الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - تزييف الوعي

رضا الظاهر

2010 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


في إطار الأفكار التقييمية الأولية لأوضاعنا الراهنة نواجه مهمة التحليل العميق لطائفة من القضايا خطيرة الشأن، بينها، بالطبع، ضرورة إنجاز تقييم انتقادي متوازن وجريء ومثمر لحصيلة تجربتنا ارتباطاً بما حققناه من إنجازات وما واجهناه من إخفاقات في الانتخابات الأخيرة. وفي سياق هذا التقييم يتعين علينا دراسة القضايا المرتبطة به، وبينها غلبة التوجه الطائفي والاثني في خيار الانتخابات واستمرار القوى المتنفذة ذاتها في الهيمنة على المشهد السياسي.
وتعد قضية الثقافة السائدة وآثارها من بين أخطر القضايا التي لابد من إضاءتها اذا ما أردنا إنجاز تقييم متوازن لما آلت اليه أحوالنا في أعقاب الانتخابات وما يواجهه حزبنا من مهمات ملحة في الظروف الجديدة.
وعلينا، في هذا السياق، دراسة العلاقة بين الثقافة السائدة والوعي، والكيفية التي يتجلى فيها دور هذه العلاقة في مواقف الناس وممارستهم حقهم في اختيار ممثليهم. وهو اختيار لابد أن يتسم بالحرية والوعي إذا ما أريد له أن يكون خياراً حقيقياً.
يمكن القول ابتداءً، وبايجاز وبساطة، إن سعي القوى المهيمنة الى تأبيد الثقافة السائدة هو سبيلها الرئيسي للحفاظ على امتيازاتها. أما وسائلها فتمتد من الاستئثار بالسلطة واستخدام المال السياسي والتضليل الاعلامي، ولا تنتهي عند تشريع القوانين الجائرة.
ومن الجلي أن الصراع السياسي والفكري في مجتمعنا مايزال أشد احتداماً، ولم يحسم بعد، وبالتالي فان الخيارات مفتوحة. ويمكن القول إن تحالف سيادة ثقافة التخلف وتدني مستوى الوعي كان عاملاً أساسياً حاسماً في النتائج السلبية التي حصدها التيار الديمقراطي. وهذا التحالف، وهو تعبير عن واقع موضوعي، خاضع، بالضرورة، لتأثير العامل الذاتي، متمثلاً في عنصر التنظيم وتحريك الوعي إضافة الى دور التجربة الذاتية للناس.
وإذا كانت التجربة المأساوية التي عاشها الناس وما يزالون في ظل هيمنة القوى المتنفذة قد أدت الى حدوث تغير في مستوى الوعي، فإن هذا التغير لم يكن بمستوى تحول نوعي جذري. ولئن كان هذا الواقع قد عبر عن نفسه في مواقف الناس المعلنة تجاه الأزمة الشاملة وتحميل الحكام المسؤولية عنها، فان المفارقة تتجلى في أن الناس الساخطين على القوى المتنفذة منحوا، من جديد، أصواتهم للائتلافات "الجديدة". ويعني هذا، في الجوهر، أن هذه القوى أفلحت في تضليل الناس عبر استثمار المشاعر البدائية والانتماءات الطائفية والقومية واللعب عليها وتأجيجها.
وفي ظل لوحة الصراع المعقدة ومستجداتها تمس الحاجة الى دراسة التحولات في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة لنتعرف، على سبيل المثال، ومن بين إشكالات وأسئلة أخرى، على أسباب تصويت الملايين، مرة أخرى، لمن كانوا سبباً في مآسيهم. فعلى صعيد قائمتنا "إتحاد الشعب" كانت النتائج دون مستوى الطموح بكثير حتى في المناطق التي كنا نعتقد أننا سنحقق فيها نجاحات، وربما كانت في بعض الأماكن أدنى مما حققناه في انتخابات المحافظات. ومن نافل القول إن هذا الواقع ينبغي أن لا يدفعنا الى الجزع، وإنما الى دراسة الأسباب الحقيقية بعمق.
لقد انتقل مصوّتون سابقون لقوى معينة الى طرف آخر ومنحوه أصواتهم لا ثقة ببرنامجه وسلوكه ووعوده، بل نكاية بالحكام الذين خذلوهم، إذ ظلوا متشبثين بامتيازاتهم ومصالحهم الضيقة. وصوّت مترددون، تاكتيكياً، لصالح جهة ضد أخرى لا حباً بها وإنما لمنع الطرف الآخر الذي يمثل، حسب وجهة نظرهم، هيمنة طائفية معينة، فرجحوا بذلك كفة المقترعين على أساس طائفي. وكان من الجلي ان البعض انطلقوا من رد فعل واعتقاد بأن أصواتهم ستكون ضائعة فعزفوا عن التصويت، أو صوتوا على قاعدة اختيار "أهون الشرّين". هذا ناهيكم عن نسبة من لم يمارسوا حقهم في التصويت والتي بلغت 38 في المائة، وهي نسبة لا يستهان بها، وكان كثير منهم، وبينهم متعلمون، يائسين ومحبطين من جدوى المشاركة.
* * *
كان الملايين يبحثون، عبر وعي محدود، عن بديل، غير أنهم عجزوا عن اكتشافه والتقاطه. وبالمقابل أخفقت القوى الديمقراطية، لأسباب معينة، موضوعية وذاتية، في تقديم بديلها ومشروعها التغييري بقوة وجاذبية لملايين الطامحين الى التغيير ممن انكفأوا، بالتالي، الى القوى التضليلية ذاتها.
وعلى الرغم من حدوث عملية تزييف واسعة للوعي عبر استثمار الثقافة السائدة بكل تجلياتها، فان علينا إدراك حقيقة أن ديالكتيك الصراع لم يتوقف عند هذا الحد. فالفترة منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الآن ليست مديدة، لكننا شهدنا فيها تغييرات هامة ذات دلالات عميقة، وفي مقدمتها فشل المشروع الطائفي، وإخفاق القوى المتنفذة في إحكام قبضتها على السلطة.
لعل الأمل الذي نتمسك به نحن الشيوعيين، على الدوام، هو الذي يجعلنا ننظر الى "خسارتنا" الحالية باعتبارها، من زاوية معينة، "لحظة تحرير" من عوائق معينة، ولحظة انطلاق، بروح اقتحامية جديدة، نحو الغايات الساميات، ونعني، على وجه التحديد، العودة الى ينابيع فكرنا المتقد وصلاتنا الحميمة الحية بالناس. ولا ريب أن تقييمنا النقدي المتوازن لمسيرتنا هو الذي يحوّل الأمل الى وسيلة فعالة بأيدينا لتحدي الصعاب وتعزيز الثقة بأنفسنا وبعدالة قضيتنا والسير بخطى راسخة صوب آمالنا المقبلات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابحث عن طريقة اخرى يااستاذ رضا
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 3 / 30 - 23:42 )
اذا لم تخني الذاكره فاننا اصحاب من اكثر من 31 سنه ولتكن منذ ايام عدن
فلك مني اعذب التحيات والاماني
انت لازلت بحيوية عاليه انا عيوني وصحتي مع كبر العمر لاتسمح لي ان اقراء لك دائما واليوم قراءت واصبت بالاحباط
نفس القالب اما نحن نفوز او الدنيا كلها على خطاء
حشع من افرازات المجتمع العراقي نبته وخرجت من هذه الارض المعطاءه التي لاتبور النبته هذه مرت عليها اياما وسنون ازدهرت فيها كما لم تزدهر وردة ليس فقط في الشرق الاوسط
هل الارض تنبت نبتة واحده وتموت - الارض - لماذا مثل هذا التفكير
انا لااحب الى درجة الخوف من الاستشهاد بالنصوص بل وحتى بالوقائع القديمه
لان حتى الهواء الذي نستنشقه ليس هو هو في الدقيقة الواحده كل شئ في حركة
وتفاعل واختلاط وامتزاج و و و بشكل دائم وبلاتوقف
رغم ذالك تعجبني جدا في حكمتها حادثة يوم الاحد الدامي الروسيه
العمال عاندوا وقالوا القيصر ابو الكنيسه نحن نذهب اليه وهو الذي يحل مشاكلنا
ولم يستطع البلاشفه اقناعهم بعدم الذهاب الى درجه انهم ذهبوا معهم وماتوا معهم برصاص جند القيصر
الحكمه استاذ رضا لماذا لانذهب نحن حيث الجماهير ونتعالى ونريدها تاءتينا ه

اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران