الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يشبه الحاج أمين الحسيني...

محمد سيد رصاص

2010 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تفصل خمسة أسابيع بين وعد بلفور ويوم سقوط القدس بيد الجنرال البريطاني اللنبي في 9 كانون الأول 1917، وهو الذي قال عند دخوله المدينة: "اليوم انتهت الحروب الصليبية". رغم هذا، فإن العرب لم يجابهوا الوعد البريطاني بـ "وطن قومي لليهود في فلسطين"، والسيطرة البريطانية-الفرنسية على الأقسام العربية من الدولة العثمانية المنهارة في عام 1918، من خلال أيديولوجية دينية (مع أنه لايمكن عزل ظهور جماعة الإخوان المسلمين في آذار 1928 عن ذلك) وإنما عبر أيديولوجية قومية عروبية. فالانشقاق العثماني بين العرب والأتراك خلال عامي 1916 و1918 كان عبر الشعور القومي المتفارق عند الطرفين منذ اسقاط السلطان عبد الحميد في نيسان 1909، ولوظلّلت هذا الشعور القومي العروبي مرارات "خيانة" البريطانيين وعودهم التي أطلقوها للشريف حسين، منطلقين بدلاً من ذلك نحو اتفاقية سايكس- بيكو ووعد بلفور. وحتى عندما تزعَّم المفتي الحاج أمين الحسيني العمل الفلسطيني ضد الحركة الصهيونية فإن هذا كان من خلال حركة فلسطينية فيها من العروبة أكثر مما فيها من الاسلام، بخلاف الشيخ عزالدين القسام.
لم يتغير هذا الوضع مع قيام دولة اسرائيل عام 1948 وهزيمة الجيوش العربية أمامها، بل زاد الشعور القومي عند الفلسطينيين والعرب ليصل إلى ذروته مع عبدالناصر في الخمسينات والستينات، وعندما أتت هزيمة حزيران 1967 فإنها لم تؤدِّ إلى خلافة الاسلاميين القوميين العروبيين في مواجهة اسرائيل، وإنما أدت حتى منتصف السبعينات الى موجة من "اليسار الجديد" المتمركس عند الكثير من الفلسطينيين والعرب قادت إلى تحول قوميين عروبيين كثر نحو الماركسية بما في ذلك حركة كاملة بفروعها المتعددة عربياً هي "حركة القوميين العرب"، فيما كان تحوّل الفلسطينيين الأساسي من "الخيار العربي"، الذي كان يعني منذ يوم 15 ايار 1948 وضع القضية الفلسطينية في أيدي الحكام العرب، في إتجاه فَلَسْطَنة الصراع من خلال حركة "فتح" التي أرادت أن يمسك الفلسطيني قيادة القضية.
توقفت هذه الموجة الفلسطنية عند الإنسداد المتجسد في فشل الحل الذي مثّلته "اتفاقية أوسلو" عام 1993 والذي بان فشله مع اندلاع "انتفاضة الأقصى" بعد سبع سنوات من ذلك. سمح هذا الإنسداد بأن تطفو موجة الأسلمة على الشارع الفلسطيني، بعدما كانت قوة الحركة الوطنية الفلسطينية، ممثلة بـ"فتح" وزعيمها ياسر عرفات، عائقاً منذ الثمانينات أمام تحوُل الساحة الفلسطينية شبيها لما شهدته مصر والجزائر من طوفان الاسلاميين إلى السطح الاجتماعي السياسي.
والحقيقة أن الزعيم عرفات قد عاش في حالة الموت السياسي السريري منذ اندلاع الإنتفاضة الثانية في 28 أيلول 2000 حتى وفاته في 11 تشرين الثاني 2004 نتيجة فشل خيار "أوسلو"، رغم أنه كان يحاول من خلال هذه الإنتفاضة، المندلعة بعد شهرين من فشل محادثات كمب ديفيد الثلاثية، تحسين شروط المفاوض الفلسطيني، فيما كانت الوقائع تقول ان التسوية وصلت إلى الحائط المسدود، وهو ما أعلنه الاسرائيليون صراحة لما انتخبوا أرييل شارون رئيساً للوزراء في 6 شباط 2001.
زادت سماكة هذا الحائط بعد ضرب برجي نيويورك في 11 أيلول 2001، ثم مع اتجاه الولايات المتحدة إلى "إعادة صوغ الشرق الأوسط" عبر البوابة العراقية، تاركة التسوية ومصائرها في ايدي أرييل شارون. من هنا، كانت "مبادرة السلام العربية"، التي قابلها رئيس الوزراء الاسرائيلي في اليوم التالي لصدورها (29آذار2002) بعملية "السور الواقي" التي اجتاحت الضفة الغربية ثم سياسة عرفات الموافقة على الإستمرار في سياسة التسوية هو وخليفته أبومازن، في وضع شبيه من حيث مجانبة الوقائع السياسية بالسياسة التي اتبعها رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشمبرلين أثناء مؤتمر ميونيخ في أواخر أيلول 1938 لما ظنَّ بأن"مبادرات السلام"، ولو عبر تنازلات ارضائية لهتلر، ستمنع نشوب الحرب العالمية الثانية، التي اندلعت بعد حوالى العام من ذلك المؤتمر.
عند هذه الحالة الفلسطينية، كان هناك اجتماع لثلاثة عوامل قادت إلى فشل قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، ممثلة بـ"فتح" وإلى جعل الأخيرة وعرفات وأبومازن في وضع الحاج أمين الحسيني في الأربعينات: فشل التسوية، وبروز اليمين الاسرائيلي، بدءاً من شارون وصولاً إلى نتنياهو 2009 والطرح غير المسبوق اسرائيلياً لـ "يهودية الدولة" مع الرفض العملي من الدولة العبرية لأية تسوية، ثم أجواء ما بعد11 أيلول في الغرب الأميركي والتي دفعت الرئيس جورج دبليو بوش بعد أيام من ضرب البرجين للتحدث عن "حملة صليبية جديدة" وعن أن الغرب يواجه "فاشية اسلامية" مثلما كان يواجه هتلر وموسوليني، وما تبع ذلك من غزو كابول 2001 وبغداد 2003.
من الواضح الآن أن هناك قرباً لإنتهاء مرحلة فلسطينية بدأتها حركة "فتح" في معركة الكرامة بعد تسعة أشهر ونصف من هزيمة 1967، مثلما كانت تلك الهزيمة نهاية لمرحلة الشقيري، وكما كان فشل ثورة 1936 بداية النذر لإنتهاء قيادة الحاج أمين للعمل الفلسطيني، حتى انتهى مع فشل حركة رشيد عالي الكيلاني ببغداد 1941 لاجئاً في العاصمة الألمانية عند هتلر. ربما لن يكون البديل خالد مشعل (و"حماس")، إلا أن تديين الصراع العربي - الاسرائيلي (الذي لم يندفع العرب نحوه خلال القرن العشرين رغم الهوية اليهودية لدولة اسرائيل) يبدو الآن خياراً كبير الإحتمال لدى الفلسطينيين، والعرب والمسلمين عموماً، بعدما انتقلت اسرائيل من طرح "اسرائيل دولة يهودية" بدءاً من عام 2004 وانجرار الغربين الأميركي والأوروبي وراء ذلك وصولاً إلى وضع قبة "كنيس الخراب" في عام 2010 على بعد أمتار من قبة المسجد الأقصى وفي موازاتها البصرية، وفي مواجهتها، عبر حرب رموز ستستدعي أعتدة أيديولوجية بعيدة كثيراً عما قاله ياسر عرفات في مقابلة صحافية عام 1972 لما سأله أحد الصحافيين عن أيديولوجيته وأجاب بكلمة واحدة هي: "فلسطين"، وستكون قريبة للمعاني والسياقات التي يحويها قول ذلك الشيخ المقدسي المعمم على قناة "الجزيرة"، في الصباح التالي لإفتتاح ذلك الكنيس، من أن هناك "احتشاداً لقوى الكفر ضد المسلمين".
ماذا يعني كل ذلك؟...
===============================================








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن