الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فن تدوير العنف

مرح البقاعي

2010 / 3 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


على ضفاف نهر هادسن من مدينة نيويورك، وفي احتفال مهيب حضره كل من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تمثيلاً للرئيس باراك أوباما، وجانب من ضباط وجنود البحرية الأميركية، وجمع من عائلات ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر، دشّنت البحرية الأميركية مراسم إطلاق السفينة يو اس اس نيويورك USS New York، وأعلنت إدخالها إلى الخدمة في سلاح البحرية الأميركي، وفي مهمة محددّة وهي مكافحة الإرهاب في العالم.

يتشكّل قوس السفينة البرمائية العملاقة من 7.5 طناً من الفولاذ المصهور من بقايا حطام برجي التجارة العالميين في نيويورك، أما كلفة بنائها فبلغت 1.2 مليار دولار أميركي. وتَعْرض قمة السفينة صورًا من البرجين المتهاويين، وملامح مأخوذة من الهندسة المعمارية لأبنية مدينة نيويورك، المدينة العنقاء القائمة من رمادها، والتي سارعت إلى التعامل مع الهجمات الشرسة التي تعرّضت لها بسرعة نوعية وجسارة لافتتين، ولملمت جراحها لتستأنف حياتها الطبيعية على مرارة الحدث الذي هزّ الأرض بيد والسلم الدولي باليد الأخرى. جرت أعمال بناء السفينة في ميناء مدينة نيوأورلينز من ولاية لويزيانا، المدينة الناجية أيضا من إعصار صاغته غضبة الطبيعة هذه المرة، وليس غضبة البشر!

ومدينة نيويورك ليست بالحاضرة العادية، ولا سفينتها التي ارتفعت من الفولاذ المصهور لحطام برجيّ مركز التجارة العالمي في نيويورك اللذين انهارا على أجساد ثلاثة آلاف مدني أميركي ونيف في مراكز عملهم من صباح محتوم، يمكن أن تكون سفينة حيادية!

نيويورك توليفة للمجازات الكونية، أو نبتة ماردة من حديد ملويّ، أو امرأة نصف عارية تتلوى على سطح مياه هادسن الشاهدة.
نيويورك اسم ما وُلِدَ من الأرض، ومما تبقّى من الأرض أيضا.
من اسمها تنفجر حبات المطر اللامعة كخيوط من الفضة الموصولة تبلل الروح حين تجول في كثافة حي بردواي الطافح بشهوات فنون الأرض قاطبة.
من اسمها تركض سفن الغابات الإسمنتية، وسفينتها الأخيرة ارتفعت من صراخ قتلاها وقد تتطايروا من شرفات أحلامهم في الطوابق 90 ـ 81 ـ 95... وما فوق، وسقطوا كُراتٍ من غبار في سلال مِن قشّ مَن نجى من طوفان العصر ـ كاترينا في مدينة نيوأورلينز.

الناجون من طغيان إعصار كاترينا أعادوا صياغة الدمار سفينة لردع دمار آخر محتمل! لكن، من سيعيد صياغة أحلام من سقطوا في غفلة ذاك الصباح النيويوركيّ المحمول على غبار الجريمة، من يوقظ جمهرة الموتى من موتهم وينفخ لهم في الصور؟ من يلملم دموع الصغار حين ذهبت الأم وحَلواها في زوبعة من حقد الغرباء؟

نيويورك أعلنت حملتها على العنف بعملية "تدوير" للعنف (Recycling)، حين اشتقت من معدن الرعب والموت جسماً يشق البحر باتجاه خطِ أفقٍ منزوعِ الجريمة.

نيويورك انتصرت على الموت بتدوير أدواته تماما كما تُدوَّر زجاجات الكوكا كولا الفارغة، لتصار إلى بطانيات وألبسة ولوازم مدرسية من البوليبستر توزع على المنكوبين في العالم.

فكيف لنا أن نقرأ، بنازع ضميريّ، درس الفولاذ المختلط برفات من ذهبوا في سقطة من الضمير البشري؟ متى ندرّب أنفسنا على إدارة دفّة انفعالاتها باتجاه التوليد المنتج عوضاً عن الإلغاء الهدميّ؟ كيف نكبح جنوح ذاك المارد المتعاظم من نسيج الكره ورفض الآخر والرهاب من كل ما هو مغاير ومحدث (بفتح الدال حيناً وكسرها أحياناً)؟ كيف نسيطر على شهوة احتراف العنف المصبوب على رؤوس المدنيين ونحيّد العُزْل عن حروب العسكر؟ ومتى يتوقف من يقاتل باسم الله عن انتهاك كلام الله في قوله "من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً "؟!

قال القائد العام للبحرية الأميركية، راي مابوس، في حفل إطلاق السفينة يو اس اس نيويورك: "مهما بلغ عدد المرات التي نتعرض فيها لهجمات فإننا دائما سنعود إلى استئناف حياتنا الطبيعية". فهل يمكن للعالم فعلاً أن يعود إلى نقطة ما قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر2001 على الأراضي الأميركية، أم أن هذا الحادث الذي رسم بدايات عنفيّة للألفية الجديدة سيشكّل مداراً تسير على هَدْيهِ الدموي أجندات دولية مجهولة الأبعاد والهوية، كان سيناريو حرب العراق أعظم فواتحها، وليست أفغانستان بالمشهد الأخير منها؟!

سلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة