الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظمات الجبهة الديمقراطية في الأسر: ارث.. حاضر.. ومستقبل

عصمت منصور

2010 / 3 / 31
القضية الفلسطينية


بقلم الأسير عصمت منصور / سجن بئر السبع
أحد قادة الحركة الأسيرة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

من بين القصص التي لا زال صداها يتردد بين الأسرى، وتحفظها ذاكرتهم بكثير من الإجلال، تبرز قصة حياة وكفاح واستشهاد الرفيق عمر القاسم. والذي يحظى بإجماع نادر لم يسبق له مثيل ويتمتع بحضور لافت تضمره هالة من القدسية الأمر الذي جعل تاريخ استشهاده حدثاً يختزل ويحوي ويعبر عن تاريخ ومسيرة عشرات ومئات الشهداء، ويسمو فوق كل مظاهر الترهل والتراجع التي ألمت بالحركة الأسيرة وطالت الكثير من قيمها. وهنا أمر له دلالته... ولم يكن لمثل هكذا سيرة مشرفة وزاهية أن تتحرك وتترك هذا الأثر الذي لا يزول، بمعزل عن المناخ الذي أنتجها وتفاعل معها وشكل البيئة التي هيأت لها أن تتجاوز فرديتها لفترة وهي منظمات الجبهة الديمقراطية في الأسر، وهي ذات المنظمات التي أرسى أسسها وقواعدها وصاغ أول لوائحها الشهيد القاسم ورفاق الرعيل الأول ممن رافقوا وواكبوا انطلاقة الجبهة من داخل زنازينهم وهذا بحد ذاته يلقي ضوء كاشفاً على طبيعة العلاقة، المتشابكة والعميقة بين الفرد الرفيق العضو المبدع والمنظمة الحزبية المعبرة عن الإرادة الجماعية والتربة الصحية التي تمكن الفرد إن يتواصل مع الجماهير وقضاياها وأن يقدم مساهمته عبرها. وإذا كانت هذه العلاقة تندرج في البديهيات في ظل حالة ثورية وضمن نسق وارث وتجارب الأحزاب الثورية فإنما يجري استرجاعه عبر هذه المقدمة لتسليط مزيد من الضوء على غزارة تجربة الأسر وخصوصيتها وأيضاً كإشارة نقدية لما آلت إليه هذه المنظمات وهشاشة العلاقة التي باتت تربطها بالحزب، حتى أصبحت تقتصر على الشعار والكنتين أو المخصص الشهري والآليات البروقراطية وبرودها الذي يفقدها بعدها الثوري، الأمر الذي ساهم بقسط كبير نسبياً في تهميشها والتقليل من حجم مشاركتها وتأثيرها وإقصاءها في زاوية مظلمة في الأدبيات الحزبية.
في وجه من وجوهه يأخذ الصراع بين الأسير والأسر بعداً رمزياً بحيث يحاول الأسير كسر شرنقته وإلغاء السجن عبر إبطال مفعوله وتجاوز حدوده وإجراءاته التي ترمي إلى عزله عن ميدان الفعل وساحة النضال وما يمكن اعتباره اغتيالاً لدوره وإخراجه من دائرة الأحداث، وقد عبرت تجربة الأسرى وانتظامهم في أطر حزبية وحركية عن إصرارهم الأكيد على الإبقاء على هذا الربط العضوي وإبقاء جذوتهم متقده ودورهم فاعلاً معنوياً ومادياً سواء في الإطار الحزبي الضيق أو في الساحة الأوسع وطنياً مع الجماهير، وهنا يمكن الحكم بكل ثقة إن هذه التجربة سجلت نجاحات باهرة ويسجل الرفاق في الجبهة الديمقراطية دوراً مميزاً ومشرفاً ومبادراً إن على جبهة التصدي لمديرية السجون وخوض نضالات اعتقالية ضدها أو في مجال تنظيم السجون وتوحيد الأسرى وتهيئة الساحة لخوض هذه النضالات، أو مع الخارج ورفد الساحة بخبرة القادة والكوادر الحزبية والنقابية والفكرية والعسكرية وعلى مستوى الأفكار والمشاريع الخلاقة مما شكل سياجاً حامياً تصدى لمحاولات الاحتلال الهادفة إلى إفراغ شعبنا وقضيته الوطنية من مضمونها.
لقد عشت شخصياً تجربة اعتقالية امتدت سبعة عشر عاماً وشاء القدر أن أكون شاهداً وأن أعاصر عهد التراجع وكيفية تسرب آثار أوسلو ورواسبه وسلبياته داخل السجون، وأي أثر كان له في أوساط الأسرى والذي ترجم بحالة من التردي والتراجع طالت كل مناحي الحياة الاعتقالية وفي مقدمتها المؤسسات والمنظمات الجامعة والمرجعية بحيث تحول جيش الأسرى الموحد وأصبح مبعثراً ووقع فريسة التجزئة والتشرذم التي أنتجتها المعايير والتقسيمات الإسرائيلية والتي نظرت وتعاملت مع الأسرى كفئات منفصلة حسب الانتماء السياسي "معارضاً ومؤيداّ لأوسلو"، والجغرافي: ضفة ومناطق 48 والقدس، والتهمة: "أيدي ملطخة بالدماء" لتستثني من عمليات الإفراجات التي أخذت شكل الابتزاز السياسي، للنواة الصلبة من الأسرى وباتت تلقي ظلاً قاتماً على الواقع برمته. تبع هذه المرحلة الشاقة وحالة الاستنزاف المرهقة التي نالت من معنويات الأسير وأعصابه والأهم من هذا نالت من شكل تنظيمه الأساسي ومرجعياته الداخلية وهويته حتى أضعف إلى أقصى حد مستوى الروابط الوطنية الجامعة التي حكمت وضبطت إيقاعها مؤسسات اعتقالية حزبية وحركية فاعلة مما يعني فقدانه لأي حصانة داخلية وسيطرة الفردية والهم الخاص على حساب الهم العام.
تبع هذا وما دفعته الانتفاضة من أمواج هائلة من الأسرى الجدد الذي افتقدوا، فضلاً عن الوعي الوطني الكافي والتعبئة السليمة والانضباط، إلى حاضنة داخلية تستوعبهم وتسير طاقاتهم الشابة في عملية بنائية تعيد الاعتبار للحركة الأسيرة، حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني الذي انعكس بشكل مدمر على الجسم الأسير وشكل الضربة القاضية للجهود الهادفة إلى أن ينهض الأسرى من ركام الإهمال والمهمات التي أهملوها.
وإذا كان الانقسام خلف فصلاً جسدياً ومادياً بين أسرى م.ت.ف وأسرى حماس بدأ قسرياً أول الأمر، فإنه ومع تعميق الانقسام الخارجي ومرور الوقت بدا مألوفاً ومطلوباً وأخذ شكل الشرخ وحالة تنابذ وتعصب ليس من اليسير القفز عنها وتجاوز أثرها، هذه عوامل ساهمت جميعها في ضرب نقطة الارتكاز وحجر الزاوية في صمود الأسرى، وهي المؤسسات الحزبية والاعتقالية مما أبقاهم عجزة في مواجهة هجمات إدارة السجون العنصرية التي شخصت حالة الضعف وانقضت على انجازاتهم وحقوقهم وأمعنت في إذلالهم وتحطيم إرادتهم، وتحجيم أي دور يمكن أن يلعبوه في التأثير في الساحة الوطنية لإنهاء الانقسام بما يليق بحجمهم ومكانتهم. مقابل هذه الصورة التي تدعو لليأس يتردد صدى تاريخ الحركة الأسيرة في المخيلة والذاكرة والآمال المعلقة عليها وترقب دور ما تؤديه اتجاه جماهير شعبنا، فالأسرى وبحكم الإجماع الذي يحظون به وطنياً ومجتمعياً لدى كل فئات شعبنا وقواه الفاعلة مؤهلون لأن يلعبوا دوراً حاسماً في دفع الأوضاع نحو الأمام خصوصاً في ظل الأزمات والمنعطفات التي تشهدها الساحة، وهذا الدور لا يمكن له أن يؤتي أكله أو أن يثمر دون إعادة إحياء المؤسسات الاعتقالية التي ستبعث الحياة بالقيم الوطنية والحزبية الجامعة، وهذه المؤسسات لن تنهض من سباتها دون أن تلتفت الأحزاب والحركات لها وأن تمدها بالدعم اللازم وأن تشركها في القرار وتفرد لها مساحة للفعل وتضعها أمام مسؤولياتها.
فالأسرى رغم كل ما يعتريهم وحالة الضعف التي يعيشونها لا زالوا يشكلون موضوعياً الطليعة المكافحة وخندق المواجهة الأمامي وهم في فوق هذا يحظون بثقل معنوي ورمزية يمكن ترجمتها سياسياً والبناء عليها وكل ما يحتاجونه هو أن تعاد جدولة الأولويات وهو أمر لا يمكن لأفراد ومساهمات ذاتية أن تنهض به، بل مؤسسات تعيد إحياء القيم الجامعة. وفي حالتنا هذه المنظمات الحزبية التي تستصرخ دوراً وتتعطش للعب دور في صفوف الأسرى وما ينعكس وينتج عنه وطنياً، فهذه المنظمات هي التربة الخصبة والحاضنة لكل المبادرات والسد المنيع في وجه الانهيار الشامل، ومن المؤسف أن تلقى هذه المنظمات هذا الإهمال والتجاهل وأن تترك لحالة التآكل والتحلل والتفكك التي أملتها ظروف سياسية وواقعية قاهرة دون أن تمد لها يد منقذة تنتشلها علها تقدم مساهمتها المأمولة كما حكم وخطط وأرسى قواعدها مؤسسها الأول داخل الأسر الشهيد الرمز الخالد عمر القاسم وورثها عنه رفاقه جيلاً بعد جيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة