الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس والعمال والرأسمال

بدر الدين شنن

2010 / 3 / 31
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


للتوضيح والتذكير لابد من القول ، أن ما سجل " بامتياز " لمهندس الاقتصاد السوري السابق الدكتور " العمادي " ، أنه قد حقق عبر القطاع العام ومؤسسات الدولة الخدمية ، " إنجازاً " قل نظيره في بلدان أخرى . وذلك بأن جعل من مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدمية ، التي كان معولاً عليها عند الانطلاق بإنشائها ، أن تنمو وتكبر لتشكل قاعدة تحولات اجتماعية تقدمية توفر حلولاً جذرية دائمة ، لمعادلات سوق العمل ، والأسعار والأجور ، والتخلف والتنمية ، وجعل منها كما قلنا سابقاً " الرحم الذي احتوى وجاء بشريحة من ماليين ورأ سماليين من أهل النظام مافتأت أن تربعت لاحقاً فوق قمة الهرم الاقتصادي " .. ووضع الأسس لخيار اقتصادي شامل .. قد تم ، أولاً ، حسب توجيهات رئيس الدولة ، في نظام رئاسي يتمتع بصلاحيات مطلقة ، والذي لايجرؤ أحد على مخالفته بشيء ، أو يتردد في تلبية مايريد ، وذلك من خلال آليات النظام الحكومية والأمنية والتشريعية والنقابية ، ضمن منظومة سياسية متكاملة . الأمر الذي فرض ، بطبيعة الحال ، على الطبقة العاملة والطبقات الشعبية وحدها أن تتحمل آلام مخاض تلك المرحلة ، المتمثلة بالغلاء ، وارتفاع الأسعار الفاحش ، وانخفاض مستويات المعيشة إلى ما دون خط الفقر ، مع تجريدها من حق تأسيس نقابات مستقلة ، ومن حق الإضراب ، والنضال المطلبي ..

بمعنى أن " العمادي " لم يكن ينطق عن الهوى ، لم يكن فعلياً سوى مهندس تنفيذي لقرارات وأوامر الرئيس الراحل ، لإنجاز مخططات البناء الاقتصادي الجديد ، ضمن إطار الحكومة المنفذة مجتمعة لأوامر وتوجيهات المراجع العليا في الدولة ..

وأن ما يسجل الآن لمهندس الاقتصاد السوري الحالي الدكتور " الدردري " أنه يعمل لتحقيق " إنجاز " يتجاوز فيه مرحلة " العمادي " ، بأن يجعل من إضعاف وتصفية القطاع العام ومؤسسات الدولة الخدمية الأسس التي ينبني عليها اقتصاد السوق الليبرالي ، والارتباط بمنظمة التجارة العالمية ، التي تسيطر عليها الاحتكارات الرأسمالية العالمية الكبرى ، والخضوع لإملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين ، على حساب الطبقة العاملة والطبقات الشعبية ، وذلك ايضاً حسب أوامر وتوجيهات الرئيس الحالي , ومن خلال آليات النظام الحكومية والأمنية والتشريعية والنقابية .. ألخ .. الأمر الذي ’يحمل الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الآلام الاجتماعية المضاعفة ، التي تنتج عن إجراءات هذه المرحلة . فالدردري ، وإن حملت إجراءات اقتصاد السوق والسعي الحثيث للارتباط بمنظمة التجارة العالمية بصماته ، على خلفية خبراته الاقتصادية ، فإنه لم ولن يقل عن " العمادي " إن في مستوى الولاء للرئيس ، أو في مستوى ما يقتضيه العمل ضمن منظومة النظام السياسية .

وكلاهما " العمادي " و" الدردري " يهدفان إلى تحقيق ا ستقالة الدولة من دورها الموجه للاقتصاد ، وإلى تجسيد الخيار الرأ سمالي الشامل ، واقتصاد السوق الليبرالي ، المقرر سياسياً على أعلى مستويات الدولة ، ويكمل أحدهما الآخر ، بالخبرة الاقتصادية الليبرالية ، وبالدور التنفيذي لمخططات المراجع العليا الاقتصادية . بيد أن ما يتميز به " الدردري " في تطبيق الخيار الرأ سمالي واقتصاد السوق ، أنه يتناول بدأب مجال تغيير البنى التشريعية للدولة ، بما ينسجم وهذا الخيار ، وخاصة التشريعات العمالية ، التي تحتضن الحقوق العمالية وتحميها ، وأنه من خلال آليات النظام السياسية والتشريعية والنقابية أيضاً عمل على إصدار قانون عمل بديل للقانون 91 / 1959 يتضمن إلغاء المرسوم 49 / 1962 القاضي بمنع التسريح التعسفي ، ويتضمن قاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، وتطبيق هذه القاعدة في القانون الجديد بمفعول رجعي ، يحيث تشمل عقود العمل السابقة على القانون ، ما سيؤدي إلى تعطيل جزئي أو كلي لقانون التأمينات الاجتماعية 92 / 1959 ، من خلال التحايل والتهرب من قبل أصحاب العمل ، في أجواء مناخ شروط الإذعان التعاقدية التي نص عليها القانون الجديد ، ليفتح في المجال الجشع للرأ سمال المحلي والوافد العربي والأجنبي لاستغلال العمال العبودي ، دون معوقات أو قيود تمثلها حقوقهم في أركان عقد العمل ، أو شروط العمل ، أو ضمانات السلامة من مخاطر المهنة والعمل ، التي كان يتضمنها القانون 91 وتعديلاته لاسيما المرسوم 49 ، وذلك رغم أن أن ماجاء في المرسوم 49 / 1962 ينظم حالات التسريح التعسفي فقط ، مع منح القانون لصاحب العمل في الوقت عينه حق تسريح العامل المرتكب لإحدى المخالفات العشر التي تضر بالعمل أو صاحب العمل ، وكذلك حق التوقف الجزئي أو الكلي عن العمل ، أي تسريح عماله جزئياً أو كلياً شريطة أخذ الموافقة المسبقة من الجهات المعنية حسب القانون 91 / 1959 ..

وقد كان من اللافت في " معمعة " مناقشة وإقرار قانون العمل الجديد ، أن أطرافاً سياسية " شيوعية " من ضمن التحالف الجبهوي ، أو شرائح وشخصيات " يسارية " خارج النظام ، كانت تتعامل مع ما تسميه " الفريق الاقتصادي " كجزء مستقل عن منظومة مؤسسة النظام ، لاسيما رئاسة الدولة ، و" الحزب القائد " ومجلس الوزراء ، محملة هذا الفريق كل تبعات النتائج السيئة المدمرة للخيار الرأ سمالي الشامل واقتصاد السوق الليبرالي ، والتعديلات والمستجدات التشريعية ، التي يستدعيها هذا الخيار . وفي ذروة هذه " المعمعة " لم تتجاوز هذه الأطراف في طروحاتها ، أكثر من شرح مثالب القانون ، وأكثر من دعوة العمال لمناشدة الرئيس للتدخل لوقف مناقشة هذا القانون وإقراره . محاولة بذلك أن تتنصل من مسؤولية التحرك الفعلي والمواجهة مع هذا الفريق ، إذا صح التعبير ، بوضع هذه المسؤولية على عاتق العمال أ نفسهم ، لتدبير أوضاعهم مع الرئيس ، لعله ، يتدخل لوقف العمل بمخططات منظومة دولته التي يقودها في المجال الاقتصادي .
إزاء ذلك واحتراماً للعقل والمنطق ، فإنه من الأحقية بمكان ، اعتبار ماقامت به تلك الأطراف ، هو ، إمّا توزيع أدوار بينها وبين " الفريق الاقتصادي " إياّه ، ضمن منظومة النظام العامة ، وإمّا هو نفاق لستر الخيانة الطبقية الجديدة ، التي ارتكبتها ، أمام العمال ، وأمام التاريخ .. أو كلاهما معاً .

ومن غير اللافت في هذا الصدد ، لكنه يدعو لحفظه في الذاكرة السياسية والنقابية ، وذكره عند تقييم النظام الشمولي ، أن الاتحاد العام لنقابات العمال ، حسب وزير الصناعة فؤاد جوني ، وحسب كون هذا الاتحاد جزءاً من آليات النظام العامة ، قد وافق في اللجنة الاقتصادية على القانون ، في وقت مطلوب منه كأعلى هيئة نقابية ، أن يكون في مقدمة المعترضين على سلبيات القانون ، المضرة بالحقوق العمالية ، وفي مقدمة العاملين بشتى الوسائل لإسقاطها مهما كلف ذلك من تضحيات . لقد أسقط نقابيو وعمال سوريا قبل ستين عاماً المرسوم 50 الذي أصدره الديكتاتور الشيشكلي المضاد للحريات النقابية .. ولحق به بعد قليل الديكتاتور نفسه .

ومن الجدير ذكره هنا ايضاً ، أن معظم قوى المعارضة قد لاذت بالصمت إزاء القانون الجديد ، ولم تعبر عن تضامنها مع الحقوق العمالية المكتسبة ، لاسيما المتعلقة بأركان العقد ، وحق رب العمل بالتسريح الكيفي التعسفي ، معبرة بذلك عن موافقتها على مايجري ، وذلك انسجاماً مع تقاطعها مع النظام حول الخيار الرأ سمالي الشامل واقتصاد السوق الليبرالي ، وبعضها لم يتجاوز التحرك الورقي في التعبير عن عدم موافقته ، دون حراك فعلي لمواجهة ا ستلاب المكتسبات العمالية ، التي تشمل ثلاثة ملايين عامل يعملون في القطاع الخاص ، باتوا خاضعين لعلاقات عمل أكثر إذلالاً وعبودية ، لنفي تهمة الاهمال والتقصير ، أو للتبرؤ من مسؤولية التواطؤ ، في حين ينبغي على قوى المعارضة ، لاسيما التي تزعم انتماءها لليسار ، أن تعترض بشدة ، وبأنشطة متعددة ، على هذه القيود التشريعية ..

ولذا ليس من الغرابة بشيء ، أنه في زمن غيب فيه القمع المزمن الحركات العمالية المكافحة ، و’غيب ، وغاب يسار له حضور نضالي شجاع .. في زمن باتت فيه الخيارات الليبرالية المتعددة الوجوه بديلاً للعدالة الاجتماعية والاشتراكية ، أن يناقش بمسرحية مكشوفة و’يقر أهل النظام وحلفائهم عبر " مجلس الشعب " قانون العمل الجديد بعد أن قررته المراجع العليا في الدولة ، الذي ألغى أهم مكسب عمالي لصالح الرأ سمال ، لاستكمال مستلزمات الخيار الرأ سمالي الشامل واقتصاد السوق الليبرالي ، ما سيعرض ملايين العمال للإذعان التعاقدي بمفعول رجعي طوال الحقبة السياسية الاقتصادية ، التي ستكابدها سوريا بدون الديمقراطية والحريات العامة والحريات النقابية ، ودون العدالة الاجتماعية . وستهنأ البورجوازية بالمكرمة ، التي قدمها لها النظام لتستمتع أكثر باستغلالها وا ستعبادها للعاملين لديها .

وهنا لاغنى عن الإشارة إلى أن برلمان 1946 ، الذي كان مؤلفاً من ممثلي الاقطاع والبورجوازية الناشئة في المدن ، قد ا ستجاب لمطالب وفود العمال التي جاءته مطالبة ، لدى مناقشته قانون العمل 279 /1946 ، أن يتضمن القانون ، خاصة ، دوام 8 ساعات عمل في اليوم ، وحق الإضراب ، ونقابات عمالية مستقلة . وصدر القانون 279 متضمناً مطالب الوفود العمالية . وبعد أكثر من ستين عاماً ، يقوم برلمان " مجلس الشعب " ، الذي أغلبه من العمال والفلاحين بقيادة حزب " ا شتراكي " وتحاف " تقدمي " بالموافقة على قانون يسلب العمال أهم حقوقهم المكتسبة .

كما لاغنى عن الإشارة إلى أن المكتسبات المسلوبة في قانون العمل الجديد ، قد انتزعها العمال ونقاباتهم في عهد " الانفصال " 1962 من الحكومة الرأ سمالية الرجعية ، لوقف التسريحات الواسعة ، التي ترافقت مع عملية إلغاء التأميم . وأن العمال المجردين الآن من حق النقابات المستقلة ، لم يدافعوا عن حقوقهم .. وأن نقابيي المرحلة الراهنة ، لم يدافعوا عن هذه الحقوق وحسب ، بل ووافقوا على ا ستلابها وضياعها ..

إن مسرحية مناقشة وإقرار قانون العمل الجديد ، كانت محاولة ممن أوحى بها وأخرجها ، أن ’يظهر أن ممثلي الشعب قد مارسوا دورهم التشريعي الديمقراطي في مجال يهم قطاع هام من الشعب .. وذلك للتمويه على مسؤولية قمة هرم السلطة ونقاط ارتكاز أضلع الهرم الأساسية ، المتمثلة في " الحزب القائد " و " الجبهة الوطنية التقدمية " والأجهزة الأمنية ، والحكومة ، والنقابات .

بيد أن هذا التمويه لن ينطلي على أبسط العمال .. الذين سيتعرضون إلى مذلات وقيود القانون الجديد .. إضافة إلى مذلات القمع والفقر والرغيف .
وستبدع الطبقة العاملة والطبقات الشعبية من داخلها .. لامحالة .. آليات سياسية ونقابية بديلة جديدة .. تحمل شرف الدفاع عن حقوقها ومكتسباتها .. ومستقبلها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط