الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة المثقف العراقي

سلمان الشمس

2004 / 7 / 22
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


أزمة المثقف العراقي
العلاقة بين المثقف والمجتمع علاقة متخلخلة ،مفككة ،علاقة هزيلة …لقد كان واجبا على المثقف ـ حتى يظل مثقفا ـ أن يلعب دور (الأفندي) ؛ المترفع ، المتغطرس ، الناظر إلى بقية أفراد المجتمع نظرة العطف لأنهم لا يفهمون ما يفهمه ، الناظر نظرة الاستعلاء من برجه العالي إلى قطيع الشعب الجاهل ، الكاتب بلغة طلسمية يستعصي حلها حتى على أقرانه ذوي الطلاسم ……هذا لا يشمل المثقف العلماني فقط ( الذي يتهم الناس عادة بالجهل) بل حتى المثقف المتدين ( الذي يتهم الناس بالمروق عن الدين ومبادئ السلف الصالح ) …..الكثير يشترك في هذه الأكذوبة المستمرة ، أكذوبة هز الرأس أمام اللوحة ، والنظر من فوق النظارة ، والتشدق بحفظ الأسماء مثل سارتر وفوكو وبيكاسو….. ، وسماع بيتهوفن مع الترفع عن ذكر داخل حسن مثلا ليس حبا أصيلا للموسيقى بقدر ما هو وضعا تمثيليا يراد منه تعزيز الإحساس بالعزلة والرفعة والسمو ……………
أن ما حدث في العراق لم يسطر على صفحات كتاب ثوري ولا هو تجليات لشاعر مخمور ، أن ما حدث باختصار هو انهيار كامل لمشروع بناء الدولة العراقية ، بكل ما حمله هذا المشروع من إيجابيات أو سلبيات ، بكل تفاصيله ومكوناته من شيوعية وملكية وقومية….. أنه انهيار الأسس التي تهاوت تاركة المجال لأسس جديدة حتى تتشكل …هذا الانهيار بحاجة إلى مراجعة شاملة وتفحص دقيق ، ربما نجد صدى هذه المراجعة في الصفحات الحرة المفتوحة للناس ، ولكننا لا نجده في الصفحات الثقافية فما زال مثقفونا مشغولين بمشكلة الحداثة وما بعدها رغم أن مجتمعنا لم يصل بعد إلى مرحلة الشك الديكارتي فما زالت تحكمنا اليقينيات المطلقة .
ما الذي يربطنا بمفكر مثل فوكو أمضى حياته في محاولة تفكيك المؤسسات الرأسمالية ، ليخفف من وطأتها على الإنسان الغربي ، هل نمتلك أصلا مؤسسات حتى نفككها ؟
الفقر ، الجوع ، الأمية ، الأصولية الدينية ، البحث عن هوية وطنية ….هذه المشاكل وغيرها لم تعد تعني الكثير للمثقف الأوربي في الوقت الحاضر ، ولكنها تعنينا في الصميم مثلما عنت مفكري القرون الوسطى وعصر النهضة والإصلاح الديني ……والذين هم أقرب إلينا روحيا من الكتاب الحالين المترفين الناعمين ….أولئك الرجال الذين حرقتهم عصور الانتقال والتحول والمخاضات الكبرى ( والتي نعيشها نحن الآن شئنا أم أبينا ) …أولئك الذين دفعوا ثمن الحضارة دون أن ينعموا بها…غاليلو كاد يقتل ، ديكارت عاش متخفيا ، نيتشه جن والقائمة طويلة.
المثقف المترفع ، غير ملام بكل هذا ، فهو ـ حاله حال أي ظاهرة حياتية ـ نتاج عهود الاضطهاد
والتسلط ، في ظل العنف وغياب حرية التعبير أضطر المثقف أن يخلق لنفسه ملاذا مغلقا من الغموض والتعقيد ليعبر عما يجول في نفسه بعيدا عن أعين الرقيب….هكذا صار الغموض الأودنيسي ( مع ما يحمله من جمالية ) شرطا أساسيا من شروط الإبداع….ومثلما المثقف هو نتاج عصر انهارت كلل أسسه الفكرية والنفسية فأن عصر التحول والانتقال سيفرز ناسه ومفكريه مثلما سيفرز أحزابه ورجاله ومنظماته وأدبه وأغانيه ومطربيه……ولذلك على مدراء الصحف ووسائل الأعلام أن يتركوا الباب مفتوحا لكل الأقلام والأصوات حتى تتبلور أفكار ورؤى جديدة وعلى المثقف أن يغادر ملاذه المغلق إلى تفاصيل الواقع العراقي الممتلئ وأن لا يظل أسير كبرياءه وخوفه تاركا الساحة لقوى ظلامية تتلاعب بعواطف وأحاسيس الناس…..
سلمان الشمس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح