الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يدفع ثمن الإستيطان؟

محمد السهلي

2010 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تجميد الاستيطان في القدس لمدة أربعة أشهر، مقابل قيام واشنطن بالضغط على قيادة السلطة الفلسطينية من أجل إجراء محادثات مباشرة بين الرئيس عباس وبنيامين نتنياهو.
وبحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية التي أبرزت هذا الخبر فإن إدارة أوباما أرفقت هذا الطلب برسالة شفهية مفادها إن إسرائيل هي الطرف الأقوى في المعادلة ولن يضيرها كبح جماح البناء الاستيطاني في القدس ومواصلة تجميده في الضفة. ومع ذلك فإن نتنياهو انهمك في ورشة المباحثات مع مجلسه الوزاري المصغر بهدف بلورة معادلة صعبة يسعى من خلالها إلى عدم القطع مع سياسته الاستيطانية آخذا برأي بعض أقطاب حكومته الذين نصحوه: قل نعم.. ولكن!.
في خريطة المواقف داخل المجلس الوزاري المصغر برز أكثر من موقف: فقد عارض وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بشدة المطالب الأميركية ورأى فيها استسلام «على نمط تشيكوسلوفاكيا وبولندا عشية الحرب العالمية الثانية» وهذا موقف ينسجم مع صاحبه الذي دعا دائما إلى ضم سكان منطقة المثلث إلى «الدولة الفلسطينية» عند قيامها، وهو لا يؤمن أساسا بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
مقابل ذلك كان باراك يحذر رئيس الحكومة من أن رفض مطالب الرئيس أوباما قد يؤدي إلى قطيعة مع الولايات المتحدة بما يعني مسا بالمصالح الأكثر حيوية لأمن إسرائيل. مع أنه في الوقت نفسه يعلن قناعته بأن المطالب الأميركية غير مسبوقة تجاه أية حكومة إسرائيلية سابقة. لكن محصلة المواقف كما يبدو في المجلس الوزاري المصغر تؤيد سياسات نتنياهو التي تدعو إلى توسيع الاستيطان في القدس وباقي أنحاء الضفة الفلسطينية.
وفي إطار المواقف المطروحة في المستوى السياسي الإسرائيلي يبرز موقف رئيس الدولة العبرية شيمون بيريس وهو من كاديما ورئيس سابق لحزب العمل الذي دعا نتنياهو إلى عدم التوسع الاستيطاني في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، مشيرا إلى أن جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة قامت بالتوسع الاستيطاني في الأحياء اليهودية بالمدينة وتجنبت فعل ذلك في الأحياء الفلسطينية، وهذا برأيه الذي أثار ردة الفعل الحادة من قبل الإدارة الأميركية الحالية.
من هنا يبدو للمتابع أن الزاوية التي يتحرك فيها نتنياهو ومعظم حكومته قد ضاقت عليه وأن خياراته أصبحت محدودة في إطار محاولة البحث عن تفاهم مع الإدارة الأميركية يضمن له ماء وجهه أمام مجتمع التطرف اليميني الذي يؤيده.
وربما التطورات القادمة في هذا المجال ستستند على الغالب إلى مجموعة الاقتراحات التي يستعد نتنياهو وفريقه لتقديمها إلى الإدارة الأميركية بعد حسمها داخل الائتلاف دون أن ننسى مصاعبه داخل حزبه ذاته، ولعل من نصحه بالإجابة بعبارة نعم.. ولكن، إنما يقصد عدم إشهار الرفض بوجه المطالب الأميركية واستبدال ذلك بعرض مجموعة الاعتبارات الإسرائيلية التي تجعل من القبول الميكانيكي للمطالب عقدة أمام استقرار ائتلافه الحكومي القائم، وإلى جانب ذلك الأغلبية اليمينية في الكنيست الإسرائيلي ومع هذا وذاك هناك المستوطنون الذين يضغطون باتجاه تنفيذ الخطط التي سبق أن أعلنت في فترات ماضية.
وربما السؤال يدور عند البعض حول من سيدفع ثمن الاستيطان المؤجل في حال رضخ نتنياهو وحكومته للمطالب الأميركية، لكن السؤال الآخر الذي ينبغي أن ننتبه له هو من سيدفع ثمن المفاوضات عند انطلاقها؟.
يبدو للوهلة الأولى أن الفلسطينيين على قاب قوسين أو أدنى من الانتصار بالمعركة التي جرت بالإنابة عنهم، لأنه لا يجب التقليل فعلا من أهمية تجميد الاستيطان في القدس وأنحاء الضفة الفلسطينية حتى وإن كان لمدة أربعة أشهر. لكن ما يعيد النظر بالموضوع نسبيا أن الحديث بدأ مبكرا ومنذ الآن عن صيغ مختلفة لهذا التجميد ومنها ما أسمي «التجميد الهادئ» وقد فسره البعض بأنه تجميد يجري الإبلاغ عنه عبر الأقنية الدبلوماسية المعنية وهو غير معلن على الملأ. يضاف إلى ذلك أن الصحف الإسرائيلية ذاتها قد نقلت مؤخرا عن أوساط مقربة من نتنياهو بأنه عازم على فتح حوار مع واشنطن لإيجاد صيغ توافقية بالعودة إلى محاور الخطة الأميركية التي طرحت منذ أشهر والتي تتصدرها إجراءات تحت عنوان «بوادر زرع الثقة» بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مثل إزالة بعض الحواجز وإطلاق معتقلين فلسطينيين والإفراج عن بعض الاستحقاقات المالية للسلطة الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل.
قيمة هذا الطرح بالنسبة لنتنياهو بأنه يسهل له الهروب من التنفيذ الفوري للمطلب الأميركي وإحالة ذلك إلى طاولة المفاوضات بعد إنجاز الخطوات الجزئية التي ذكرناها.
وربما المشكلة الرئيسية الآن بالنسبة له هي موضوعة الائتلاف الحكومي الذي يهدد من ضمنه حزب العمل بالانسحاب في حال عدم ضم حزب كاديما وهذا يعني في حال حدوثه اعتراف من نتنياهو بأنه فشل في أدائه السياسي وأن إنقاذ الائتلاف يتوقف على دور غريمته تسيبي ليفني زعيمة «كاديما». وفي هذه الحالة سيكون نتنياهو قد دفع جزئيا ثمن انفلاته الاستيطاني في الأحياء الفلسطينية تحديدا وفي تعامله مع الإدارة الأميركية في ندية مبالغ بها وخاصة بعدما تمكن باراك أوباما من تمرير قانون الرعاية الصحية وتجاوز الاعتراضات المتوقعة.
أما من سيدفع ثمن المفاوضات، فهو السؤال الذي دائما نطرحه ونطالب بتقديم إجابات تنسجم مع الحقوق الوطنية الفلسطينية لأن ما يحدد مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967 وهويتها إنما هو الإطار السياسي والقانوني الذي تنطلق بموجبه هذه المفاوضات ولا يحدده فقط حصيلة التجاذبات الإسرائيلية ـ الأميركية .
هذا يعني بوضوح أننا وللأسف نضطر إلى تكرار ضرورة حضور قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كأساس لهذه المفاوضات والتي يجب أن تناقش بموجبها وعلى أساسها القضايا الأساسية للصراع دون تهميش أحدها أو مقايضة أي منها بالآخر وأن تكون الرعاية الدولية حاضرة من خلال مؤتمر دولي فلا يجب برأينا أن تدفعنا حدة التجاذبات القائمة بين واشنطن وتل أبيب إلى تسليم دفة تحديد مصير أرضنا المحتلة وفق معطيات مرحلة من مراحل العلاقات بين العاصمتين. فنحن نؤيد كل أشكال الضغط الأميركي والدولي على إسرائيل لوقف انفلات الاستيطان ولا نستهين بأهميته إنما لا نريد أن يكون هذا الضغط قطارا لا يصل في سكته المنظورة سوى إلى عتبة المفاوضات، لأننا لا ننظر إليها كهدف قائم بحد ذاته بل ربطا بالأهداف المرجوة منها وفق بالأسس التي ذكرناها.
ونعتقد أن ما يجري الآن يجب أن يدفعنا جميعا في الحالة السياسية الفلسطينية على مختلف مكوناتها ومستوياتها إلى بلورة استراتيجية وطنية جماعية واضحة يتم بموجبها التعامل مع موضوعة المفاوضات وتوفير الشروط الوطنية الحازمة لاستئنافها ومتابعة وقائعها ومجرياتها والإشراف على توجيهها حتى نضمن وصولها إلى الأهداف التي نريد. ومن غير ذلك فإننا سنراوح في مربع الانتظار نراقب ما تنتهي إليه جولة التجاذبات الأميركية الإسرائيلية وعندها سنكون متأخرين عن دائرة الفعل في الوقائع التي تجري. وسنتلقف ـ كالعادة ـ نتائجها ومن ثم نبدأ بردات الفعل الصاخبة وهو ما لا نريده، ويجب أن نعمل على أن لا يتكرر مرة أخرى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 4 / 2 - 03:11 )
أخي الكاتب المحترم ، تحية ، إسمح لي بالسؤال التالي : عن أية إستراتيجية وطنية واضحة تتحدث للتعامل مع موضوعة المفاوضات ؟ إذا كانت الحالة الفلسطينية ذاتها تواجه مأزقاً تفاوضياً مع ذاتها في ظل حالة الإنقسام والأنفصام الحاصلة بين إمارة غزة وسلطنة رام الله . لشديد الأسف يبدو أن البعض لم يتعظ بعد عشرون عاماً من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة لم تؤدي الى نتائج بل أدت الى ما هو أسوء . ما يجري الأن هو شرعنة الإستيطان بغطاء عربي وأمريكي وبغطاء أيضاً فلسطيني . بتقديري الأهم لمجابهة الإستيطان أولاً إنهاء حالة التمزق في الموقف الفلسطيني قبل التحدث عن الإستراتيجيات الكبيرة . وعلى ما يبدو لا تدري القيادة الفلسطينية ما يقال في الشارع سواء الفلسطيني والعربي أو الدولي الذي كان حتى وقت قصير متعاطفاً الى حد ما حول تقييمة لدور القوى السياسية الفلسطينية وأداءها السياسي .فقد تحولت القضية الفلسطينية الى قضية غزاوية المهم سفن النجدة الإعلامية ، وفي رام الله البحث حول كيفيية تحسين مستوى معيشة أجهزة البطالة المقنعة. رحمة بالعباد وبكم .أولاً موقف سياسي موحد فلسطينياً. مع الشكر

اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل