الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة سَرت التي لاتسر

شاكر الناصري

2010 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


في الوقت الذي يشهد فيه العالم أحداث سياسية كثيرة ، مؤتمرات أو لقاءات قمة ،بعضها مثير لأنه ينطوي على قرارات وممارسات قد تترك أثارا على مسار العالم وما يمر به من أزمات وصراعات مصيرية وتنافس قوى سياسية وأنهيارات أقتصادية تترك أثرها الاكبرعلى حياة سكان الكرة الارضية وأحداث أخرى لايعيرها الأنسان ووسائل الأعلام الأهتمام الكافي لأنها مكرورة وليست ذات جدوى ولاتعد نقطة فاصلة ومؤثرة في ما يشهده العالم .. ولعل القمة العربية أو قمة الحكام العرب الأخيرة التي أنعقدت في مدينة سرت الليبية واحدة من هذه الاحداث التي باتت تمر مرور الكرام دون أثر أو فائدة تذكر . فما هي الا مناسبة يعقدها الحكام العرب لتذكير دول العالم والمؤسسات الدولية بأنهم موجودين ويمتلكون القدرة على أتخاذ القرارات المناسبة التي تتعلق بمصير الدول العربية ومواطنيها .

حين يعقد بعض الحكام من دول العالم المختلفة مؤتمرا لهم أو يعقدون لقاءا تداوليا في أمر ما فإن وسائل الأعلام العالمية ومراكز الابحاث والمؤسسات الأقتصادية تنظر الى هذا الحدث بالكثير من الأهتمام وتسعى لأستكشاف ما سيتم طرحه من مناقشات والقرارات الختامية التي يمكن ان تصدرعنها وتأثيرات تلك القرارات على قضايا الحياة والمعيشة وتطور الحريات والحقوق الاساسية لبني البشر، لكن القمة العربية الأخيرة ينطبق عليها القول المأثور ( لا بالعير ولا بالنفير) فما هي الا قمة لبعض من منبوذي الدول العربية ولكنهم الأكثر قدرة على فرض القمع والأستبداد وسحق الحريات واستلاب الحقوق . مجموعة من البشر وصلت الى كرسي السلطة فإمتلكت كل شيء ، السلطة والثروة والتحكم بمصير ملايين البشر وأذلالهم وسحق كرامتهم وتحويلهم الى قطعان من العبيد في ممالكهم التي تحولت الى سجون مترامية الأطراف . مجموعة من البشر يتميز الكثير منهم بعدم قدرته على فك الحرف وقراءة ما كتب له وبحرف كبيرعلى ورقة طويلة وكبيرة وملقن لايتردد من الظهور العلني ، لكنه ويعجزعن النطق بكلمة مما مكتوب له حتى لو كان رئيس للقمة .

لم يترك القذافي قمته الأخيرة تمر مرور الكرام ودون مفاجئات مثيرة كما عهدناه ، مفاجئات تبين حجم الخلل الكبير الذي تنطوي عليه شخصيته ، ولكنها تدلل على مدى الأنحطاط الذي تغرق فيه الدول العربية وحكامها وتطرح السؤال الملح دائما ، لماذا يواصل هؤلاء الحكام حكمهم وتسلطهم ، واين هي الطاقات والنخب السياسية والثقافية التي كثيرا ما يتم الحديث عنها وأنها كفاءات تفتخر بها الدول العربية ..؟ لعل مساعي القذافي لازاحة الستارعن تمثال كبير لصدام حسين وسط القاعة التي تعقد فيها القمة لاتختلف كثيرا عن مساعيه في أستقبال وفد من أتباع صدام حسين تحت يافطة المعارضة العراقية . فالرجل اراد من مناسبة أنعقاد القمة أن يوجه رسالة تبين أعجابه بصدام حسين وبممارساته وبطشه ، وهو الذي طالما عبر عن أعتزازه وأعجابه بجمال عبد الناصر وممارساته وحسه القومي . لم يتناسى الحديث عن المقاومة والأحتلال وصمود القدس ولكنه يعلم تماما ان جميع من في القاعة من حكام وملوك وأمراء لايختلفون كثيرا عن صدام حسين ، من جهة الأنفراد بالسلطة والاستناد الى أجهزة المخابرات والقمع وتعزيز هيمنة سلطة الحزب الواحد وأشاعة التمييز بين المواطنين على أسس عرقية ومذهبية وعشائرية وان كل ما يعنيهم هو تجنب المصير الذي آل اليه صدام حسين وحكمه وسلطته الأستبدادية وإن كل ممارساتهم وأحاديثهم التي تتناول الوضع في العراق إنما تتم من هذا المنطلق ، فحسرتهم على صدام حسين تنبع من حسرتهم على المصير الذي يتوقعون انهم سيواجهونه في يوم ما .

حين يعقد قادة دول الأتحاد الأوربي مؤتمرا لهم فإن الحديث عادة ما يتم عن الأرتقاء بمستوى الرفاهية في الدول الاوربية وحقوق الأنسان ومستوى الضمانات والخدمات ومراجعة القوانين التي يتم تشريعها ويجد فيها البعض تجاوزات وأنتهاكات لحقوق الأنسان وأنتهاكا أيضا لتعهدات الدول الأوربية بهذا الخصوص . يتحدثون عن الأزمة الأقتصادية وتأثيراتها على الدول الاوربية وكيفية دعم الدول التي تتعرض الى أزمات حادة كاليونان أو ايسلندا وغيرها من الدول الأوربية وإن كل القرارات والتوصيات التي يتم أتخاذها عادة ما تكون عرضة للمراجعة من الكثير من الجهات والمؤسسات ومراكز الابحاث في الدول المعنية . ويتحدثون أيضا عن مكانة أوربا السياسية والأقتصادية ودورها في تحديد مصير العالم وأفاق المستقبل والسياسات التي يجب أتباعها من أجل تعزيز الأمن والسلم العالميين والتصدي لمخاطر الأرهاب والتطرف الأصولي .

لو وضعنا ما يتم طرحه في قمة الأتحاد الأوربي في مقارنة مع ما يتم طرحه من قضايا وقرارات ومناقشات في قمة الحكام العرب لوجدنا أنفسنا ، قطعا في موضع الظالم وغير المنصف تماما من ناحية المقارنة والتاثير العالمي ومن ناحية المصداقية والمسؤولية في تنفيذ القرارات والألتزام بها .
ما يعني الحكام العرب من مواضيع القمم العربية والأنشغال بها ، إنها تحولت الى مناسبة للعلاقات العامة وألتقاط الصور وتذكير العالم بأنهم حكام ويمارسون الحكم والسلطة في منطقة هي الأكثر قمعا واستبدادا وأنتهاكا للحريات والحقوق الأساسية للأنسان وتحولت الى منطقة يعمها الفقر والجهل والأمية وأصبحت مرتع كبير وقاعدة أساسية للتطرف الديني الأصولي وتفريخ الجماعات الأرهابية . وأنهم ، أي الحكام العرب ، وفي نفس الوقت يمتلكون قدرة على افشال أي مشروع للأرتقاء بأوضاع حقوق الأنسان وتحقيق الاصلاحات السياسية والدستورية التي من شأنها ان تمهد الطريق أمام تحولات في بنية السلطة وعلاقتها بالمواطن المنكوب بحياته ومعيشته وإن أية محاولة كسيحة لأشاعة الديمقراطية وأشراك المواطن في تقرير مصير الدولة والمجتمع الذي يعيش فيه ،فإنها تواجه بخرافة الخصوصية الثقافية والدينية وبالقيم والعادات التي تعتاش عليها هذه الحكومات .

حين يطلق الحكام العرب على قمتهم الأخيرة قمة دعم صمود القدس ، فإنهم يواصلون تخليهم عن كل القضايا الاساسية التي تمس حياة المواطن في الدول العربية ، العمل والمعيشة والحريات والأمان والتعليم والصحة والخدمات ..فتحت ستار القدس وتحريرها مارست الحكومات العربية شتى أنواع الاستبداد وأستلاب الحقوق وتركيز الثروات بيد حفنة من لصوص السلطة ومرتزقتها . الحديث عن تبليط شارع أو بناء مدرسة أو مركز طبي أصبح يهدد جهود تحرير القدس واستعادة الأرض السليبة . موضوعة كهذه باتت لاتنطلي على ابسط أنسان في الدول العربية ، اذ تحولت ممارسات الحكام وأجهزتهم القمعية الى مادة للتندر وأطلاق النكات ولعل النكات والأشعار التي أطلقها المصريون بخصوص مرارة رئيسهم كافية لتبيان الانفصال التام الذي يميز علاقة هؤلاء الحكام بالشعوب التي يتلذذون بإذلالها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر