الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألأتصال ألأخير

رزاق عبود

2004 / 7 / 22
الادب والفن


لكي لا ننسى من احبوا، وضحوا، وتغربوا، وماتوا في سبيل العراق
ألى صديقي الراحل مرتضى غالي

عام 1978 وبعد فتره من بدأ ألأرهاب العلني المكشوف ضد كل من، وما هو غير بعثي تمهيدآ لديكتاتورية الفرد الواحد في العراق ... التقيته صدفه، وانا في طريقي الى الغربه. المح الي انه يرتب "هجره" لأنقاذ رأسه المطلوب وحماية عائلته الفتيه. لم اخض معه بالتفاصيل، لم ابح له بنيتي، فالسفره كانت في منتهى السريه . حتى زوجتي التي ترلفقني لم تعرف بعد لماذا استدعيتها رغم كل المخاطر وألأحتمالات. قال فجأة

ـ انا اعرف انك مطارد مثلي، ومتخفي ، ولكن مع هذا فلابد من ألأحتفال بهذا اللقاء ، فلربما لن اراك ابدا!! وألأيام، والصدفه، او القدر هي التي جمعتنا لأودع صديق طفولتي ورفيق دربي بهذا الشكل الغريب والغير متوقع!! وكانت ليله جميله مع السمك المسكوف، على شاطئ دجله الحبيب.

لم اسال عن جهة منفاه، ولم يسأل،الى أين. وافترقنا ولم اسمع عنه شيئآ لسنوات، وانقطعت اخباره بالكامل. ولكنني لم اكف عن البحث عنه، وألأستفسار عن مكان وجوده، لأتصل به بشكل ما ... وافلحت جهودي بعد 15 عاما. وبدأنا نتراسل، ونتحدث بالهاتف، ونخطط للقاء العمر.

في يوم 15/10/1995 اتصل بي ليلآ. تحدث طويلآ الى ابني الذي لم يره، ولم يلتق به من قبل. مزح معه كثيرآ كعادته فلا حواجز تمنع ذاك الرجل من الحديث مع اي كان وفي اي موضوع. ثم تحدث معي وعاتبني لأنني لم اتصل به، ولم اكتب له منذ فتره. ضحكنا كثيرآ، وتبادلنا اخبار الأصدقاء. حدثني بلوعه عن الغربه الرهيبه، والناس التي تغيرت وصارت تفضل الغناء السخيف، واللحن الراقص " وانا لا زلت انحب على العراق" ثم تحدث مع زوجتي .. وعاد ليمزح معي. واتفقنا ان نلتقي كما هو الحال في نهاية كل مكالمه . ولكنه اصر هذه المره قائلآ لابد ان نلتقي حتى ولو اضطررت لأقتراض ثمن اجرة السفر."لازم اشوفك". هذه كانت اخر كلماته.

يوم الخميس 19/10/1995. رن جرس الهاتف. صوت متعب جائني من بعيد، صوت غريب، حزين، كئيب، وبعد مقدمات تشبه النواح قائلا :

ـ الخبر شديد الوقعه ولكن لايد من اخبارك . توقف كل شيئ في الكون الا هذه العباره: "مرتضى انطاك عمره" . سقطت سماعة التلفون . لم تحملني قدماي، انهمرت الدموع، غابت الدنيا، ضاعت الكلمات، احتبست الأنفاس، اختفت العبارات. صمت كل شيء وكأن الساعه قد قامت.

كنت متهيئا في طريقي الى المستشفى مع ابني الذي لم يفهم تحولي، وعبوسي، وسكوتي، وتساكب دمعي وعزوفي عنه، وقد عودته علي التشجيع، والحث قبل زيارة الطبيب فاخذ هو يواسيني، بدل ذلك، قائلآ:

ـ امسح دموعك يا ابي فالناس تنظر الينا، فأنا لا اخاف من الطبيب الى هذا الحد فلا داعي لبكائك!!
انتبهت الى نفسي، نظرت اليه، وهو يتحدث ببراءه الطفل المحتار، وسألته:
ـ هل تتذكر عمك الذي تحدث معك مساء ألأحد؟؟
ـ وكيف انساه، وقد مازحني طويلآ؟؟
ـ لقد مات!!!
ـ كيف؟ماذا؟ اين؟ وضاعت عربيته الركيكه وصار يتحدث بلغة الغربه :
ـ كبف يمكن ان يحصل هذا بهذه السرعه؟ انا لا افهم!!؟؟

وهل فهمت انا؟ هل استوعبت ألأمر؟ انا لا زلت غيرمصدق او ربما لا اريد التصديق. كابوس ثقيل، كارثه، فاجعه،خرافه، شيئ خارق صعب التصديق. توقف قلبه الصغير، النظيف، الحساس ،الحنون، المرهف،الحزين، عن النبض. هكذا بسرعه وبعجله غاب صاحب الصوت الجميل، واللحن الحزين، والحديث المشوق.. غنى للعراق، وبكاه طويلآ، وكتب باسم مرتضى مناوي . تلك المحله الصغيره والفقيره في مدينة البصره، التي انجبت الشعراء، وألأدباء، والفنانين، وألأطباء، والسياسيين، والقاده، والعلماء. من بين ازقتها الضيقه ودرابينها المسدوده ظهر لاعبي قدم، وسله، وعدائين مشهورين، وغيرهم. هكذا وكأي درب مسدود انتهت حياة ذلك المرهف . ربما لم يتحمل مسرحية ألأستفتاء،التي قام بها صدام ذلك العام. او وقع ذكريات ألأمس في الحديث التلفوني، او مصير العراقيين في الغربه؟؟؟ّ!!!

تومان العبد!!؟ لماذا اخترت هذا ألأسم لتوقع به بعض مقالاتك؟ سألته مره. تومان ياصديقي يمثل الضياع ونحن نضيع في الغربه. اجاب بحسره اسمع صداها حتى اليوم.

يقال أن الطيور تشعر بالعاصفه، والزلازل، وألأعاصير قبل حدوثها . فهل ياترى يتنبأ الفنان بحسه المرهف بأجله؟؟؟ هل يمكن؟؟؟
لقد حصل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ