الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صيد الخاطر 3

محمود المصلح

2010 / 3 / 31
سيرة ذاتية


لاحقا لصيد الخاطر 2 حيث ذكرنا أن الامومة شيء غريزي في الانسان ( الاب والام ) وان الحنان مزروع ، وقلنا ان ثمة من يشذ عن القاعدة .
ولكن من الحتمي أن الامومة شيء غريزي رغم كل الشذوذ في كل الدنيا ، ليس هذا فقط ، بل أن الامومة في المخلوقات كافة ، وفي الحيوانات التي نعرفها ونعرف قصصها ، من الواقع أو من الموروث الشعبي ، فكم قصة عن الكلبة ، أو العصافير والطيور الصغيرة ، وكم حكاية عن القطة ، والتي باتت مثلا ( فيقولون حتى الكلبقطة تخاف على صغارها ) وما نشاهد من حنان من الحيوانات على صغارها لعله يفوق مانتصور في عقولنا من حنان وعطف ومحبة ، رأيت في افلام البراري في المحطات الوثائقية حول القرود ، رأيت ما يفوق تخيلنا بمئات المرات ، ترى القردة الصغيرة وهي تحتضن صغيرها ، تعطف وتحنو وتطعم ، وتدلل ، نرى الصغير يتدلل على امه في مشهدية درامية غاية في الحنان والروعة . رأيتها كيف تنبري للدفاع عنه ، تضعه خلفها وتحميه بصدرها ، تلك قصة من واقع حياة البراري ، ورأيت في عالم الكلاب ، كلبة وضعت جرائها في خندق صغير ، تذهب وتأتي ايهم ولا تفارقهم ، عندما تذهب تبقى تلتفت الى الخلف وكـانها لا تستطيع ان تفارقهم حبا وحنا ..في يوم كان الصغار من اقراني يحاولون الاقتراب من الجراء بدافع الفضول ، فأنبرت لهم الكلبة ، ونهشتهم وآذتهم ، وهي الكلبة التي تربت في حينا وبيننا ونعرفها، ليست بشرسة او عدوانية .. فما دفعها هو خوفها على صغارها ..
رأيت القطة وهي تكافح لنقل صغارها بين أسنانها من مكان الى آخر تعتقد أنه اكثر امنا ...
في بحث قرأته قبل مدة كان يتساءل هل تضحك الحيوانات .. وهل تبكي .. اجاب بنعم .. حتى الفئران والحمير والقطط والكلاب تضحك وتبكي ..
اسوق لكم هذه القصة الحزينة حول الحمارة التيمات ابنها امام عينيها .. ماذا فعلت ..وكيف شعرت .. ونحن ننظر اليها ..
كان في مزرعة والدي في الصحراء بئر ماء ارتوازي لأحد كبار الملاك ، وكان والدي يأخذ المزرعة ضمانة على النصف مع مجموعة من الكادحين امثالنا ( لمنثل الاقطاع والعبودية بأبشع صورها ) قرب البئر الارتوازي كان صفا من اشجار الكينا على امتداد قناة للماء تصب فيها ماسورة من البئر ..
الحمارة ولدت في ظل صف اشجار الحور والكينا الباسقة ، وكان الوليد كان مريضا ، فلم يقوى على المشي .. كنا نراقب بغير اهتمام الحمارة الام وهي تلازم وليدها الصغير .. وفي يوم مات الحمار ، وبعد ايام اصبح جيفة ذات رائحة نتنة ، فلم يجد المزارعون بدا من أن يتخلصوا من هذه الجيفة للتخلص من تلك الرائحة ، فكان ان اقترح احدهم حرق الجيفة ، لصعوبة نقلها أو تحريكها من مكانها .. وعلى هذا تم الاتفاق ..
الحمارة الام تلزم الجثة على مدار الايام ولا تبرحها .
كان اليوم الموعود ، وساعة تنفيذ المهمة ، فجاء احدهم وصب على الجيفة ( جالون من الديزل ) واشعل النار في الجيفة ، وكل ذلك أمام امها الحزينة ،اشتعلت النار وعلت السنتها ، وزداللهب .
كانت الحمارة الام تنظر ( وأقسم على ذلك ) كانت تنظر بجنون ، وحسرة ، والم ، وقلة حيلة ، وقهر ، والدموع تنز من عينيها ، تقترب من النار يصفعها اللهب ، فتهرب بعيدا وهي تلفت الى الخلف بمشهدية مؤثرة تقطع نياط القلب لمن كان له قلب ، ثم فجأة تعود وبسرعة البرق وهي تهلث الى المحرقة ، تريد أن تقترب ، ان تدخل النار فلا تستطيع .. وتبقى تكررالمحاولة أكثر من مرة ..
كانت الامهات من بني البشر ، امهاتنا ينظرن الى الموقف بحزن وتأثر ومنهن من بكى على ذلك . .
استمرت النار مشتعلة لفترة ليست بقصيرة ، تخلص خلالها السكان من رائحة الجيفة، ولم يتخلصوا من عذاب الضمير ، وبقيت الحمارة الام طوال الفترة التي كنا نقضيها في المزارع ( ثلاثة شهور وهي فترة العطلة الصيفية ) بقت الحمارة الام تلازم مكان المحرقة حتى هزلت وضعفت ولا اظنها سلمتواستمرت وبقيت ..
وبقيت الامهات يقصصن الحكايات حولها الى اليوم ..
وبقي في قلبي مشهد لن انساه ما حيت ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار