الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح إمام القاتلين -قاين- قصة قصيرة

نادية عيلبوني

2010 / 3 / 28
الادب والفن


"كان هابيل راعي غنم وقاين كان يحرث الأرض"3"وكان بعد أيام أنّ قاين قدم من ثمر الأرض تقدمة للرب"4"وقدم هابيل أيضا شيئا من أبكار غنمه ومن سمانها . فنظر الرب إلى هابيل وتقدمته "5"وإلى قاين وتقدمته لم ينظر. فشق على قاين جدا وسقط وجهه"6"فقال الرب لقاين لم شق عليك ولم سقط وجهك"7"ألا إنك قد أحسنت تنال وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك انقياد أشواقها وأنت تسود عليها"8"وقال قاين لهابيل أخيه هيا لنخرج إلى الصحراء.فلما كانا في الصحراء وثب قاين على أخيه فقتله"9"فقال الرب لقاين أين هابيل أخوك. فقال لا أعلم ألعلي حارس لأخي "10"فقال ماذا صنعت إن صوت دماء أخيك صارخ إلي من الأرض"11"والآن فملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يدك"12" .......... "
العهد القديم
سفر التكوين الفصل الرابع

كان" قاين" لا يزال يحرث الأرض في قرية "نود" شرقي جنة عدن. وضع محراثه جانبا وأخذ يمسح حبات العرق عن جبينه. تناول بعضا من الزاد، وشرب قليلا من الماء قبل أن يستلقي على الحشائش والأعشاب محاولا الدخول في قيلولته المعتادة عند الظهيرة،عند ذاك سمع صوت الرب يناديه.
نهض من مكانه مذعورا . إنها المرة الأولى التي يعود فيها الرب إلى مخاطبته مذ قتل أخاه. خرّ "قاين" على قدميه رهبة وخشوعا. أمره الرب بالوقوف استعدادا لما سيقوله له. استجاب وهو لا يزال يرتعش خوفا.
شعر "قاين" أن هناك أمرا جللا قد وقع. وأن الرب الذي لعنه منذ جريمته بحق أخيه ، قد عاد ليقتص منه . كان مضطربا ومرتبكا إلى أبعد مدى . وتذكر كم مرة طلب محادثة الرب الإله ليبوح له ما كان يختزنه في صدره، دون أن يلبي طلبه .ساد صمت ثقيل تمكّن خلاله "قاين" من استعادة بعض من توازنه، وقرر أن لا يدع الفرصة تفوته هذه المرة. حاول السيطرة على انفعالاته بأقصى ما يستطيع . استعاد بعض من القوة التي يحتاجها في حواره مع الرب.
- ها أنا ذا بين يديك أيها الرب.
وجاءه الصوت غاضبا ومعنفا:
ألا ترى أين وصل العالم بسبب جريمتك الأولى بحق أخيك يا "قاين"؟ ألا ترى كيف صار العنف شرعة ذريتك؟ألا ترى كيف انتشر السيف بين البشر؟ الويل لك!! وويل للحقد الذي زرعته في نفسك وأورثته لأولادك ليحصد كل هذا الدم!!!
بكى "قاين". بكى من كل قلبه، ولكن سرعان ما استجمع شجاعته مرة أخرى متوجها إلى مصدر صوت الصوت :
-وهل يسمح لي الرب في التحدث في حضرته، فربما كان في حديثي إليك ما يفيد في الخروج من تلك المأساة البشرية؟أ وربما كان باستطاعتنا معا إنقاذ النسل البشري مما وصل إليه من ويلات.
صمت الرب دون أن يجيب. وطال صمته حتى شعر "قاين" أن الرب قد غادر المكان.
تنفس بعمق محاولا التحلل من حالة الحيرة التي انتابته.وفجأة سمع صوت الرب يصله هادئا.
تكلم يا "قاين" ها أنا ذا أنصت إليك.
وهل يأذن لي الرب أن أفضي بما يملأ قلبي دون أن يغضب؟وهنا جاء صوت الرب محذرا
-"قاين"،لم يبق ما يدعو إلى غضبي أكثر مما أراه في عالم ذريتك، هؤلاء الذين باتوا يتنافسون في ابتداع وسائل القتل، هات ما عندك يا "قاين" ،تكلم!!!
لست أنا السبب الوحيد ،أيها الرب في كل ما تراه من قتل. أعترف بأنني لم أكن بريئا من جريمتي . وأعترف أنني قدمت مثلا سيئا لأولادي الذين استلهموا طريقتي حل مشاكلهم، ولكن هل كنت أنا حقا المذنب الأول والأخير في كل ما جرى ويجري أمام ناظريك؟
ماذا تقصد يا "قاين"؟ أفصح .. أفصح أكثر، فأنا لم أصل بعد إلى مقصدك.
أخشى يا إلهي أن أفصحت ، أن تلعنني من جديد، فربما اعتبرت بوحي هذا عصيانا جديدا لمشيئك.
صمت "قاين" وقد شعر بالرهبة في حضرة الرب. تردد كثيرا ظنا منه أن إلهه لن يتقبل ما سيبوح به دون أن ...
لم تصمت يا"قاين"؟
وهل لربي أن يعطيني ما يكفي من الأمان كي أتكلم؟
أنت في أمان في حضرتي يا "قاين" وثق أنني لن ألعنك ولن أحاسبك، شرط أن لا تحاول خداعي ،وشرط أن تصدقني القول .
حتى إذا قلت أنك كنت أنت السبب الرئيس من وراء ما جرى ،وما يجري للبشرية من جرائم ومن سفك للدماء؟
تنهد الرب كاتما غيظه لما اعتبره تجاوزا من" قاين" على عظمته. صمت متفكرا بما سمعه. عند ذاك أدرك "قاين" أن مصارحة الرب ليست بكل تلك البساطة التي تخيلها. استعد للملمة شتات تفكيره كي يصيغ بشكل لائق عبارات اعتذاره ورجائه وطلبه للعفو، وقبل أن يفعل جاءه صوت الرب رائقا وحانيا:
-قل كل ما لديك يا "قاين" وصل إلى مقصدك . أريد أن أعرف ما الذي فعلته بحقك وحق أخيك حتى تلقى علي باللائمة. لقد كنت كريما معكما إلى أقصى الحدود. أعطيتك أرضا خصبة لتزرعها وازدادت غلالك وخيراتك ، وكذا فعلت بحق أخيك.
-أجل، أجل، أنا لا أنكر ذلك البتة أيها الرب. لقد عقدت العزم منذ البداية على أن أكون مزارعا جادا ونشطا ومنتجا لأكون عند حسن ظنك بي ، فكددت وتعبت وحرثت الأرض، وقدمت لها الماء والبذور إلى أن أعطيتني أفضل ما لديها من خيرات. ربيت أشجار الزيتون والبلح شبرا شبرا تماما، مثلما تربي الأم أولادها . لم أتوقف يوما عن تحسين عملي .زرعت أشجار متنوعة من الفاكهة، وبذرت القمح والخضروات حبة فحبة حتى باتت الأرض التي أعطيتني أشبه ما تكون بجنتك. أما أخي الذي كان ميالا للكسل ، فقد اختار رعاية الأغنام ، وكنت أعطيته مساحات واسعة من أرضي المعشوشبة ليرعى فيها قطعانه. وشعرت أنني وإياه بتنا كوحدة واحدة، واحدنا يكمل الآخر . كنا سعيدين ونحن نعيش في طمأنينة ونتبادل خيراتنا بفرح ورضى كاملين .هو يعطيني من جلود وحليب ولحم قطعانه، وأنا أقدم له الخبز والتمر والزيت، والمرق المملوء بخضروات أرضي. وحينما حان الحصاد جمعت لك باكورة حقولي من كل نوع أجوده وقدمته لك ، وكان أخي قد سبقني إليك ليقدم إليك باكورة أغنامه وسمانها.
صمت قاين قليلا محاولا اختبار أثر ما قاله على الرب الإله.
كان الرب لا يزال صامتا يصغي.
- لم سكت يا "قاين" أكمل هل هذا كل لاشيء؟
-عفوك رباه... هذا ليس كل شيء، فالمأساة ابتدأت عندما نظرت إلى تقدمة أخي ولم تنظر إلى تقدمتي. فعز علي إنكارك لي ، كما عز علي أن تستهين بي وبتعبي وشقائي . فسقط وجهي حزنا وتأثرا وألما. لم أكن أعرف حينها أنك كنت ميالا للرعاة أكثر من ميلك للفلاحين . لم أكن أعلم أنك تحب رائحة الشواء وتفضلها على طعم النباتات في حقولي.
-أجل سقط وجهي ، وتوجع كل ما بي. كنت أتوقع منك في تلك اللحظة ،أن تواسيني ، كنت أتوق إلى أن تلتفت إلى ذلي وعاري. كنت أشعر بالظلم والمهانة تظللني ، وبدلا من أسمع منك كلمة عزاء وجدتك تزيد من إذلالي ، وتعنفني بقسوة لم أعهدها بك.أتذكر ما الذي قلته لي في حينه؟
"لم شق عليك ولم سقط وجهك، ألا إنك إن أحسنت تنال ، وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك انقياد أشواقها وأنت تسود عليها."
هذه الكلمات أوجعتني وجعلتني مكتئبا ومهموما، أنا لم أعرف أيها الرب كيف لم أحسن إليك لقد بذلت أقصى ما استطعته لنيل رضاك ولكنك اضطهدتني وأهملتني دون أي ذنب أو معصية ، عندها فقط شعرت بنار الغيرة الحقد والكراهية اتجاه أخي ، تأكلني . أخي الذي أحببته وتقاسمت معه رغيف يومي. صار عدوي بسبب من أنك ..!!!؟؟أواه أيها الرب!! كم هو صعب علي أن أوجه إليك لومي. ولكنني بشر، وأنت خير من يعرف عيوبي، لقد كان علي الاختيار بين أمرين ،فإما أن أقبل غضبك مضاف إليه ترفع أخي واحتقاره لي بسبب تفضيلك له عني، وإما أن أقتله وأتخلص من مشاعر الدونية والعار التي كانت تسمم روحي وجسدي...
-أنت ماكر يا" قاين"
قالها الرب بسخرية مريرة.
-أقسم لك أنني لم أكن لأعرف المكر فبل كل ما جرى ، وما كان ليخطر ببالي يوما أن أبغض أخي، إلا أنك اضطررتني أن أبغضه حتى الموت. أعترف بأنني كنت خاطئا، ودعوتك دوما أن تصفح عني ، أن تسامحني ، إلا أنك لم تفعل، وكنت غاضبا الأمر إلى الحد الذي قلت لي وقتها :" ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يدك.فإذا حرثت الأرض فلا تعطيك قوتها أيضا. تائها شاردا تكون في الأرض."
وماذا بعد يا إلهي؟؟؟
تقطعت نداءات "قاين" وهو يستصرخ الرب ويطلب مغفرته وعونه.
استفاق "قايين" فزعا. كانت شمس الغروب تستعد لمغادرة المكان وراء الجبال. صرخ "قاين" صرخة عظيمة مناديا ربه. لم يكن هناك غير رجع صدى صوته وغيمة حمراء بلون الدم توارت خلفها شمس المغيب.
نادية عيلبوني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد