الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل المغرب في حاجة إلى حكومة سياسية؟

مصطفى عنترة

2004 / 7 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عاد مطلب تشكيل حكومة سياسية بقيادة وزير أول حزبي ليطفو من جديد على سطح الأحداث، إلا أن مصدر هذا المطلب قد اختلف هذه المرة ،حيث كان وراءه أحمد عصمان، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بمناسبة لقاء جمعه بالنواب المنتمين إلى حزبه. وللتذكير فقد تعودنا على بروز مثل هذا المطلب ضمن دفتر المطالب السياسية والدستورية للأحزاب المحسوبة على الصف الديموقراطي. فما هي إذن، الأسباب التي دفعت عصمان إلى المطالبة بحكومة سياسية، وهل يمكن تشكيل مثل هذه الحكومة في ظل الدستور الحالي، وإلى أي حد يمكن أن يعرف هذا المطلب ترجمته على أرض الواقع ؟ هذه الأسئلة وأخرى سنحاول الوقوف عندها قصد ملامسة جوانبها المتعددة خاصة وأنها احتلت في السنوات الأخيرة حيزا هاما داخل الخطاب السياسي بالمغرب.

ـ وزير أول حزبي:
إن ما يميز هذا المطلب أي حكومة بقيادة وزير حزبي أو سياسي أنه صادر عن رجل يختلف نسبيا عن بقية زعماء الأحزاب السياسية، أولا لكونه الديبلوماسي الحزبي الوحيد الذي عرف بخرجاته الإعلامية المحسوبة رغم قلتها، وثانيا لكونه رافق سياسيا وشخصيا الملك الحسن الثاني وخبر العمل السياسي من موقع متقدم، إذ سبق له أن شغل منصب سفير للمملكة في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم وزيرا للتجارة ومديرا لديوان الملك الحسن الثاني ووزيرا أولا وأيضا وزيرا في الشؤون الخارجية ورئيسا لمجلس النواب.. بمعنى أن إشارة زعيم الأحرار بمنأى عن أن تكون فارغة ولا يمكن أن تمر من غير أن تلتقط من طرف المتتبعين والمهتمين بالشأن السياسي ببلادنا، اللهم إذا كان عصمان أراد من ورائها ممارسة نوع من المزايدة السياسية على الدوائر النافذة داخل الحكم التي تسببت له في الأزمة التنظيمية التي يعرفها حزبه بعد التعديل الحكومي الأخير.
مما لاشك فيه أن الأحزاب التي ولدت في أحضان الإدارة(أي تلك المنعوثة بالادارية) تعرف أزمة ثلاثية، أولها خطيئة النشأة لكونها تمت في أحضان المخزن، وثانيها أزمة الدور السياسي الراهن داخل الحقل السياسي، وذلك بعد فقدانها للبوصلة التي تمكنها من معرفة تحركات وخطوات الملك، وثالثها أزمة التنظيم خاصة بعد افتقادها للعناية التي كان يحفها بها بالأمس القريب إدريس البصري، وزير الدولة في الداخلية الأسبق، والمتجسدة في توجيه مثل هذه الأحزاب وكذا في التدخل لحل خلافاتها الداخلية .. إلخ، مع التأكيد على أن علاقة عصمان بإدريس البصري و أو رضا كديرة على سبيل المثال لم تكن في أحسن الأحوال، إذ كان يسودها توترا ظهرت معالمه في العديد من المحطات خاصة وأن عصمان كان ولاءه للملك وليس للبصري أو غيره .
وهكذا يكون أحمد عصمان، زعيم التجمع الوطني للأحرار، قد أطلق إشارة سياسية هامة، قد يكون يتوخى من ورائها إما "سرقة" المطلب الدستوري من أحزاب الكتلة الديمقراطية التي لم يعد مثل هذا المطلب ضمن انشغالاتها المركزية وبالتالي توظيفه بهدف منح نفسه شرعية التواجد داخل الساحة السياسية أي تجديد شرعيته.. وأيضا التميز على الاحزاب الكتلوية( نسبة إلى الكتلة الديمقراطية) أو الاستمرار في نفس الوظيفة السياسية التقليدية التي عرف بها زمن الملك الراحل الحسن الثاني، والكل يتذكر استدعاء الملك الراحل لأحمد عصمان في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ومباركته رسميا لممارسة دور المعارضة البرلمانية بعد أن أعفي (أي عصمان) من الوزارة الأولى، إذ أصبح حزب التجمع الوطني للأحرار حينها موضوعيا في وموقع المعارضة، والسبب في ذلك يعود إلى نوعية المطالب التي تقدم بها عصمان كتشكيل حكومة منسجمة من أغلبية البرلمان.. الشيء الذي أغضب الحكم وخلق له متاعب توجت بانشقاق مجموعة أرسلان الجديدي وعبد الله القاديري التي أسست فيما بعد الحزب الوطني الديمقراطي..وإما ممارسة نوع من المزايدة السياسية بغية التغطية على الأزمة التنظيمية التي يعرفها حزبه خاصة بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهت إليه بمناسبة الإعلان عن حكومة إدريس جطو في طبعتها الثانية.

ـ الإشكال العميق:
أكيد أن مطلب تشكيل حكومة بقيادة وزير أول حزبي هو مطلب يمر تحقيقه عبر إصلاح الوثيقة الدستورية الحالية، ذلك أن الفصل 24 من دستور المملكة الموضوع على مقاس الملك يعطي هذا الأخير حرية واسعة في تشكيل فريق حكومي من اختياره وإقالته وقتما يشاء. ولا نعتقد أن موازين القوى راهنا ترجح لفائدة غير الملك الذي يبدو متحكما وبشكل جيد في الوضع الداخلي للبلاد ويبدو أن استراتيجية حكمه بدأت تلمس في ميادين عدة (المرأة، حقوق الإنسان، الأمازيغية، الميدان الاجتماعي..).
لقد أوضح التعديل الحكومي الأخير ضعف الأحزاب السياسية من حيث تأثيرها على مراكز صنع القرار، وانضاف ذلك إلى ضعف تواجدها الفعلي الميداني داخل الساحة الوطنية، فقد تتبعنا جيدا كيف تدخلت الدوائر النافذة داخل الحكم لفرض أسماء معينة بعيدة عن البيت الحزبي للأحرار ونفس المشهد تتبعناه مع حزب الاستقل في حكومة إدريس جطو الأولى، وكاد أن يتكرر مع بوعزة إيكن الذي رفض مطلب جطو بقبوله احتضان اسم ليمثل حزبه في الحكومة، إلا أن جواب هذا الحكم كان هو زعزعة موقع إيكن على رأس الاتحاد الديمقراطي.
إن الدستور يمنح صلاحيات واسعة للملك على مستوى تشكيل الفريق الحكومي الذي سيشتغل إلى جانبه، على اعتبار أن الملك هو المخول بتحديد الاختيارات الكبرى للبلاد وبتعيين الحكومة ثم بإقالتها، وأن هذه الأخيرة أداته الطيعة في تنفيذ توجيهاته لكون المكونات المشكلة لفسيفساء المشهد الحزبي تفتقر إلى برامج سياسية واقتصادية وكل اختلاف حاصل بينها هو اختلاف حول سبل تنفيذ البرنامج الحكومي. فالاتحاد الاشتراكي المحتج على تعيين التقنوقراطي إدريس جطو خلفا للاتحادي عبد الرحمان اليوسفي لم يجد أمامه إلا "المنهجية الديمقراطية" التي تضمنها بيان مكتبه السياسي بعيد الإعلان الرسمي عن تولي جطو الوزارة الأولى، وهي عبارة فارغة لأن الدستور واضح، وهذا ما جعل بعض الفعاليات السياسية والمدنية تؤكد، إبان النقاش السياسي الذي خلقه بيان القيادة الاتحادية، أن علاج مثل هذا الوضع يتطلب إصلاحا دستوريا عميقا.
يرمي مطلب وجود حكومة سياسية إلى رد الاعتبار إلى الأحزاب السياسية وتسييد ثقافة المحاسبة السياسية، والعاملان معا يمثلان أساس الديمقراطيات الحديثة، لكن هذا المطلب بالصيغة المطروح وفقها من طرف البعض من شأنه أن يخلق حكومة برأسين (أي الملك والوزير الأول)، وهذا الوضع لا يمكنه أن يتجسد على أرض الواقع في ظل الدستور القائم الذي يمنح الملك سلطات واختصاصات واسعة في علاقته بالجهاز التنفيذي. فالاتحادي عبد الرحمان اليوسفي تم تعيينه في سياق دقيق، ليس لأن حزبه جاء على رأس قائمة الأحزاب المرشحة في الانتخابات التشريعية عام 1997 والتي عرفت ـ كما هو معلوم ـ تدخلا مفضوحا لفائدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولكن لـ "الاتفاق الشخصي" الذي عقده مع الملك الراحل الحسن الثاني من أجل أهداف محددة، والذي عبر عنه اليوسفي بالقسم على المصحف الكريم علما بأن الملك الراحل أكد لليوسفي خلال تعيينه أن الدستور هو الذي ينظم علاقتهما.. فاليوسفي تم تعيينه وزيرا أولا قبل أن ينزل بكل ثقله السياسي لتزكية هذا التعيين في اجتماع للجنة المركزية لحزبه، ونجد في طليعة هذه الأهداف توفير شروط السلم الاجتماعي والتوافق السياسي بغية إنجاح عملية الاستخلاف، المساهمة في التخفيف من الأزمة الحادة التي كشف عنها تقرير البنك العالمي وإنقاذ البلاد بالتالي من "السكتة القلبية" التي كانت تهددها حسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني، المساهمة في التعبئة الشعبية قصد تتمين الجبهة الداخلية لمواجهة تطورات قضية الصحراء المغربية...
لكن النجاح الذي أحرزته عملية انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس وكذا النجاح الذي عرفته سياسة هذا الأخير إلى حدود الساعة على مستوى تدبير أمور البلاد، جعل الحكم يتراجع عن الاتفاق المبرم مع الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي ودفع الملك الصلاحيات التي يمنحها إياه الدستور، وذلك بتعيين شخصية تقنوقراطية مقربة إليه على رأس الوزارة الأولى، وهي شخصية إدريس جطو، بل أكثر من ذلك بتشكيل مجموعة من اللجان والمؤسسات ( المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هيأة الإنصاف والمصالحة..) لتشغل إلى جانبه على قضايا مجتمعية كبرى. كما أن التعديل الحكومي الأخير كرس موقع التقنوقراط داخل الجهاز التنفيذي في وقت تعالت فيه الأصوات بالمطالبة برد الاعتبار إلى العمل الحزبي من خلال إنقاذ الأحزاب السياسية من موتها البطيء المعلن.

ـ الاستثناء لا يقاس عليه:
معلوم أن المغرب لم يعرف منذ صدور أول دستور للمملكة عام 1962 تنصيب أي وزير أول سياسي على رأس الحكومة باستثناء الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، مع الإشارة في هذا السياق إلى أنه قبيل هذا التاريخ تقلد الاستقلالي أحمد بلفريج مسؤولية حكومتين وترأس عبد الله إبراهيم رئاسة حكومة1959ـ 1960، أما باقي الحكومات فقد تعاقبت على إدارة شؤون وزاراتها الأولى، شخصيات معروفة بولائها وقربها من القصر الملكي. وقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني الذي لم يقطع حبل الاتصال بمعارضيه حتى وهم متمرسون في خندق المعارضة، أن دخل في مفاوضات مع هؤلاء بغية تشكيل حكومة بقيادة شخصيات سياسية، ونسوق من بين هذه المحاولات تلك التي قام بها الملك الراحل إبان سنوات عقد الستينات من القرن الماضي حين دعا الزعيم الاتحادي المهدي بنبركة عن طريق ابن عم الملك (الأمير مولاي علي) إلى العودة إلى أرض الوطن والعمل إلى جانبه على تشكيل حكومة وطنية مع العلم بأن المفاوضات بين الملك وعبد الرحيم بوعبيد ورفيقه اليوسفي كانت سارية ولم توقفها إلا عملية اختطاف واغتيال بن بركة، وهو الأمر الذي كشف عنه بيان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الصادر بمناسبة اختفاء بن بركة ورد عليه إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي حينها بالنفي... نفس الدعوة وجهها إلى كل من علال الفاسي وعبد الله إبراهيم بعد المحاولة الانقلابية الأولى قصد تشكيل حكومة منسجمة ذات حيث اعتذر الفاسي عن تحمل مسؤولية الوزارة الأولى في ظل الشروط القائمة آنذاك، الشيء الذي جعل الملك يرشح عبد الرحيم بوعبيد، لكن هذا الأخير اعتذر هو الآخر، مما جعل الملك يرشح عبد الله إبراهيم الذي رحب بالعرض الملكي وقام باختيار فريق حكومي أسند فيه حقيبتي وزارة الداخلية ووزارة الدفاع على التوالي إلى محمد أوفقير وإدريس بنعمر، الشيء الذي رفضه الملك الحسن الثاني بدعوى عدم استشارته في وضع الاسمين في لائحة الحكومة علما بأنه يمثل رئيس أركان القوات المسلحة الملكية، و انتهى الأمر بذلك بالعدول عن تشكيل الحكومة المذكورة.. نفس الدعوة وجهت إلى أحزاب الكتلة الديمقراطية في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، ذلك أن قادة هذا التحالف رحبوا بالفكرة ودخل مسؤولو الحزبين الأولين في الكتلة الديمقراطية في مفاوضات تعثرت في المرحلة الأولى وكادت تجد طريقها إلى النجاح في المرحلة الثانية، إلا أن تمسك المرشح لتولي الوزارة الأولى الذي وقع عليه الاختيار آنذاك وهو أمحمد بوستة (الأمين العام السابق لحزب الاستقلال) بإبعاد إدريس البصري عن وزارة الداخلية حال دون ذلك، مع العلم في هذا الباب بأنه تم تداول أسماء داخل الوسط الاستقلالي كانت قد اقترحت لتعويض "ابن الشاوية" البصري وهي كالآتي: حسني بنسليمان، القادري عبد الحق وعبد العزيز بناني، وهم للإشارة جنيرالات ذات أصول اجتماعية فاسية !؟ لكن الملك الراحل كان واضحا في هذا الشأن، حيث اعتبر البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بعبارات ذات دلالة قوية أن النزول عن معارضة البصري داخل حكومة تناوب قد يمس مساسا خطيرا بحسن سير المؤسسات المقدسة، وقرر العدول عن إنشاء حكومة التناوب وتأسيس حكومة جديدة تشكل فيها الأغلبية البرلمانية وقتها العنصر السائد. ولم تنقطع الاتصالات بين الطرفين أي الحكم وقادة حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، حيث تم فتح مجموعة من أوراش الإصلاح، بعد تقرير البنك الدولي الشهير، همت بالخصوص تحديث مجموعة من القوانين المؤسساتية، وانتهت بتوقيع أطراف العملية الإنتاجية على اتفاق فاتح غشت 1996 وكذا الأحزاب السياسية والحكومة على ميثاق شرف حول نزاهة الانتخابات... وقد توج هذا المسلسل بتعيين عبد الرحمان اليوسفي على رأس الوزارة الأولى.
والملاحظ أن سياق هذه الدعوات الموجهة من طرف الحكم كان يتمثل دوما في اشتداد الأزمة.
ـ مطلب الحكومة السياسية:
لم يعرف المغرب حكومة سياسية كما هو متعارف عليه في الديمقراطيات الحديثة، إذ إن غالبية الحكومات كانت عبارة عن كوكتيل من الحزبيين والتقنوقراطيين، وكان الملك يحتل فيها ـ بوصفه رئيسا للوزراء ـ موقعا متقدما من خلال تحكمه في القطاعات الحساسة والرئيسية والتي يضع على رأسها شخصيات مستقلة أو حزبية معروفة بولائها له وبقربها منه كشكل من أشكال المراقبة الحكومية من الداخل لأن الحكومة مسؤولة أمامه وأمام البرلمان. ومن هذا المنطلق كل حديث عن حكومة سياسية بالمفهوم الغربي مجرد كلام فارغ وضربا من الهذيان يغادر الواقع الذي يعد محكوما بمقتضيات الدستور الحالي. فالملك لا تهمه طبيعة الشخصيات التي بإمكانها تولي الوزارة الأولى، حيث لا فرق لديه بين الفاسي أو اليوسفي (مع التأكيد في هذا الباب أن اليوسفي وظف أكثر رمزيته التاريخية) أو جطو أو عصمان أو العثماني أو العنصر لأن الملك عندما يضع ثقته في شخصية معينة كيفما كان انتماؤها الحزبي فإنها لا تحمل معها إلى الوزارة الأولى برنامجها السياسي بقدر ما تعمل على ترجمة التوجيهات الملكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت