الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغامرة الانتفاضة الثالثة

جهاد الرنتيسي

2010 / 3 / 28
القضية الفلسطينية


تلتبس العلاقة بين القمم العربية والخيارات الفلسطينية ، بقدر تحولات الواقع العربي ، وتعقيدات الوضع الفلسطيني ، على الصعيدين الداخلي والخارجي .

وكثيرا ما تلقي تشعبات هذه العلاقة ، والجدل الذي تثيره ، بين الحين والآخر ، ظلالها على تكوين هذا اللبس.

ففي بعض القمم تأخذ العلاقة شكل " تبادلية المرايا " لتظهر عمق المأزق الفلسطيني ، وحرج الموقف الرسمي العربي ، والعجز عن تطويره وتفعيله ، بالشكل الذي يحد من تراجع القضية الفلسطينية .

وفي قمم اخرى تطفو على سطح العلاقة مواصفات ازمة " الحامل والمحمول " حيث يظهر الموقف العربي عاجزا عن تحمل مزيد من التبعات ، وهزيلا الى حد الحاجة، للاتكاء على القضية الفلسطينية المأزومة اصلا ، لتجاوز مأزقه .

ولا يخلو الامر من الجمع بين الشكلين ، او تجاوزهما ، في حال انشداد الاهتمام الرسمي العربي ، الى حدث اقليمي طارئ ، على حساب القضية الفلسطينية .

وفي جميع الاحوال تنعكس اوضاع كل طرف من طرفي المعادلة ـ النظام الرسمي العربي والقضية الفلسطينية ـ على الطرف الاخر وبشكل يستعصي على التفسير احيانا .

لكن هذه المعطيات تبقى عرضة لتجاهل محترفي اخفاء الحقائق ، وصناعة الاوهام ، وقراءة المشهد من وراء الغربال .

وبفعل التجاهل ـ المقصود في بعض الاحيان ـ ينزلق اصحاب القراءات غير المنهجية ، الى خلاصات بعيدة عن مسارات الاحداث .

ظهر بعض اللبس بشكل واضح في الحملة الاعلامية ، المفاجئة الى حد ما ، والمنظمة لحد بعيد ، التي شنت على المبادرة العربية ، قبل ايام من انعقاد قمة سرت ، واكتسبت قوة دفعها من دعوات في هذا السياق ، اطلقها بعض اطراف النظام الرسمي العربي في قمم سابقة .

فالظاهر من الحملة ، التي اخذت المساهمة فيها عدة اشكال ، نقدها مؤسسة النظام الرسمي العربي ، بابرازها المأزق الذي تمر به عملية السلام ، ومطالبتها باتخاذ مواقف اكثر فاعلية .

اتسم الجانب الاعلامي من الحملة ، بوضوح بعده التحريضي ، حيث ركز على سحب المبادرة ، والاعلان عن موت عملية السلام .

وفي المقابل اخذ الجانب السياسي للحملة اشكالا متباينة ، بين المطالبة الصريحة والواضحة بسحب المبادرة ، كما ظهر في تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة الجهاد الاسلامي رمضان عبدالله شلح ، والدعوة الضمنية لاتخاذ هذه الخطوة ، مثلما جاء في مقترح النقاط الخمس ، الذي اعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن تقديمه للقمة قبل انعقادها بأيام .

نقطة اللقاء بين جانبي الوضوح الاعلامي والتباين في شكل الترويج السياسي للفكرة تمثلت في الخيار المقترح لمرحلة ما بعد سحب المبادرة العربية وهو اطلاق انتفاضة ثالثة في الاراضي الفلسطينية .

الا ان عمومية هذا الطرح وخطوطه العريضة اخفت قدرا يصعب تجاهله من الهلامية والغموض .

ففي تحديده للدور الذي يمكن ان يلعبه النظام الرسمي العربي لم يأت خطاب الحملة المتجددة بجديد ، واكتفى بصياغات ذات طابع دعوي ، كالذي يستخدمه ائمة المساجد ، ويتجنبه السياسيون ، مثل اظهار الغضب ، والتداعي لامتلاك القوة الحقيقية ، ومطالبة الشعب الفلسطيني بالمقاومة ، وتوظيف وزن الأمة من اجل القدس وفلسطين .

وبهذه الصيغة المطاطة ، اعفى الخطاب الدعوي التحريضي نفسه من البحث عن آليات حقيقية لتفعيل الاداء الرسمي والشعبي ، ووضع تصورات لقدرات وامكانيات النظام السياسي و الشارع العربيين .

كما تجاهل المندفعون في حملتهم مسألتين في غاية الاهمية ، وهما مدى ملاءمة الظرفين الاقليمي والدولي للانتفاضة الشاملة ، وحسابات الربح والخسارة ، في حال اللجوء لمثل هذا الخيار .

فالانتفاضة واحدة من اشكال المقاومة والنضال ، وليس جميعها ، وهي بالتالي وسيلة للوصول الى هدف ما ، وليست غاية في حد ذاتها .

وكان الشعب الفلسطيني على مدى قرن مضى من اكثر الشعوب ميلا للانتفاضات مما جعله يراكم تجربة نضالية تستحق الدراسة والمراجعة على الدوام لتكون الاستفادة من نجاحاتها واخفاقاتها ممكنة.

فلم تكن نهايات الانتفاضات الثلاث التي خاضها منذ ثلاثينيات القرن الماضي افضل كثيرا من نهايات حروب الجيوش العربية .

ثورة 1936 على سبيل المثال كانت ملحمة نضالية ، بكل ما يعنيه الوصف من ابعاد قيمية ، تجمع بين البطولة والفداء والصبر والصمود ، والعمل المسلح والعصيان المدني ، الا انها اجهضت دون ان تحقق اهدافها .

تعود نهاية تلك الملحمة دون تحقيق اهدافها الى عدة اسباب ، من بينها الظرف الموضوعي ، الذي ابقاها اقرب الى الحدث المحلي ، وسهل على الانتداب البريطاني اخمادها ، وطبيعة التحالفات التي كشفت عن ضيق في الرؤية ، وحالة الانقسام الداخلي .

ولعل ابرز ملامح الظرف الذي ادى الى تلك النتيجة المأساوية التوقيت الخاطئ للعصيان والثورة .

فقد تزامن الحدث المفصلي في تاريخ الشعب الفلسطيني مع الحرب العالمية الثانية التي كان من بين افرازاتها النهائية ظهور اسرائيل في المنطقة .

وقادت قراءة المفتي الحاج امين الحسيني للاحداث في ذلك الحين الى التحالف مع المانيا النازية لتنحسر امكانية ايجاد اصدقاء دوليين للشعب الفلسطيني بعد انتهاء الحرب الى اقصى الحدود .

كما ساهم حدث اقليمي كالغزو العراقي للكويت في اجهاض الانتفاضة الفلسطينية الاولى ، بابعاده فعالياتها اليومية وتطور آليات القمع الاسرائيلي عن دائرة الضوء والرقابة الدولية ، بعد قرابة اربعة اعوام من تصدرها لاهتمامات الراي العام العالمي ، و تفتت الموقف العربي الداعم ، ومعاقبة قضية الشعب الفلسطيني عربيا ودوليا بسبب غموض موقف القيادة الفلسطينية من ازمة الخليج وحربه الثانية .

وانتهت انتفاضة الاقصى ، باستنزاف طاقات الشعب الفلسطيني ، واعادة احتلال جزء كبير من الاراضي ، التي استطاعت السلطة الوطنية الفلسطينية انتزاعها بقوة الدفع البطيئة لعملية السلام .

الا ان النهايات الثلاث لم تغر دعاة سحب المبادرة العربية والانتفاضة الشاملة بالبحث عن القواسم المشتركة لفشل الانتفاضات السابقة والمتمثلة في سوء اختيار التوقيت والظرف الملائمين لتفجيرها ، وكيفية ادارتها ، واختيار الحلفاء ، وتقدير العواقب الناجمة عن خطأ التقديرات وسوء الحسابات .

وترافق تجاهل هذه التفاصيل مع تجنب الالتفات للواقع العربي العاجز عن تقديم بدائل للمبادرة العربية التي اطلقت في ظروف افضل من الظرف الراهن .

فهناك حقيقة لايمكن تجاهلها او انكارها لدى التعامل مع البعد العربي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وهي ان التراجع عن مبادرة السلام العربية يعني من بين ما يعنيه التهيؤ لبدائل في مقدمتها خوض حرب جديدة مع اسرائيل .

لكن مثل هذه الفرضية لا تتواءم مع الموقف الرسمي العربي الذي يمكن استشرافه من خلال المعطيات الراهنة ـ بدء من تصريحات المسؤولين العرب حول امكانية خوض حرب جديدة، وانتهاء بطبيعة العلاقات العربية ، مرورا بالاوضاع الداخلية العربية ـ والذي لا يوحي بالاستعداد لخوض مغامرات عسكرية جديدة .

من خلال هذه المقدمات يمكن الخروج بنتيجة مفادها ان الانتفاضة الشاملة المقبلة في حال اندلاعها ستكون براسين نتيجة للانقسام الداخلي الفلسطينية ، ونقطة خلاف بين اطراف النظام العربي ، ومكشوفة الظهر ، وبلا حاضنة رسمية عربية في احسن الاحوال .

ومع استمرار احتمالات اندلاع حرب اقليمية في المنطقة تبقى الانتفاضة العتيدة مرشحة لان تكون اول ضحاياها كما حدث مع انتفاضة عام 1936 التي تزامنت مع الحرب العالمية الثانية ، والانتفاضة الاولى التي ساهمت ازمة الخليج وحربها الاولى في اجهاضها .

خضوع الانتفاضة الشاملة لهذه الشروط ،يقلل من امكانيات تحقيقها لاهدافها الوطنية ، اذا كان الهدف منها ايجاد موازين قوى جديدة على الارض .

الا ان ذلك لا يلغي بطبيعة الحال قدرتها على خلط الاوراق بالشكل الذي يدفع الولايات المتحدة واسرائيل لاعادة النظر في احتمالات توجيه ضربة لايران او سوريا .

وبذلك يحقق تفجير انتفاضة فلسطينية ثالثة ، في مثل هذا الوقت ، وعلى ارضية تحالفات الاطراف الداعية لها ، اهدافا لا علاقة لها بالبعد الوطني الفلسطيني .

فهي انتفاضة طوق النجاة للنظامين الايراني والسوري واخراج حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف من مأزقها الناجم عن اعاقتها لعملية السلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟