الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين موسى الصدر وجورج عبد الله

خضر سلامة

2010 / 3 / 30
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


وهكذا، خرج لبنان من "منعطف طائفي" جديد، بأقل الخسائر الممكنة، ودائماً بالوسائل اللبنانية التجارية التي تتبنى أنصاف الحلول بين سماسرة المواقف وبياعي التاريخ، فقررت حكومة التنافق الوطني، مشاركة لبنان بالقمة العربية عبر ممثله العادي في الجامعة العربية الأقل من عاديّة، كحل وسط بين مطالبة اللوبي السياسي الشيعي بالمقاطعة، واصرار آخرين يحبون "النكايات" على المشاركة بوفد رسمي.

المهم، شارك لبنان كما لو أنه لم يشارك، وأثيرت زوبعة تثار موسمياً، حول قضية موسى الصدر، التي يحب تذكرها نبيه بري حصرياً في 31 آب، فجاءت الذكرى السنة باكراً… ليس مهماً، المهم، أن الطوائف أثبتت قدرتها مجدداً على تحويل أي قضية خاصةٍ بها إلى قضية عامة، وتحويل أي قضية عامة إلى قضية خاصة بها.

بغض النظر عن أي موقف شخصي منه، أو عقائدي، أو تاريخي، موسى الصدر انسان خطف في عملية غامضة، والنظام الليبي مطالب بالمشاركة الفاعلة في تبيان حقيقة قضيته ومصيره، صحيح، والمطلوب من الولايات الطائفية اللبنانية، أن تتفق فيما بينها ليكون للبنان رأي واحد فيه، لا أن تصر حركة ضمن طائفة، على احتكار قضيته من أجل ابقاء رئيسها في حالة شعبية مرتاحة تحت غطاء اسم الشخص الضحية، ولا أن تبقى الطوائف الأخرى غير معنية إلا بردح موسمي بارد وممل، المطلوب موقف واحد وطني لا حزبي ولا طائفي، من قضية مفقود لبناني سياسي.

ولكن، حدثت الضجة المطلوبة اذاً، لاظهار نبيه بري بطل في طائفته، وليتسابق بعض الآخرين المحلقين سياسياً لأداء خدمات ما يسمى بالتعايش والصيغة والعيش المشترك إلخ.. عادت قضية موسى الصدر لتشكل تهديداً لوجود الحكومة اللبنانية القائمة على أسس محبة واهية بين الأحزاب المتقاتلة بالأمس، ولتكون قضية مصيرية في السياسة اللبنانية.. لماذا؟ لأن وراء موسى الصدر طائفة تحمل قضيته.

وهكذا إذاً، تعالج جمهورية الأرز والأفيون، قضايا مواطنيها: بحجم كل طائفة وراء كل مواطن صاحب قضية، أما من لا طائفة له، فليسقط في الثقب الأسود للنسيان، وليخرج من ذاكرة الصحف والتلفزيونات.

في فرنسا، في سجن سياسي، وبوقاحة، يستمر النظام الفرنسي في اعتقال مواطن لبناني، لم يؤسس حركة طائفية، لم يحمل شعاراً لزاروب ضيق، لم يسهم لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، في فرز مشاهد دموية لاحقة في لبنان، مواطن كان واضح العمل لا القول فقط، حمل جعبته، وسلاحه، واتجه الى فرنسا للرد على الاجتياح الاسرائيلي بقتل كوادر صهيونية مشاركة في التآمر على القضايا الوطنية، قاتل ثم خانه لبنانيون أيضاً، واعتقل بتهم باطلة لفراغ جيب الأمن الفرنسي من أي دليل حقيقي، وقضى فترة سجنه، حيث تعرض لخيانات من رفاقه (اللبنانيون أيضاً) الذين قاطعوه وعزلوه في عزلته! إلى أن انتهت قانونياً فترة حكمه، ليعاود الفرنسيون اختراع قوانين جديدة للابقاء على اعتقاله سياسياً، دون أي وجه حق أخلاقي أو دستوري.

كيف تعاطت الدولة اللبنانية مع قضية جورج عبد الله منذ خمس وعشرين عاماً إلى اليوم؟ تغير ثلاث رؤساء لهذه الجمهورية المسخ، وأكثر من سبع رؤساء حكومة، وست مجالس نيابية، وتضاعف عدد الأحزاب السياسية خمس مرات، وانقسمت الأحزاب الوطنية واليسارية مئة انقسام وألف حركة انشقاقية، وفرخ الاعلام اللبناني صحفاً وقنوات تلفزيونية وإذاعات جديدة، من يستطيع في هذه الدبكة الفينيقية كلها، أن يزعم أنه حمل قضية جورج عبد الله فعلاً؟ أين وزير الخارجية (بالمناسبة يحتكر المنصب منذ فترة أزلام نبيه بري من حركة أمل، المفروض أنها تعرف مرارة قضية كقضية الاعتقال السياسي، صح؟) أين رئاسة الجمهورية الموكلة دستورياً بالكرامة اللبنانية التي تتمثل في قضية اعتقال بربري تعسفي لمواطن لبناني في بلد أجنبي؟ أين رئاسة الحكومة وهل تنحصر مهماتها في اختراع سياسات تجويع اقتصادية جديدة دون أي مهمة متصلة بأمن مواطنيها؟

جورج عبد الله لا طائفة وراءه، كي تهتم الطوائف وتخاف فتهتم، جورج عبد الله لا حساب مصرفي لديه، كي يشتري به العقول والضمائر والأقلام، فتكتب عنه، جورج عبد الله صادروا منه سلاحه، فما عاد يستطيع أن يهدد به بعض الجبناء ليكترثوا ويسألوا عنه، جورج عبد الله مجرد كلمة حق، في زمن بذيء كبذاءة النظام اللبناني، تاريخ علماني مقاوم حقيقي، في زمن التجارة العلنية بدم الشهداء وأسطر التاريخ، جورج عبد الله مرآتنا التي تظهر حقيقتنا، وهذه الجمهورية، برؤسائها الثلاثة، ونوابها المئة وثمانية وعشرون، ووزرائها الثلاثون، تخجل من صورتها العارية في المرآة.

لا طائفة خلف جورج عبد الله، لن يتحرك أحد ليسأل عنه، مواطن لبناني، ليس صاحب حصة في كعكة الحكومة، لا يملك ميليشيا ولا زعراناً جاهزين لتكسير كل شيء فدا "إجره"، ولكنه صاحب قضية، لا تموت، بل يموت بائعها، ولو بعد حين.

إلى من يقرأ هذه الأسطر: إن كنت جندياً، أو ضابطاً، أو مخبراً مفصولاً للتجسس، أو قريباً لوزير، أو مدير رسمي، أو مستشار لمستشار لمستشار لمسؤول يلهو بمصيرنا، إن كنت أي شيء، كلمة واحدة، قد تغير، لا تنسوا جورج عبد الله في سجنه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحرية لجورج عبدالله
حمد احمد ( 2010 / 3 / 29 - 23:11 )
اضم صوتي اليك وأطالب حكومة الطوائف بإلاء من لا طائفة له في لبنان دقيقة من وقتها المهدور في ترهات الصراعات الطائفية وتخصيصها لقول كلمة حق من اجل هذا المناضل الذي وهب زهرة شبابه من اجل لبنان والقضايا العربيز
ادعو كل شريف في هذا الوطن الى قول كلمة حق من اجل آلاف الشرفاء الذين يرزحون خلف قضبان سجون الانظمة العربية الفاشية وفي زنازين الصهاينة و الغرب ..
تحية اكبار وإجلال للمناضل جورج عبدالله والى كل الشرفاء الذين رفضوا مقايضة كلمة الحق بحرية وهمية..


2 - تحية للكاتب.
السيدة الحرة ( 2010 / 3 / 30 - 00:26 )
لم ولن ننسى المناضل اللبناني جورج عبدالله,صاحب المبدأ والبندقية...
جورج عبد الله هو ذاكرتنا النضالية التي لا ولن تموت ولو متنا ...
جورج عبد الله نحن معك بقلوبنا وبمبادئنا التي لم تزغ عن الدرب النضالي...
جورج عبد الله لم نخن ولن نخون شهداءنا ومناضلينا اينما كانوا...
تحية نضالية صادقة ووقفة اجلال واكبار للمناضل الخالد رفيقنا جورج عبد الله.
السيدة الحرة من المغرب.

اخر الافلام

.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي


.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا




.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه