التي‮ ‬جئتكم بها‮.‬
‮ ‬ وداعاً‮.
 ‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حبريَ أسود ، فلا تطلبوا مني أن أرسم قوس قزح
الحكيم البابلي ( 2010 / 3 / 27 - 20:52 )
استاذي العزيز الثمين محمد سعيد الصكار
شخصياً غسلت يدي من إمكانية وصول أي شريف إلى قيادة شعبنا
ولم يعد يُجدي حتى الخوض فيها ، والأسباب كثيرة
قرأتُ كلمات اليوم ، وهي بليغة في لغتها وفكرها كالعادة ، وليس لمقدرتك الفذة في التعامل مع الحرف ، ولكن لنزاهتك وعدالتك التي كانت خلف كل إبداعاتك التي تدفأنا بها دائماً
ولكن يا سيدي العزيز ، ما حز في نفسي وآلمني وكدرني وملأ عيني دمعاً ، هو الكلمة الأخيرة التي تقول لنا فيها (وداعاً) كوني أفهم ما تعنيه هذه الكلمة
عندما أفكر في مسيرتك الحياتية الجميلة ، لا يسعني إلا الإفتخار بك وبكونك من الرائعين الذين أنجبهم هذا الوطن الجريح العظيم الذي وهب العالم أول دفقة نور ، وأول حرف مضيئ في ظلام الزمن ، وأكمل الكبار المسيرة
والكبار لا ينتهون سيدي ، بل يبقون متبرعمين في ذاكرة الطيبين والزمن
هل قرأتَ حروفك وحكمتك المتوهجة التي إبتدأتُ بها مقالي الأخير (كان يا ما كان في بغداد) ؟ وهذا ما أقصده بالذات ، ستعيش معنا جميعاً ، ويوم يحين دورنا ، ستكون في ضمير الأجيال
لن أقول ( وداعاً ) لأننا لن نفترق أبداً
لك محبتي أبا ريا العزيز
ملاحظة : العنوان للسيد الصكار


2 - الى زهرة التولب
عبد الإله السباهي ( 2010 / 3 / 28 - 08:43 )
الآن بدأت عطلتي‮ ‬مع‮ (‬المدى‮)‬،‮ ‬ومع‮ ‬غيرها،‮ ‬وبدأت معها عطلة قسرية مع المستشفيات والأطباء التي‮ ‬تريد أن تُعيد الشيخ إلى صباه،‮ ‬وهي‮ ‬عطلة قد تطول،‮
‬ولا أظن أن‮ ‬يسعف العمر بنهاية لها‮.‬
شكراً‮ ‬لكم،‮ ‬وعذراً‮ ‬على هذه الحالة الخاصة التي‮ ‬جئتكم بها‮.‬
‮ ‬ وداعاً‮.
العزيز أبو ريا سلامتك أولا

تريد أن تعيد الشيخ إلى صباه ولكن في ماذا؟
كفانا من - شيخنا- اطلالته الرائعة بين الحين والحين
لا أظن عطلتك ستطول سنراك مزهرا من جديد كزهرة تولب حاول ثلج أوربا إطالة غيابها عبثا ولكنه الربيع، وستظل تعيد لنا الفرحة والأمل ‬


3 - محمد سعيد الصكار
على عجيل منهل ( 2010 / 3 / 28 - 16:48 )
ابعث اليك سلامى وتحياتى واحترامى ,كلما نظرت الى مجلة الثقافة الجديدة وامامى اعداد منها , لايمكن نسيان دور السيد محمد سعيد الصكار فى هذه ,المجلة الخالدة .امل ان تكون فى كل الصحة والعافية والعمر الطويل ايها العلم ومن منا من لايبتئس ويغتم والبوس والغم هما نقص فى حيوية حياتنا وكما الفرح والبهجة هما زيادة فى الحيوية ,ومع ذلك ليس هنالك شك فى ان لذات العقل والنفس, تعلوا على لذات الجسم وشهواته. تحياتى وامل ان نراكم على صفحات الحوار المتمدن والسلام عليكم ايها الاخ .


4 - إلى الحكيم البابلي
محمد سعيد الصگار ( 2010 / 3 / 28 - 23:37 )
أنت الذي ملأتَ عيني دمعاً يا أبا لقمان
أيطمع فقير مثلي بأكثر من هذا الثناء الجميل والوفاء النبيل الذي سال دمعاً مع حبري الأسود
المحبة وحدها يا أبا لقمان هي مفتاح الأسرار إلى مدارج الفرح الذي يمنح الحبر الأسود صفاءه وإشراقه ويجعل للدموع معنى
شكراً لك وأملاً ببقاء الصلة


5 - العزيزعبدالإله السباهي
محمد سعيد الصگار ( 2010 / 3 / 28 - 23:49 )
نحن نحلم بملء كأس الحياة بالأمل وإنها لمهنة صعبة ولكننا عنيدون
قلتُ في قصيدة قديمة

وتفرّ الشكاة من بين أسناني اضطراراً حتى لَتَخجل سنّ
وتمرّ الأيام بي مثلما مرّ سواها فلا أحتفي ولا أطمئن

وكذا هي الحال
أشكرك وأحييك وأشتاق إليك


6 - الأخ علي عجيل منهل
محمد سعيد الصگار ( 2010 / 3 / 29 - 00:00 )
إذا كنتَ تستعيد زمن الصفاء في الثقافة الجديدة فذلك ما كنتُ آمله وأتمناه، فهو من أمتعتي المتواضعة
وما دامت أوصلت حروفي إليك وما زلتَ تحتفي بها فبماذا أطمع أكثر؟
لك خالص الود والشكر على تمنياتك
والأمل في بقاء الصلة

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب